من أعلام الأدب والفكر في العصر الحديث، أنشأ معارف اللغة العربية، وكتب الشعر وتبارى في ارتجاله، ترجم من الفرنسية، ونشر الكثير من العطاء والحب أينما حلّ.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 24 أيار 2015، الدكتور الباحث "مازن المبارك" عضو مجمع اللغة العربية؛ الذي تحدث عن المفكر "عز الدين التنوخي"، ويقول: «عرفته منذ كنت طفلاً عندما كان يحضر في مجالس والدي، ثم أصبح أستاذي في كلية الآداب لمادة البلاغة، كان مدرساً نشيطاً من أكثر الناس إنتاجاً وحباً وعطاءً، تميز بنقاء قلبه وصفاء روحه، لا يعرف الحقد على أحد حتى الذين أساؤوا إليه ويعرفهم، فكان محباً لجميع الناس وفياً لأصدقائه، خفيف الروح، حاضر "النكتة"، سريع البديهة، عُرف بسرعته في ارتجاله للشعر الرائع.

لقد كانت حياة "التنوخي" عملاً متصلاً وضرباً دائباً في آفاق من الدراسة والتدريس والتأليف والتحقيق والترجمة والتعريب، والتربية والإدارة والعمل الحكومي والعمل الحر والبحث اللغوي والدراسات الأدبية، الروح الأدبية عنده كعروق الذهب التي تمتد هنا وهناك في الصخر تزينه وتلقي عليه الألق، مِن أطيب الناس معشراً، وأصفاهم خُلقًا، وأبعدهم عن كثير من تعقيدات الحياة المعاصرة

سمعت من أستاذي "محمد البزم" أن "التنوخي" انتقل من مرحلة شعرية عادية إلى مرحلة تبشر بشاعر كبير، فأخرج مجموعة من الكتب التي حققها في وقت مبكر، وكان لكتاب "تهذيب الإيضاح" الذي ألفه في البلاغة بثلاثة أجزاء أهمية كبيرة من خلال ما درسنا فيه، حيث إلى الآن لا أعرف كتاباً معاصراً يعادله في تعليم البلاغة بعلومها الثلاثة: (البيان، البديع، المعاني)».

من مؤلفات التنوخي

كما زارت مدونة وطن بتاريخ 23 أيار 2015، الباحث التاريخي "أحمد سعيد الهواش" في منزله بـ"المزة"، وتحدث عن حياة "التنوخي" بالقول: «ابن "أمين شيخ السروجية" الاسم الذي عرف فيه بداية حياته، فهو ابن أسرة شعبية دمشقية عريقة، امتهنت صناعة وتجارة سروج الخيل، لكن بعد عودته من الدراسة في جامعة "الأزهر" عاد ليعرف باسمه الحقيقي "عز الدين علم الدين التنوخي"، كان يدعو للإصلاح الاجتماعي من خلال حلقات المساجد، حيث التف حوله طلابه ونقل ثقافته التي تلقاها إليهم، عاش آلام شعبه من الفقر والاضطهاد من المستعمر الفرنسي، وصار يتأمل التطلع للحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية، كان يعتز بقوميته إضافة إلى كونه صديقاً لشخصيات قومية رثى منها: "عبد الرحمن الشهبندر"، و"بدر الدين الحسيني"، وخلال إقامته في "الآستانة" بعد عودته من "فرنسا" وحصوله على شهادة المدرسة الزراعية وشهادة تطعيم الأشجار عيّن معلماً في "معهد بيروت الزراعي"، وفي تلك الفترة كان يتواصل مع الشباب العربي المتطلع لنهضة عربية شاملة، ووثق علاقته بالرواد منهم، وانتسب للمنتدى الأدبي إحدى منظماتهم.

