سعى كمحامٍ وأديب للنهوض بالمجتمع فكرياً واجتماعياً وحضارياً، فوضع يده بيد الأميين في العديد من القرى، ودافع عن الفقراء الأبرياء بالمجان، خاض إعلام بكل مجالاته، وكتب بلغة البسطاء فترك إرثاً ثقافياً خالداً حتى اليوم.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 29 أيار 2015، الأديب "وليد معماري" الذي تحدث عن شخصية "نجاة قصاب حسن"، ويقول: «يعد من الشخصيات المميزة التي لها دور نهضوي في المجال الثقافي والاجتماعي خلال منعطف مهم في تاريخ "سورية" على كل الصعد، وذلك بسبب تعدد مواهبه واهتماماته، حيث كان حقوقياً وإعلامياً ومدرّساً وموسيقياً وشاعراً ورساماً وكاتباً مسرحياً ومترجماً، كما شارك في الحراك السياسي ودافع عن الوطن واستقلاله في الأربعينيات».

كان يربط "قصاب حسن" مع "الرحابنة" علاقة جيدة لدرجة أنه جمع التراث الغنائي السوري في منطقة "القلمون"؛ الذي يشبه التراث اللبناني وأهداه بكامله إلى تلك العائلة

ويضيف: «التقيته مراراً في مكتبه وقضينا معاً عدة أسابيع في "الكويت"؛ حيث اشتغلنا معاً في كتابة بعض حلقات برنامج الأطفال الشهير "افتح يا سمسم"، لم يكن بعيداً عن السياسة كباقي الوجوه المميزة في "سورية" لأن الظروف والاستعمار الفرنسي فرض ذلك على كل وطني وشريف ليناضل من أجل استقلال وحرية وطنه، وهكذا انخرط في بداية شبابه في العمل السياسي بميوله اليساري ليكون له دور كبير في توجيه نشاطه الاجتماعي نحو العمل الإنساني والنهضوي؛ حيث شارك في نشاطات كثيرة وخاصة بتعليم الأميين في القرى.

الكاتب "وليد معماري"

انتسب "قصاب حسن" إلى دار المعلمين الابتدائية في عام 1940، وتخرج فيها بامتحان استثنائي بعد أن وافق وزير التربية على أن يعقد له امتحاناً خاصاً لأنه كان مسجوناً من قبل الفرنسيين في فترة الامتحانات العامة، ثم دخل دار المعلمين العليا ودرس فيها حتى عام 1942، بعدها عمل مدرّساً للمرحلة الابتدائية قبل أن ينتسب إلى "جامعة دمشق - قسم الحقوق" ليصبح محامياً منذ بداية الخمسينيات».

ويختم "معماري": «كان يربط "قصاب حسن" مع "الرحابنة" علاقة جيدة لدرجة أنه جمع التراث الغنائي السوري في منطقة "القلمون"؛ الذي يشبه التراث اللبناني وأهداه بكامله إلى تلك العائلة».

من مؤلفات "نجاة قصاب حسن"

وعن عمله في الإذاعة والتلفزيون قال الإعلامي "حسين خليفة": «دخل "قصاب حسن" إلى الإعلام المسموع من خلال برنامجه "المواطن والقانون" عام 1952 الذي استمر لمدة خمسة وعشرين عاماً، حيث كان يجيب عبر هذا البرنامج عن أسئلة عدة حول المشكلات القانونية والاجتماعية، إضافة إلى ذلك قدم في التلفزيون السوري برنامجاً أسبوعياً بعنوان "محطات تلفزيونية"؛ تحدث فيها عن القانون وعلاقته بالحياة عموماً، وبرنامج آخر عنوانه "ومضات" يتعلق بالسلوك العام للمواطن وواجباته تجاه المجتمع، كما قدم إذاعياً برنامجاً آخر وهو "رحلة في الذاكرة" دام ثلاث سنوات تقريباً بين عامي 1993 و1995 حاور من خلاله شخصيات سورية متميزة في الثقافة والأدب والفكر».

