أثبت الدّكتور "واثق شهيد" في مفاصل حياته المختلفة وجود علاقة جدليّة بين العلم والمجتمع، وأنجز الراحل مهام متنوعة تدل وبوجه عملي على ارتباطه شخصياً بالكثير من الحلول التي جسّدت هذه العلاقة على الأرض.

وللتعرف أكثر إلى هذه الشّخصيّة التقت مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 30 تشرين الثاني 2015، الدّكتور "موفق دعبول" أستاذ الرّياضيات اختصاص ميكانيك السّوائل، وأحد أعضاء مجمع اللغة العربيّة، فتحدث قائلاً: «الدّكتور "واثق" من أوائل الطلاب المتفوقين بكلية العلوم في جامعة "دمشق"، تمّ إيفاده إلى "فرنسا" حيث جهز دكتوراة الدّولة في الفيزياء النوويّة وأنهاها عام 1957، عاد إلى "دمشق" ليدرّس في كلية العلوم، وكانت له جهود ملحوظة في تأسيس مخابر الفيزياء فيها.

أراد الدّكتور "واثق شهيد" إحداث مركز للدراسات والبحوث العلميّة في بلدنا على غرار مراكز الدّراسات الشّائعة في العالم، وبحكم علاقاته التي صنعتها شخصيته الاجتماعية صاحبة الحضور المتميز؛ تمكن من إيصال فكرة هذا المركز وجدوى التعامل معها، ونُقلت إلى الجهات العليا، فلاقت الارتياح والقبول، وجرى العمل على إنشاء مركز الدراسات، ولا تزال الدولة تجني ثمار هذا الإنجاز

كان رجلاً اجتماعياً، خلوقاً، ومخلصاً جداً، عقلانياً، لديه معيار واضح للغاية وهو الموضوعيّة المطلقة، يحرّكه البحث عن الحقائق والقضايا ذات العلاقة المهمة والأساسية في تطور البلد ونموه وارتقائه، سمعته الطّيبة وتميزه بعلمه رشّحاه لمراتب عدة، أول ترشيح له كان معاون وزير التّربية لشؤون الجامعات، وفي عام 1966 أُسّست وزارة التّعليم العالي وتولى الدّكتور "شهيد" مهام هذه الوزارة لمدة قصيرة لم تتجاوز العام الواحد، إلا أن طموحاته الكثيرة والكبيرة تركت بصمة واضحة، وثمار مشاريعه في هذه الوزارة ما زالت تجنيها جامعاتنا حتى الآن، فلم يكن اهتمامه بالأمور الاستهلاكية السّريعة، بقدر اهتمامه بالقضايا الجوهريّة الرّئيسة، أقام مؤتمراً لإعادة النّظر في مناهج الجامعة عموماً وكلية العلوم خصوصاً، وبذل جهداً كبيراً بهذا الموضوع».

الدّكتور منصور فرح

وتابع: «تم اختياره كعضو في مجمع اللغة العربيّة عام 1988، وفيما بعد أصبح أمين المجمع، وكانت له جهود واضحة، فهو حيثما حلّ يفعل، ويعود له الفضل باختيار عدد من المجمعيين المتميزين. عمل على إيجاد هيئة فنية كما في الجامعات، حيث كان يريدها جهة علميّة صرفة، توازي الجهة المخبريّة، تسطيع أن تتمّ العمليّة التربوية التعليميّة. كما حرص الدّكتور "واثق" على حضور جلسات المجمع حتى السنوات الأخيرة من حياته».

عمل "الدّكتور واثق شهيد" على تأسيس مركز الدّراسات و البحوث العلميّة، وفي هذا السّياق قال الدّكتور "منصور فرح" استشاري تكنولوجيا المعلومات والاتّصالات من أجل التنمية موضحاً: «أراد الدّكتور "واثق شهيد" إحداث مركز للدراسات والبحوث العلميّة في بلدنا على غرار مراكز الدّراسات الشّائعة في العالم، وبحكم علاقاته التي صنعتها شخصيته الاجتماعية صاحبة الحضور المتميز؛ تمكن من إيصال فكرة هذا المركز وجدوى التعامل معها، ونُقلت إلى الجهات العليا، فلاقت الارتياح والقبول، وجرى العمل على إنشاء مركز الدراسات، ولا تزال الدولة تجني ثمار هذا الإنجاز».

