قامة علمية تركت بصماتها على صعيد التأليف والتدريس والخبرة العملية، تعمق في الكيمياء، فكان أول من أسس معملاً لصناعة الأدوية في "سورية"، اتسم بشخصية محبوبة من قبل الجميع.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 10 أيار 2015 نقيب صيادلة سورية الدكتور "محمود حسن"؛ الذي تحدث عن الدكتور "عبد الوهاب القنواتي" بالقول: «يعد من المؤسسين للصناعات الدوائية في "سورية"، وأعدّه رائداً في الكيمياء وممن لهم بصمة كبيرة على مخابرها، وفي التدريس كان له حضوره التعليمي بين زملائه وطلابه، ولا تزال آثاره الرائعة حتى وقتنا هذا، وخاصةً فيما يتعلق بالدور الذي قدمه في دراسة تحاليل مياه "عين الفيجة"».

منذ الطفولة كان محباً للعلم والمعرفة، متفوقاً في دراسته، يتمتع بحيوية ونشاط نادرين، شخصية فريدة متعددة المواهب، لطيف المعشر، كان يتواصل مع جميع أفراد العائلة، وهو مركز لاستقطاب الأقارب جميعاً، يعدّ من أحد ظرفاء "دمشق" المشهورين

أما "منذر القنواتي" من شجرة العائلة، فيقول: «منذ الطفولة كان محباً للعلم والمعرفة، متفوقاً في دراسته، يتمتع بحيوية ونشاط نادرين، شخصية فريدة متعددة المواهب، لطيف المعشر، كان يتواصل مع جميع أفراد العائلة، وهو مركز لاستقطاب الأقارب جميعاً، يعدّ من أحد ظرفاء "دمشق" المشهورين».

الدكتور عبد الوهاب القنواتي مع عدد من زملائه الأطباء

وفي تواصل للمدونة عبر الشبكة العنكبوتية مع المهندس "رضوان القنواتي" حفيد الدكتور "عبد الوهاب" والمقيم في "لبنان" يقول: «عُهد للدكتور "عبد الوهاب القنواتي" منصب أستاذ مساعد في الكيمياء الحيوية والصيدلية عند افتتاح العثمانيين مدرسة الطب في الجامعة اليسوعية ببيروت 1916، فكانت بالنسبة له نواة أساسية لتطوير معلوماته، حيث كان المخبر مجهزاً بأحدث الوسائل العلمية المعروفة، وعند إنهاء الحرب عاد إلى "دمشق" ليتابع خدمته في الجيش العربي السوري، بعد أن كان قد انتدب للعمل في مستشفى "زحلة العسكري" لأداء الخدمة العسكرية برتبة ملازم أول عند إعلان الحرب العالمية الأولى.

وقد أثبت حضوره خلال اجتياح أحد الأوبئة لقطعة عسكرية؛ حيث عمل على تفقد الدواء وتأمينه، وهو ما جعل القيادة العسكرية تقترح له مكافأة على جهده.

السيد منذر قنواتي

كما كان من المؤسسين لمعهد "الطب العربي" الذي افتتح 1919 وأُسند إليه منصب أستاذ الكيمياء، وكان يحاضر باللغة العربية، ويقال إن الملك "فيصل" أرسل ممثلاً له ليسمع أول محاضرة يلقيها الدكتور "القنواتي" لأنه لم يكن يصدق أن هناك من يستطيع أن يحاضر عن الكيمياء باللغة العربية. تابع عمله في كلية الطب وأوفد إلى معهد "السوربون" في "باريس" ليتخصص بالكيمياء، وحين عاد إلى "دمشق" عام 1925 تولى تدريس الكيمياء العامة والمعدنية، وتابع عمله في مخبر الجامعة، فقام بتجهيزه بما يلزم من أدوات للقيام بالتحاليل الغذائية والسمية والجنائية، ثم أوفدته الجامعة مرة ثانية إلى "فرنسا" للاطلاع على المستحدثات في العلوم المتخصص فيها، فعمل في مستشفى "labitie" لتعميق معارفه، وسمي بعد عودته أستاذاً للكيمياء الحيوية الفيزيولوجية والمرضية والتحليلية، وظل يشغل هذا المنصب حتى أحيل إلى التقاعد 1949، ولم يقتصر نشاطه على التدريس بل كان له عدد من المؤلفات في الكيمياء العامة والمعدنية، وأشباه المعادن، وجميعها كانت تدرس لطلاب الطب والصيدلة في السنوات الأولى، كما ألف كتباً في الكيمياء الغذائية، والكيمياء الطبية، وعند إعادة طباعتها يزودها بمعلومات جديدة من خلال مطالعاته المستمرة، وكان في مؤلفاته عالماً ومحققاً، يعدد بالتفصيل المصادر التي اعتمدها من مؤلفات ومجلدات، ووضع جداول للتحليل الكيفي، وأخرى للفيتامينات، وكان له الفضل بوضع العديد من المصطلحات الكيميائية».