عن إنسانية "قصاب حسن" تجاه الناس، قال "خليفة": «حمل على عاتقه المسؤولية الإنسانية تجاه الناس، وكثيراً ما دافع عن أشخاص فقراء من دون مقابل فقط لأنهم أبرياء، وعلّم الكثير القراءة والكتابة في زمن كانت الأمية تعم البلاد، وأشار إلى الخطأ في كل الأماكن عبر مقالاته ومحاضراته؛ وخاصة عندما شارك في إصدار صحيفة "عصا الجنة" إلى جانب كل من الأساتذة: "نشأت التغلبي"، و"حسيب كيالي"، و"عباس الحامض"، و"يحيى الشهابي"، و"جورج شاتيلا"، و"عزة الطباع"، و"صبري القباني"، والشاعر "نزار قباني"، وفيها وفي صحف أخرى كتب العديد من المقالات كانت سبباً لاعتقاله عدة مرات بين عامي 1935و1947، كما تطرق في زاويته في صحيفة "الرأي العام" تحت عنوان "بالعربي الفصيح" عام 1952 إلى نقد الأحداث السياسية والاجتماعية اليومية».

من مؤلفاته أيضاً

وأنهى حديثه قائلاً: «كان معروفاً بكتابته الساخرة والمزج ما بين الدعابة والأدب، وهنا أستطيع القول إنه استطاع إيصال فكرته إلى أبسط الأشخاص بسلاسة لغته وقربه من واقع البسطاء والفقراء ووقوفه إلى جانبهم بقضاياهم العادلة».

وعن مساهمته في إصلاح القضاء قال المحامي "فهد يوسف": «اهتم كثيراً بقضايا الأسرة وحقوق المرأة، وفي هذا السياق عمل في عدة لجان لمناقشة القوانين وتطويرها، وقد كتب مقالات كثيرة في الصحف والمجلات حول إصلاح القضاء، وقدم لمؤتمر المحامين العرب المنعقد في "دمشق" عام 1989 كرّاساً بعنوان "قضاء على مستوى المستقبل"، وكراساً آخر طبعته وزارة العدل بعنوان "إصلاح القضاء، تطوير أم تثوير"، وأشرف على مجلة نقابة المحامين منذ عام 1962 وأصدر فهارس سنوية لمحتوياتها، كما أصدر وشرح مجموعات تشريعية متنوعة تتعلق بالأحوال الشخصية».

تقول الأديبة "جمانة طه" في إحدى محاضراتها التي ألقيت في المركز الثقافي بـ"كفرسوسة" 2011: «المواطنة عند "نجاة قصاب حسن" ليست شعاراً بل هي عمل وجهد وتضحية، ومن هنا نشأت عنده الحاجة لتسجيل الصور التي علقت في ذاكرة وعيه، مفترضاً أن يكون التوثيق ما يفيد وما ينقذ من النسيان والضياع، أمور كثيرة وملامح عديدة توضح صورة هذا البلد وشعبه الطيب المكافح».

"محمود ظاظا" من متابعي "قصاب حسن" قال: «مازلت أتذكر آخر محاضرة تابعتها لهذا الشخص الكريم، وكانت في المركز الثقافي "السوفييتي" أواخر الثمانينيات، حينها تحدث بلباقة عن أشخاص مناضلين في حياة "سورية" الحبيبة، عاش حياته مرفوع الرأس لأنه عاش وطنياً ودافع عن البلد أيام الاستعمار الفرنسي وشارك بالمظاهرات حينها، وبعدها بدا مدافعاً صلباً عن المظلومين كحقوقي ناجح، غير ذلك كتب الكثير عن الشخصيات الوطنية، وساهم في النهضة الأدبية والفكرية، وصنع مكاناً متميزاً بين ظرفاء "دمشق"».

يذكر أن "نجاة قصاب حسن" من مواليد "الصالحية" عام 1921، له الكثير من المؤلفات منها: "جيل الشجاعة"، "الحبة والسنبلة"، "صانعو الجلاء في سورية"، "أوبريت وردة"، "مسرحية الغائبة"، "حديث دمشقي" وغيرها، توفي في "دمشق" عام 1997؛ تاركاً خلفه إرثاً أدبياً وفكرياً خلده في التاريخ.