خلال اندلاع الحرب العالمية الأولى دعي لخدمة العلم في الجيش التركي، لكنه فرّ منه والتحق بثورة "الشريف حسين" ليعين في دولته وزيراً للزراعة، ثم هاجر إلى "العراق" وعيّن أستاذاً للأدب العربي في "دار المعلمين العالية" في "بغداد"، وهناك ألّف بعض الكتب المدرسية، وترجم كتاباً سماه "مبادىء الفيزياء" للكاتب الفرنسي "فرنان ماير".

الباحث أحمد الهواش

عاد عام 1918 إلى "دمشق" مع طلائع الجيش العربي بقيادة الأمير "فيصل" وعيّن عضواً في لجنة الترجمة والتأليف، ثم عضواً في مجلس المعارف، ولما قضي على العهد الاستقلالي باحتلال الجيش الفرنسي لـ"سورية" استقال "التنوخي" وكان قد عين مديراً مترجماً في مديرية البرق والبريد، لكنه سافر إلى "بغداد" ثم عاد إلى "دمشق" حيث وافته المنية، وقد رثاه الشاعر "محمد الفراتي"، فقال:

(ومن مات أمس وهو حيّ إلى مدى... متى كان ذل فضلٍ على أوطانه

الدكتور فيصل شكري

كرمت أبا قيس فقد كنت واحداً... لدى المجمع العلمي من أعيانه)».

ويتابع "الهواش": «ثقافته متسعة الآفاق متعددة الجوانب، كان شاعراً عربياً قومياً، فكتب القصائد الطويلة والمقطوعات الشعرية، وأكثر ما كان ينظمه في الشعر الوطنيات والقومية العربية، والحنين ووصف الطبيعية الدمشقية الجميلة والإخوانيات والرثاء، فهو الإنسان الذي عشق الطبيعة، وها هو يرسل أشواقه من مغتربه إلى ربوع "دمشق" قائلاً:

(على فؤادي قد جنى... والله حبي الوطنا

فارقت من غوطته... وادي منى المنحنى

والربوة الغناء تنـ... سيك الكثيب الأيمنا)».

ويختم: «عُرف "التنوخي" بعلمه وتبحره في مفردات العربية، وهو من أئمة المترجمين من الفرنسية إلى العربية، قضى حياته الطويلة جاداً دؤوباً على الدرس والبحث العلمي وتعليم الطلبة في ثانويات "دمشق" و"بغداد"، وباحثاً كبيراً في مجمع اللغة العربية، كان يغذي مجلتها بفرائد أبحاثه وتحقيقاته حتى غدا حجة في العربية وآدابها، حيث عهد إليه ليكون أمين سر "المهرجان الشعري الكبير" الذي أقيم في "دمشق" بألفية "أبي الطيب المتنبي"، وانتدبه "المجمع العلمي العربي بدمشق" لإلقاء كلمته في حفل تأبين أمير الشعراء "أحمد شوقي"».

عنه كتب الدكتور "شكري فيصل" (الأستاذ في جامعة دمشق) في مجلة "معهد البحوث والدراسات العربية": «لقد كانت حياة "التنوخي" عملاً متصلاً وضرباً دائباً في آفاق من الدراسة والتدريس والتأليف والتحقيق والترجمة والتعريب، والتربية والإدارة والعمل الحكومي والعمل الحر والبحث اللغوي والدراسات الأدبية، الروح الأدبية عنده كعروق الذهب التي تمتد هنا وهناك في الصخر تزينه وتلقي عليه الألق، مِن أطيب الناس معشراً، وأصفاهم خُلقًا، وأبعدهم عن كثير من تعقيدات الحياة المعاصرة».

يذكر أن "عز الدين التنوخي" من مواليد "دمشق" عام 1889، في المدرسة الابتدائية السباهية تعلم اللغة وحفظ القرآن الكريم ودرس مبادىء العلوم واللغات العربية والفارسية والتركية والفرنسية، توفي صباح يوم الجمعة 24 حزيران عام 1966، ووري الثرى في مقبرة الباب الصغير بـ"دمشق".