المربيّة الراحلة "شفيقة الجباوي" من عائلة "سعد الدين الجباوي"، التي تعدّ من أعرق العائلات الدمشقية، وأكثرها ارتباطاً بشعائر محمل "الحج الشامي"، حيث أبصرت النور في منطقة "الشاغور" داخل السور عام 1923م.

قدمت "الأسرة السعدية" شخصيات دينية تركت بصمتها الخاصة في علوم الدين، منهم الشقيق الأكبر العلّامة "محمد وحيد الجباوي"، صاحب "الزاوية السعدية" في حيّ "القيمرية"، التي مازالت عامرة حتى يومنا هذا.

أولعتُ في المرحلة الإعدادية بالفنون التي تلقيتها من الفنان "عبد الوهاب أبو السعود"، والخطاط "حلمي حباب"، فأتقنت الفنون الزخرفية، وبرعت بالفنون النسوية والتطريز والخياطة وحياكة السجاد اليدوي، ونقلت كل ذلك إلى طالباتي

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 19 حزيران 2016، المهندس "محمد مازن قوتلي"، الذي تحدّث عن طفولة المربية "شفيقة الجباوي"، فقال: «نشأت في بيئة متدينة، وعليه حفظت القرآن الكريم كاملاً في سن مبكرة، وفيما بعد بدأت تلقي علم الحديث ومتونه عن والدها رجل العلم "محمد صالح السعدي الجباوي"، الذي كان معلماً ومديراً في مدارس "دمشق" و"حمص"، والذي كان يؤمن بأن للمعلم رسالته ومكانته في المجتمع، هذا الفكر المستنير دفعه إلى العناية بابنته لكونها بكر أولاده، ومع صغر سنها أحبت اللغة العربية، فتلقت علومها من والدها بشغف، ولما تمكنت منها بدأت حفظ الأشعار والأمثال».

شفيقة مع أصدقائها

وتابع المهندس "قوتلي" سرد تفاصيل رحلتها مع العلم في عدد من مناطق "سورية"، بالقول: «تخطت المراحل التعليمية بفكر واعٍ، لتنهي المرحلة الإعدادية بتفوّق، وبناء على نصيحة والدها الذي بلغ سن التقاعد حينئذ اتجهت إلى سلك التعليم منذ عام 1936م، وهي لم تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها، حيث تمّ تعيينها في "السلمية" بريف "حماة"، لمدة سنتين، ونزلت بضيافة آل "ميرزا" من عائلات "السلمية" المعروفة برفقة والدها الذي كان معها لصغر سنّها، وخلال إقامتها هناك زارها "الآغا خان" بنفسه وقدّم لها الهدايا، وشكرها على إخلاصها وتفانيها في عملها ومحبة الأهالي لها، وفيما بعد تم تعيينها في مدينة "يبرود" في "ريف دمشق".

طلبت العودة إلى "دمشق" بعد وفاة والدها، وبدأت رحلتها الثانية من العطاء من خلال المشاركة في التعليم، وإعالة العائلة، ومتابعة تعليم شقيقاتها الثلاث وأخيها الأصغر سنّاً، ومشاركة والدتها في تربيتهم فيما نشأت هي عليه.

شفيقة مع طلابها

سخرت في هذه المرحلة خبرتها العميقة في تربية وتعليم أجيال من الناشئة بما فيهم أخواتها اللاتي أنهين دراستهن وانخرطن في سلك التعليم، عندها أدركت أنها أتمت رسالة والدها، لتبدأ بهمة أكبر تثقيف جيل عريض من خلال مزاولتها التعليم متنقلة بين مدارس عدة في "دمشق"، مثل مدرسة "ذات النطاقين" بحيّ "ساروجا"، ومدرسة "رابعة العدوية" بحيّ "العمارة"، ومدرسة السيدة "حفصة"، ومدرسة "عائشة الباعونية"، ومدرسة "ماريا القبطية" بمنطقة "السادات"».

المربية "مطيعة طرابلسي" التي عاصرت الراحلة، تحدثت عن بعض صفاتها وأعمالها بالقول: «كانت الحركة التعليمية خارج "دمشق" متواضعة، لذلك عملت الوزارة على إرسال الكوادر التعليمية إلى المحافظات لمتابعة نشر التعليم فيها، فأرسلتُ إلى "حمص"، بينما أرسل غيري من خريجات دار المعلمات إلى محافظات مختلفة، وكانت منهن "شفيقة الجباوي" التي استقرت في منطقة "السلمية" قرب "حماة"، حيث كانت من خيرة خريجات دار معلمات "دمشق".

الزاوية السعدية

كانت امرأة معطاءة أحبت مهنة التعليم، فعاشت مخلصة لها أربعين عاماً، حتى أحيلت إلى التقاعد عام 1976م.

وكانت مرجعاً في اللغة العربية، وخاصة الإعراب. لقد تركت خلال حياتها الزاخرة بالعطاء أعمالاً فنية عدة من تصميمها وتنفيذها، أهمها قطع من السجاد اليدوي، حيث عدّت من الرواد القلائل في هذا المجال».

ومن الأحاديث التي نقلت عن المربية "الجباوي"، ومن أثر بمسار حياتها، تقول: «أولعتُ في المرحلة الإعدادية بالفنون التي تلقيتها من الفنان "عبد الوهاب أبو السعود"، والخطاط "حلمي حباب"، فأتقنت الفنون الزخرفية، وبرعت بالفنون النسوية والتطريز والخياطة وحياكة السجاد اليدوي، ونقلت كل ذلك إلى طالباتي».

يذكر أن "الجباوي" تزوجت من الراحل "عدنان القوتلي"، ولم يمنعها الزواج والإنجاب من متابعة مهنتها المقدسة في التعليم؛ فكانت المربية الفاضلة والأم الحنون التي أنشأت أولادها كما يجب؛ فاهتمت بشؤونهم ودراستهم، وأعطت "دمشق" خمسة مبدعين، هم: "مازن القوتلي" أستاذ في كلية التربية بجامعة "دمشق"، وهو فنان تشكيلي، والراحل "ممتاز القوتلي" المبدع والمبتكر في المجالات الصناعية والتطبيقية، و"معتز القوتلي" الفني في الميكانيك، و"مسلم القوتلي" المختص في العلوم الاقتصادية.

وأعطت موروثها الفني لابنتها "أمل القوتلي" الفنانة التشكيلية المبدعة.

وافتها المنية عام 1991 بعد رحلة غنية بالعطاء والبذل والمحبة.