عرف بالدبلوماسي والقومي، والمثقف البارع، ويعدّ من أهم الشخصيات السياسية العربية التي ظهرت في بداية القرن العشرين، ومن الذين وضعوا دستور الهيئة العامة للأمم المتحدة قبل الإعلان عن تأسيسها عام 1945.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 4 حزيران 2017، الدكتورة "ندى زين الدين" ابنة الراحل "فريد زين الدين"، التي تحدثت عن والدها وحياته الحافلة، فقالت: «ينتمي والدي إلى أسرة ذات جذور لبنانية، في منطقة "الشوف"، ويُعدّ من ألمع الدبلوماسيين العرب، ومن أفصح الخطباء والمبعوثين من الشرق الأوسط في المنظمات الدولية، ومن أكثر المندوبين الذين ظهروا على منبر "هيئة الأمم المتحدة" بلاغةً وقوة حجة.

عندما أتاني النعي بخبره بكيتُ مرة، وبكيتُ وطني "لبنان" مرتين

شخصية اجتماعية معروفة، ومؤلِّف بارع ورجل مثقف، أتقن اللغات الإنكليزية، والفرنسية، والألمانية، والروسية، إلى جانب اللغة العربية.

أثناء وضع ميثاق الأمم المتحدة

وهو من أسرة معروفة، فقد برز من العائلة الشيخ "زين الدين بن حسن خطيب" 1907-1935م، الذي نال رتبة أمير أمراء، وحصل على لقب باشا من "الأستانة"، وابنه "محمد" 1859-1917م، الذي تخرّج محاميّاً في "الأستانة" أيضاً، وتولى رئاسة "محكمة الشوف"، والمحامي "سليمان بك زين الدين" 1865-1935م، الذي عُيّن مديراً لـ"الشوف"، والدكتور "سعيد زين الدين" 1877-1954م، المدّعي العام في "لبنان" و"القدس" ورئيس محكمة الاستئناف الأولى في "لبنان". ومن مشاهير الأسرة أيضاً، الكاتبة الأديبة "نظيرة زين الدين" 1907-1976م، التي هزّت العالم الفكري عام 1928م، بكتابها "السفور والحجاب"».

وعن بداية الطريق الذي خطه لحياته، تضيف: «ولد في قرية "عين قنية" في "الشوف" عام 1909، كان شاعراً رقيق الديباجة، مرهف الحس، مخلصاً صادق الوِداد لأصحابه، درس في "الجامعة الأميركية" في "بيروت"، وحصل على البكالوريوس عام 1925م وكان في السادسة عشرة من عمره، درس ودرَّس فيها، لينال الدكتوراة في الحقوق من جامعة "السوربون" عام 1932م، ثم انتقل إلى "ألمانيا" وحصل على الشهادة الدولية في الاقتصاد والمال والعلوم من جامعة "برلين". وخلال إقامته فيها بدأ يتجه إلى القراءة في مجال الدراسات الإسلامية حتى أصبح شغوفاً ليصبح فيما بعد مسلماً معتدل الفكر.

زوجته السيدة هيفاء العظم

عمل أستاذاً جامعياً في "العراق" عام 1933 لمدة سنتين، استُدعي عام 1937م، إلى "دمشق"، وعيّن مديراً للشؤون الخارجية في وزارة الخارجية السورية.

له كتابات عديدة مناهضة للاستعمار الفرنسي والبريطاني، ونظراً إلى جرأته؛ سجنَه الفرنسيون عدة مرات في "سجن صيدا".

مع الرئيس فارس الخوري

عُيّن عام 1944م مديراً عاماً للتموين، وفي عام 1945م، كان أحد الموفَدين الستة في مؤتمر "سان

فرنسيسكو" برئاسة "فارس الخوري" في الولايات المتحدة لوضع ميثاق الأمم المتحدة. وفي عام 1951، عُيّن سفيراً لسورية في "الاتحاد السوفييتي"، ليصبح فيما بعد ممثل "سورية" الدائم في الأمم المتحدة، ويشغل عام 1952م منصب سفير "سورية" في الولايات المتحدة، حيث دافع عن قضايا عربية كثيرة، ووقف في وجه الدعم الأميركي للصهيونية العالمية. كذلك تناول موضوع المياه الإقليمية كالعبث بمياه "نهر الأردن"، إضافة إلى مواقفه بشأن قضية "قناة السويس"، حيث تصدَّرعداؤه لإسرائيل عناوين الصحف الأميركية لسنوات عدة».