الدّكتور عماد الصّابوني

وأضاف الدّكتور "منصور" فهو أحد أوائل المدرّسين في المعهد العالي للعلوم التّطبيقية والتكنولوجيا الذي أسّس عام 1983، ومن المواكبين لمراحل رسم كيان المعهد مع الدّكتور "واثق": «كان لدى الدّكتور "واثق" رؤية بالعلم والتّكنولوجيا في "سورية"، فقد كان يهمه أن يرتقي بها إلى المستوى العالمي، وسعى إلى تحقيق هذه الرؤية عن طريق مركز الدراسات والبحوث العلمية، والمعهد العالي للعلوم التّطبيقية والتّكنولوجيا خاصة فهو المنظور البعيد للبلد، وكان يأمل بعدة معاهد على هذا النموذج الرّاقي، فهي التي تخلق باحثين متمييزين، فجامعتنا بعقلية التلقين والحفظ فيها تعجز عن تحقيق ذلك».

تحدث الدّكتور "عماد الصّابوني" وزير الاتصالات السابق وأحد أوائل خريجي المعهد العالي للعلوم التّطبيقيّة والتّكنولوجيا عن الدّكتور "واثق"، فقال: «أراد الدّكتور "واثق" تأهيل مهندسين أكفاء قادرين على العمل في مشاريع مركز الدّراسات والبحوث العلميّة، فعمل من جهة على تأهيل عدد من المهندسين الخريجين الأوائل، ومن جهة أخرى اشتغل على تأهيل الطلاب النّاجحين بالثانويّة العامة داخل "سورية" وخارجها، واعتمد بعمليّة التّأهيل هذه على المعهد العالي المحدث بالمرسوم الصّادر عام 1983، وكان نموذج التدريس فيه يشبه إلى حد كبير ما هو متبع في تجمع مدارس الهندسة الفرنسيّة؛ فهناك الحلقة الأولى يتمّ فيها تدريس العلوم الأساسيّة من رياضيات، وكيمياء، وفيزياء بالدرجة الأولى، واللغة الفرنسيّة والإنكليزيّة، مع قليل من المعلوميات (المعلوماتية)، والحلقة الثانية التي تنوعت اختصاصاتها بالتدريج، وقد عقد الدّكتور "واثق" اتفاقيات تعاون مع هذه المدارس، واتفاقات تعاون أخرى مع الجهات المسؤولة عن اختيار طلاب أجانب لتأمين منح دراسيّة في الحكومة الفرنسية».

أضاف بما يخص شخصيّة الدّكتور "واثق": «عُرفت عنه الشّخصيّة القويّة المتميزة، والإدارة النّاجحة، والقدرة الكبيرة على المتابعته الدّائمة واللحوحة لكافة الأعمال والمشاريع، وكل الطّلاب في المعهد بأغلب تفاصيل حياتهم سعياً منه لتعزيز ارتباطهم بالبلد، فلم يوفر جهداً يرى فيه سبيلاً لتأمين الاستقرار لهم بمجمل المستويات، فكانت علاقته الشّخصيّة معهم ناجحة بكل المقاييس، حيث اشتغل على تأهيل موارد بشريّة متميزة بطريقة فيها رؤية بعيدة المدى».

وفي حديث المهندس "جرجس الغضبان" الخبير الوطني في مجال الجودة والتّمييز عن الدّكتور "واثق شهيد" وما له من عمل في مجال الجودة قال: «للدكتور "واثق" فضل كبير على موضوع الجودة بنواحٍ مختلفة، فقد كان داعماً لحملات التّوعية الوطنيّة في مجال الجودة؛ حيث تبناها مركز الدّراسات والبحوث العلميّة، كما تولى إدارة لجنة التّنسيق والمتابعة لنشر وتطبيق الجودة في "سورية"، وعام 1995 بدأ شهر الجودة الأول في "سورية" وأصدر المعهد العالي للعلوم التطبيقيّة والتّكنولوجيا أول نشرة سميت الجودة، وعمل على المشاركة في تنظيم دورات متعددة ولجهات مختلفة اهتمت بموضوع الجودة، ويعود الفضل الكبير للدكتور "واثق" بإنشاء المخبر الوطني للمعايير والمعايرة عام 1987».

ولد الدّكتور "واثق شهيد" عام 1927، في بلدة "عز" بمحافظة "حلب"، وتوفي في شهر آب 2015، له العديد من المؤلفات الجامعية، مثل: الترمودناميك التّقليدي، الفيزياء الحديثة، الفيزياء النظريّة.