أكاديمية تربوية مناضلة، تركت بصماتها في مجالات التربية والتأليف والترجمة، رفيقة درب شاعر العروبة والطفولة "سليمان العيسى"، عاشت حياتها في مسيرة علم لا تنضب، وعطاء مازال مستمراً.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 29 تشرين الأول 2015، الدكتور "نزار بني المرجة" عضو اتحاد الكتاب العرب؛ الذي تحدث عن الأديبة "ملكة أبيض"، ويقول: «يصعب على المرء في الواقع وصف تلك الأديبة الكبيرة قديسة الوفاء والكلمات، والمربية المثالية، والأكاديمية المتميزة التي لاتزال تحمل شعلة العلم والأدب والمعرفة لأجيالنا وللأجيال العربية القادمة».

يصعب على المرء في الواقع وصف تلك الأديبة الكبيرة قديسة الوفاء والكلمات، والمربية المثالية، والأكاديمية المتميزة التي لاتزال تحمل شعلة العلم والأدب والمعرفة لأجيالنا وللأجيال العربية القادمة

أما الباحث التاريخي "رائد حامد" فيقول عنها: «أكاديمية مجتهدة، غزيرة الإنتاج في ميادين التربية والثقافة والترجمة، مربية مناضلة عرفتها ثانويات "حلب" و"دمشق" في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين قبل أن تكون أستاذة في حرم الجامعة، لا يمكن ذكر التربية المقارنة والطفولة المبكرة إلا ويحضر اسمها بوصفها صاحبة الدور الأبرز في إظهار هذه العناوين والموضوعات التربوية على أنها اختصاصات مستقلة، وما يؤسف له أن تجربتها الإبداعية المشتركة مع الراحل "سليمان العيسى" وربما مجمل النتاج الفكري لها لم يلقَ الاهتمام والعناية التي يستحقها من قبل الباحثين والنقاد، ومع ذلك فهي تتابع الكتابة في دروب الفكر والثقافة بمنتهى الهدوء، همها أن تترك ذخراً للأجيال القادمة يستحق التوقف عنده».

خلال إحدى مشاركاتها الأدبية

كما التقت المدونة بتاريخ 28 تشرين الأول 2015، الباحث التاريخي "محمد مروان مراد"، وعنها تحدث بالقول: «ضمن أسرة متدينة محافظة، محبة للعلم، ولدت "ملكة أبيض" في مدينة "حلب" عام 1928، والدها "عبد الرحمن"، والدتها "فوزية العطار"، كانت "ملكة" صاحبة الرقم ثلاثة بين تسع بنات، بدأت دراستها الابتدائية في مدرسة "الناصرية" برفقة أختها "إنعام"، ونالت شهادة "السرتفيكا" وهي دون العاشرة من العمر، ثم التحقت بمدرسة "المأمون" الثانوية حيث نالت شهادة "الكفاءة"، ثم البكالوريا الأولى، في هذه المرحلة من عمرها تكونت "ملكة" ثقافياً واجتماعياً وسياسياً، ويذكر أنها شاركت مع طلاب وطالبات مدرستها ومدارس أخرى في المظاهرات الصاخبة التي كانت تنطلق مطلع الأربعينيات مطالبة باستقلال "سورية" ومنادية بسقوط "فرنسا" واستعمارها، وبلغت بها الحماسة درجة جعلت إدارة المدرسة تعاقبها بالطرد ثلاثة أيام من المدرسة.

تابعت تحصيلها الثانوي في "دمشق" حيث تميزت بتفوقها الذي أهلها للحصول على منحة لدراسة الفنون النسوية في "بلجيكا"، وقد حرصت خلال سنوات وجودها في "بروكسل" على اكتساب أكبر قدر ممكن من الثقافة الأوروبية بأوسع معانيها، وقد آمنت بأن التغيير والتقدم يبدأا من الذات أولاً ومن خلال العمل الجاد للخلاص من التخلف، وقد حازت دبلومين في التدبير المنزلي والتمريض، وخلال وجودها في "بروكسل" واظبت على زيارة المتاحف ومعارض الكتب والفنون التشكيلية، وحضرت الندوات السياسية، واشتركت في البرامج الموسيقية، وشاركت بالرحلات التي نظمتها الجامعة وزارت "هولندا" و"سويسرا" و"إيطاليا" و"فرنسا"».