أما عن أبرز الأعمال التي قام بها في مسيرته الطويلة، قال القاضي في محكمة "لاهاي" المستشار "عبد الله الخاني": «من أهم منجزاته صياغته للفصلين الأولين من الميثاق المتعلقين بالمنطق والنظم الأساسية التي تعمل المؤسسة بموجبها. ليعيَّن فيما بعد سفيراً لـ"سورية" في الأمم المتحدة حتى عام 1957م، وكان من أهم المندوبين العرب في أروقة الأمم المتحدة، وقد اشتهر بفصاحته وطريقة إلقائه المقنعة لكل ما يريد عرضه على الجمعية العامة ومجلس الأمن، وعليه استمتع الأعضاء والمندوبون بخطبه لقوة حجته.

وفي تلك المدة كان وزيراً مفوضاً في "المكسيك"، ليعيَّن سفيراً في "ألمانيا الغربية"، وكان من الساعين لتأسيس الوحدة بين "مصر وسورية"، فقد كانت له مساعٍ حميدة في التقارب والتفاهم بين الرئيسين "جمال عبد الناصر، و"شكري القوتلي"، وشغل منصب وزير دولة ووزير خارجية الجمهورية العربية المتحدة. وقد تأثر من انفصال الوحدة وكان في "القاهرة" حيث عبَّر عن ذلك بخطابٍ حادّ اللهجة، ليعود إلى "سورية" عام 1970م، ويعتزل الحياة السياسية».

وأضاف: «لقد اشتهر بمواقفه السياسية الواضحة، فقد كان نشيطاً عام 1925م، في عصبة العمل القومي ودعم الثورة السورية الكبرى بقيادة "سلطان الأطرش"، وكان من مناوئي الاستعمار الفرنسي، واعتُقل أكثر من مرة.

وقف ضد أي قرار تصدره حكومة الانتداب يمس الوطن؛ لذلك كثر منتقدوه من الموالين للفرنسيين، لكنه لم يكن يشعر بالحرج، فكان يستقيل من المنصب الموكل إليه مهما علا شأنه مع موافقته على تولي بعض الوظائف بشروطه.

أيّد ثورة "رشيد علي الكيلاني" في العراق عام 1941م، وكان من المعارضين لصيغة جامعة الدول العربية؛ لأنها اعتمدت على الحكومات وليس على الشعوب.

عارض توقيع اتفاقيات هدنة منفردة بين "إسرائيل" وبعض الدول العربية، وأبدى رأيه في هذا بقوله: (إذا لم يكن مفرّ من عقدها، فيجب أن تكون بين الدول العربية مجتمعة من جهة، وبين "إسرائيل" من جهة أخرى).

كان له دعم وتعاطف مع الحركات الوطنية في الدول العربية التي لم تكن مستقلة، وكان خبيراً في مواضيع المياه الدولية الإقليمية، وقد اشترك في حل عدة خلافات دولية من هذا القبيل.

كما قدّم الاستشارات، وتولّى الدفاع في بعض المحاكم ممثلاً القطاع التجاري والسلطات العامة والمستثمرين، وهو من مؤسسي مصرف سورية المركزي».

يعدّ الدكتور "فريد زين الدين" إضافة إلى كونه سياسياً ودبلوماسياً وخطيباً، أديباً بارزاً وكاتباً ضليعاً، وقد أحبّ الشعر الرصين، وأجاد اللغة العربية، وألّف "نظام المراقبة على الانتدابات الدولية"، و"التحرر القومي في أوروبا في القرن التاسع عشر"، وقد حصل على عدة أوسمة وشهادات تقدير.

امتلك شعوراً وطنياً قوياً؛ وهذا ما جعله دائم الإقامة في "دمشق - حي الروضة العريق".

أما عن حياته الخاصة، فقد تزوج من "هيفاء جواد مختار العظم" وأنجب أربعة أولاد.

أحبَّ د. "فريد زين الدين" مدينة "دمشق"، فاختار مكان مثواه الأخير في مقبرة "باب الصغير" بالقرب من مقام الصحابي "بلال الحبشي"، ومقابر آل زوجته، وفي عام 1979م، توفي إثر نوبة قلبية، ودفن في المكان الذي اختاره، حيث جرت له جنازة كبيرة جداً بحضور رجالات من طوائف مختلفة. وقد تم تأبينه بمرور أربعين يوماً على وفاته، من قبل السفير "محمد علي حمادة"، حيث قال: «عندما أتاني النعي بخبره بكيتُ مرة، وبكيتُ وطني "لبنان" مرتين».

وكتب عنه المؤرخ "نجيب البعيني" قائلاً: «كان من أبرز صفاته: الصدق، والأمانة والاستقامة، والوفاء، والتواضع، والحكمة، والحنكة. امتاز بذاكرة قوية شفافة؛ فهو لا ينسى إنساناً التقاه لقاءً عابراً من سنوات بعيدة، ولا تغيب عن ذاكرته الأحداث التي عاصرها وعاشها».