نذر حياته للتدريس والتحقيق، ارتجل الشعر وكتب المقالة، فانعكست شخصيته السمحة في أدبه الذي تجلى في سبعة عشر مؤلفاً قيماً مطبوعاً.

مدونة وطن "eSyria" زارت بتاريخ 17 حزيران 2015، الكاتبة "سماء المحاسني" ابنة الأديب "زكي المحاسني"، وعن والدها تقول: «اتَّسم بالتَّواضع والنَّقاء والاعتزاز بالنَّفس مع ميلٍ إلى الطَّرافة والتَّواصل الاجتماعي، كان صدرُه يتَّسع للكثيرين، وفي بيته كان مثالاً يُحتذى للوالد الجليل الذي يعامل أولادَ أسرته بكل حنان وأبوَّة ويتبادل معهم الآراء والأفكار، وشخصيته السَّمحة هذه انعكست على أدبه وكتاباته، فلا تجد أيَّ أثرٍ لطعم الهجاء بمعناه الفني فيما خطَّ نثراً وشعراً».

له عدد من الكتب الأدبية، جمع فيها بين الجزالة وقوة التعبير والبلاغة العربية وتفنن في الأسلوب والمعنى، اتسم أسلوبه بالوضوح وابتعاده عن التصنع والتكلف، اعتز بلغة الضاد، وامتازت لغته بالجمال

وعن حياته تقول: «بدأ حياته العملية في التدريس كأستاذ للغة العربية وآدابها في مدرسة "التجهيز" بـ"أنطاكية" ثم "دمشق"، وفي كلية الآداب بالجامعة السورية، وظل في التدريس إلى حين تعيينه ضمن الملحق الثقافي في السفارة السورية بـ"مصر" 1952، ومندوباً في الجامعة العربية للشؤون الثقافية، ليعود إلى "دمشق" 1956 وليندب في عهد الوحدة بين "سورية" و"مصر" للعمل في لجنة التربية والتعليم في وزارة التربية والتعليم، وليشغل بعدها منصب مدير دائرة التراث القديم والمخطوطات في وزارة الثقافة 1965.

الدكتور المحاسني مع الدكتور طه حسين

اقترن برفيقة حياته الأديبة "وداد سكاكيني" 1934، وعاش معها وأولاده "ذكوان، ذكاء، سماء" مدة طويلة في مصر حيث توطدت علاقتهما بعدد كبير من أبرز الأدباء في القاهرة، منهم: "توفيق الحكيم"، "محمود العقاد"، "طه حسين"».

وتتابع: «كان والدي شاعراً، بدأ نظم الشعر وهو طالبٌ في المدرسة، حفظ الكثير من القصائد لشعراء قدماء ومعاصرين، هو من المعجبين بـ"أبي الطَّيب المتنبي" و"أحمد شوقي"، كان يرتجل الشِّعر أحياناً ويقوله على البديهة والموهبة؛ فإذا واتاه الإلهامُ فاضت على لسانه قصائدُ بديعة تتدفَّق بالمعاني والصُّور التي تموج بالألوان والظِّلال، بلغةٍ فصيحةٍ تضاهي قديم الشِّعر العربي.

المحاسني مع عائلته

نظم الشعر في هموم الأمَّة العربية وقضاياها وفي الملاحم، وقد بلغت قصائده من الشَّعر الملحمي إحدى وعشرين قصيدة، وفي الإخوانيات وهي الأبيات التي تبادلها مع أصدقائه من الأدباء والشُّعراء، امتاز شعره بالنَّبرة الصَّادقة، والصِّدق في التَّعبير دونما تكلُّف أو تصنُّع في صياغة العبارة واختيار الألفاظ.

لم تقتصر كتاباته على الشعر بل كتب المقالة منذ أن كان مدرِّساً، وفازت إحدى مقالاته حينئذ بالجائزة الأولى في مسابقة نظمتها مجلة "الحديث" السورية 1936م، وكانت بعنوان "من هو أكبر أديب عربي معاصر؟"، تحدث فيها عن الدكتور "طه حسين"».

السيدة سماء المحاسني

وعن اهتمامه بالتراث تقول: «تجلت عنايته بالتُّراث العربيِّ في عمله بالتَّحقيق وحبِّه لهذا العمل من خلال تحقيق ديوان "الشَّريف العقيلي"، وقد عُني في شعره ونثره بتراثنا العربي، واهتمَّ بقضية نشره وتحقيقه على أسس علمية صحيحة، كما عمل مديراً لإحياء التُّراث والمخطوطات في وزارة الثَّقافة السُّورية».

وتتابع: «له عدد من الكتب الأدبية، جمع فيها بين الجزالة وقوة التعبير والبلاغة العربية وتفنن في الأسلوب والمعنى، اتسم أسلوبه بالوضوح وابتعاده عن التصنع والتكلف، اعتز بلغة الضاد، وامتازت لغته بالجمال».

في برقية تعزية لعائلة "زكي المحاسني" عند رحيله قالت المستشرقة الألمانية المعاصرة "آنا ماري شيمل": «هناك أصدقاء لم نلتقِ بهم ومع ذلك فهم الأقرب إلى تفكيرنا وشعورنا من أولئك الذين عرفناهم والتقيناهم يوماً بعد يوم، والدكتور "المحاسني" من هؤلاء الأصدقاء الذين عرفناه في آثارهم من دون لقاء، وإن عالم الأدب والبحث والتأليف قد فقد بفقده أحد البارزين من أعلامه وأحبهم إلى القلوب وأنفعهم للناس».

كما التقت المدونة بتاريخ 20 حزيران 2015، الباحث التاريخي "محمد مروان مراد"، وعن الأديب "المحاسني" قال: «شغف مبكراً بالأدب وعرف بنهمه في طلب العلم بالكتب قديمها وحديثها، انكب على التأليف والنظم والتحقيق، فأثرى المكتبة العربية بأكثر من سبعة عشر مؤلفاً قيماً مطبوعاً في ألوان الثقافة من أدب وشعر وبحث ونقد وملحمة، كان في إنتاجه يفجر طاقات إبداعية كبيرة ترفدها الحياة بمعطياتها ويخصبها التمرس، ويطلقها الزمن في دورانه».

يذكر أن الدكتور "زكي المحاسني" من مواليد "دمشق" 1909، توفي والده "شكري" الذي كان من كتاب المحكمة الشرعية وعمره سنتان، والدته "سارة البحري" كفله ورباه عمه القاضي "محمد المحاسني"، نال إجازة في الحقوق والآداب 1936م، وكان أول سوري يحصل على دكتوراه في الآداب من جامعة "فؤاد الأول" في "القاهرة" 1947 (حسبما ذكرت "سماء المحاسني" في كتابها "زكي المحاسني المربِّي الأديب والشاعر الناقد")، قدم أطروحته بعنوان "شعر الحرب في أدب العرب"، توفي 23 آذار 1972م، وتقديراً لفضله على الجيل سمت محافظة "دمشق" السَّاحة المجاورة لجامع "الإيمان" في حي "المزرعة" باسمه.