الباحث التاريخي رائد حامد

ويتابع: «عادت إلى "حلب" لكنها واصلت دراستها لمادتي التربية الوطنية والفلسفة بالمراسلة، وما لبث أن عادت إلى "بروكسل" لفترة وجيزة لإتمام دراستها، حيث حصلت على الإجازة في التربية. في عام 1949 تزوجت من الشاعر الراحل "سليمان العيسى" المناضل العربي وقاسمته متاعب النضال الوطني ومشاقه، وعملت في تلك المرحلة على ترجمة الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية، وقد ساهمت بترجمة أعمال شعراء الجزائر، ولم يصرفها نشاطها في النضال والترجمة عن متابعة تحصيلها العالي، فأكملت دراسة الماجستير التي حملت عنوان: "قيم الشباب السوريين في جامعة دمشق"، وحصلت على الماجستير عام 1968 من قسم التربية في الجامعة الأميركية بـ"بيروت"».

ويضيف: «مارست التدريس في معهد إعداد المعلمين وكلية التربية بجامعة "دمشق"، وفي هذه المرحلة أعدت رسالة الدكتوراه عن كتاب "تاريخ دمشق" لـ"ابن عساكر" بعنوان: "التربية في بلاد الشام في القرون الثلاثة الأولى للهجرة"، وبعد جهد ومثابرة لمدة عشر سنوات نوقشت رسالتها في جامعة "ليون الثانية" في "فرنسا"، وحازت دكتوراه الدولة الفرنسية بدرجة مشرف جداً، تفرغت بعدها للتدريس في كلية التربية بجامعة "دمشق" 1980، واختيرت رئيسة بقسم التربية المقارنة والتربية في الوطن العربي، حيث ركزت اهتمامها طوال عشر سنوات على نظم التعليم الغربية والشرقية المتقدمة والنائية.

الباحث التاريخي محمد مروان مراد

تقاعدت الدكتورة "ملكة أبيض" من التدريس 1988، وهنا بدأت مرحلة جديدة في مسيرتها؛ إذ غادرت إلى "اليمن" للعمل أستاذة بكلية التربية في "جامعة صنعاء"، حيث علّمت مادة التربية العربية، وتنقلت في السنوات التالية بين "صنعاء" و"أرحب" لتدرس الترجمة 1999، وكان زوجها الشاعر "سليمان العيسى" رفيق إقامتها تلك الفترة في "اليمن" إلى أن عادت برفقته إلى "دمشق" للإقامة الدائمة منذ عام 2005».

وعن مسيرتها الثقافية والتربوية يقول "مراد": «كانت مسيرتها في عالم الثقافة والتربية غنية جداً، إذ أثرت المكتبة العربية بأكثر من خمسين مؤلفاً، وقد توزع جهدها الفكري لثلاثة اتجاهات؛ أولها التربية حيث قدمت فيها مساهمات مهمة في كتابة تاريخ التربية العربية، وتطويرها لطريقة البحث في كتب التراث وكتب التراجم، وبحثها ببابين أساسيين في أبواب الدراسات التربوية وهما: التربية المقارنة، والطفولة المبكرة ورياض الأطفال. وثانيهما إطار الترجمة حيث قدمت عدداً من الكتب المترجمة عن الفرنسية والإنكليزية وصلت إلى خمسة عشر كتاباً. كما ترجمت عدداً من الدواوين الشعرية والمسرحيات والروايات من الأدب الجزائري، إضافة إلى كتب حول منهجية البحث والإبداع الروائي السوري، ومجموعة قصص الأطفال، وعن الإنكليزية ترجمت عدداً من الكتب التربوية حول الطفولة المبكرة وأدب الأطفال، وترجمت تسعة كتب من العربية إلى الفرنسية؛ وهي مقتطفات شعرية مما أبدعه "سليمان العيسى"، حيث عملت بجهد على مايمكن أن نسميه "توطين" أو "تبييء" النصوص المنقولة قصة وشعر لتتناسب مع طبيعة اللغة، وذهنية الثقافة المنقولة إليها، وتجلى اهتمامها الثالث بالاشتغال على أدب زوجها الذي شاركته في العديد من المؤلفات، إضافة إلى العديد من مؤلفاتها، منها: "الثقافة وقيم الشباب"، "التربية المقارنة والدولية"، "وقفات مع سليمان العيسى دراسات وذكريات"، "قاموس الترجمة للمصطلحات الاقتصادية والسياسية عربي فرنسي"، و"الشقاء في خطر".

ومازالت الدكتورة "ملكة الأبيض" تعمل على التأليف، وهي بصدد استكمال طباعة الأعمال الأخيرة لـ"سليمان العيسى"، إضافة إلى عملها على كتاب يتطرق إلى مذكراتها مع الشاعر الكبير، مع حرصها على تجديد طباعة كتاباتها وتحديثها وتطويرها وتعديلها».