ويتابع: «بدأ عام 1921 دراسة وتحليل مياه منطقة "دمشق"، ونشر نتائج دراساته لأول مرة، وأثبت جودة مياه "عين الفيجة" و"بقين" و"هريرة"، والعديد من الينابيع المحيطة بـ"دمشق"، وأهّله ذلك ليكون في عداد مؤسسي جمعية "مياه عين الفيجة"، وأصبح عضواً بمجلس إدارتها».

صيدلية القنواتي بدمشق

أما عن نشاطه في مجال الأدوية فيقول "رضوان": «أنشأ نواة أول معمل صغير لصنع الأدوية والمستحضرات الطبية داخل صيدليته عام 1923 أشرف عليه بنفسه وساعده إخوته في العمل، كما أسس أول شركة مساهمة لصناعة الأدوية سجلت باسم شركة "قنواتي، تقي، جراح، كواكبي وشركاه" لم يكتب لها النجاح، فعاد لتأسيس شركة "قنواتي إخوان" لصناعة الأدوية، استمرت تعمل بجد ونشاط، وكانت تستعمل مستحضراتها في "سورية" وتصدر إلى الدول العربية الأخرى، وكان لها مشاركاتها في المعارض العربية المختصة، وحصلت على جوائز من "معرض دمشق الدولي".

وفي عام 1949 أعيد افتتاح الشركة من قبل الدكتور "عبد الوهاب" وأبنائه، وجهزت من جديد بعد انضمام فريق الجيل الثاني من العائلة، لتتحول إلى شركة مساهمة باسم شركة "عبد الوهاب القنواتي" للمستحضرات الطبية المساهمة المغفلة ومكانها في منطقة "الهامة"، ظل يمارس نشاطه فيها حتى وفاته، وبعد ذلك عزم الجيل الثاني للعائلة من الأولاد والأحفاد على السير على نفس خطى ونهج مؤسسها لمتابعة الرسالة في خدمة البلاد».

عن خصائصه الشخصية يقول حفيده: «هو العالم، الذكي، المدرس، صاحب الثقافة الواسعة، يتمتع بشخصية مرحة، فتهفو لمجالسه النفوس، ويتوق لسماع نوادره وطرائفه عشاق الظرف والنادرة، وكان في دروسه محاضراً على طلابه يلطف أجواء الكيمياء بالنوادر، وفي محاضراته الجامعية يمزج الجدل بالهزل، وإلى جانب ذلك كان يولي اهتماماً خاصاً لمشكلات طلابه العلمية والاجتماعية، ويوجه لهم النصح والإرشاد في معالجتها وحلها، ومن هنا كانت علاقته بطلابه علاقة الصديق الوفي، والأخ الكبير بأصدقائه وإخوته».

يذكر أن الدكتور الصيدلاني "عبد الوهاب القنواتي" ولد في حي "القنوات" الدمشقي عام 1891، ورحل بتاريخ 8 حزيران 1977، ووري الثرى في مقبرة "المهاجرين" بـ"دمشق".