اتخذ من أصالة الانتماء الفني هوية، فطرح منهجاً معطاءً عبر قرابة نصف قرن من الزمن، أثرى المكتبة العربية بمؤلفاته بهدوء لا نظير له، فتقلد بأوسمة نجاح من دول العالم ومازال بقمة التواضع.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 29 نيسان 2015، الفنان التشكيلي "جمال العباس"، الذي كان طالب الدكتور "عفيف البهنسي" عندما درّس الأخير مادة "تاريخ الفن والعمارة" في كلية "الفنون الجميلة بدمشق" في ستينيات القرن الماضي، وعنه يقول "العباس": «كان مدرّساً لافتاً للنظر باهتمامه وشغفه بالمادة التي يدرسها، وحبه الكبير للعطاء فيها، ربطتني معه صداقة خاصة قائمة على الاحترام والتقدير تجلت معالمها في الكثير من المواقف والمساهمات.

مارس الفن في مجالاته المختلفة من رسم وتصوير بأنواعه إضافة إلى النحت البارز، فجسد عبره أعلام التاريخ مثل: "الجاحظ"، و"الفارابي"، وغيرهما، وصمم العديد من الشعارات الفنية، منها: "شعار المجلس الأعلى للعلوم"، و"إذاعة دمشق"، وشارك في تصميم وتنفيذ صرح "الشهيد" في "دمشق"، و"بانورما حرب تشرين التحريرية"، والعملة الورقية المتداولة في "سورية" ما بين 1973-1999م

هو الدمشقي الأصيل الذي كرس اهتمامه بهذه المدينة التاريخية ودافع عن تراثها، وركز على المتروكات الفنية العربية والإسلامية والدلالة عليها، وكان شديد الحماس للقضايا العربية، وتفرغ للبحث الفني والتاريخي من خلال الكتب والمحاضرات التي أعدها داخل "سورية" وخارجها، فكان ومازال قامة لها وزنها الأدبي والفني والتاريخي».

الدكتور البهنسي مكرماً

مدونة وطن "eSyria" التقت الدكتور "عفيف البهنسي" في منزله بمنطقة "أبو رمانة" في العاصمة بتاريخ 30 نيسان 2015، ويقول: «الثقافة حاجة ضرورية من المهد إلى اللحد، هي مشوار طويل له بداية وليس له نهاية، وفي هذا الوقت عصر المعرفة، علينا أن نعرف أكثر، وننتج أكثر، ونبدع أكثر، فنساهم جميعنا في بناء العقل والفكر والضمير، ونسعى دائماً لخوض التجارب الجديدة، ونضحي من أجل الوصول إلى ما نرغب.

وبالنسبة لي أجد أن الفن يعبر عن هويتي، في أي نوع من أنواعه سواء عمارة، تشكيل أم موسيقا، ومازال أمامي مشوار طويل، وأرجو أن يتكثف الزمن ليستطيع استيعاب طموحاتي».

مع إحدى منحوتاته

وعن أهم ما أنجز الدكتور "البهنسي" في مجال التأليف والترجمة يحدثنا الباحث "محمد مروان مراد"، ويقول: «سبعون مؤلفاً وأكثر هي محصلة عشرات السنين من الدأب والسهر، جند لها طاقاته وضوء عينيه، فبدأ رحلة نشرها عام 1960، ووصلت إلى عدد من العواصم العربية، وترجمت أغلبها إلى الإنكليزية والفرنسية، ودارت في معظمها حول ما أطلق عليه اسم "الجمالية" كتعبير عن فلسفة الفن، مؤكداً في دراساته أن هناك علم جمال عربياً يقوم على مقاييس مطلقة، وليس على مقاييس الجمال الإنساني، والفن العربي هو فن الحياة والعمارة وشكل الحضارة المرئي والمجسد.

ويعد مؤلفه "سورية التاريخ والحضارة" من أضخم الكتب التي أنتجها، ومن بعض مؤلفاته: "من الحداثة إلى ما بعد الحداثة في الفن"، "معجم الخط والخطاطين"، "جمالية الفن العربي"، "رواد الفن في البلاد العربية"، والعديد من الكتب التي تدور حول الفنون التشكيلية والعمارة والآثار في "سورية" والوطن العربي والعالم خلال مراحلها التاريخية المختلفة، وعلى هذا الأساس يتقدم الدكتور "البهنسي" صفوف الباحثين الموسوعيين الأولى في عالمنا العربي بل وفي العالم، الذين تخصصوا بهذه المجالات الثلاثة اللصيقة بمسيرة الإنسان الحضارية الرفيعة».

الباحث محمد مروان مراد

وعن علاقته بالفن التشكيلي يقول "مراد": «مارس الفن في مجالاته المختلفة من رسم وتصوير بأنواعه إضافة إلى النحت البارز، فجسد عبره أعلام التاريخ مثل: "الجاحظ"، و"الفارابي"، وغيرهما، وصمم العديد من الشعارات الفنية، منها: "شعار المجلس الأعلى للعلوم"، و"إذاعة دمشق"، وشارك في تصميم وتنفيذ صرح "الشهيد" في "دمشق"، و"بانورما حرب تشرين التحريرية"، والعملة الورقية المتداولة في "سورية" ما بين 1973-1999م».

ويضيف عن اهتمامه بالتراث المعماري العربي الإسلامي: «رافقت الدكتور "البهنسي" خلال وجوده في عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي بعثات تنقيب عالمية متعددة شمل نشاطها مناطق متعددة من "سورية"، واستطاعت اكتشاف الكثير من المواقع الأثرية والآثار التي تم حفظها من خلال المتاحف، حيث جرى إنشاء ما يزيد على ثلاثين متحفاً جمعت فيها اللقى الأثرية، وترميم العشرات من الأوابد الأثرية القديمة، وتسجيل العمائر والمباني المهمة في السجلات الدولية لـ"اليونيسكو" بهدف حمايتها من العبث والتعدي».

يحمل الدكتور "عفيف البهنسي" 13 وساماً رفيعاً من دول مختلفة، منها: "وسام الاستحقاق الإيطالي بدرجة فارس"، "وسام الاستحقاق الألماني"، "وسام الثقافة الفرنسي"، وعشرات الميداليات وشهادات التقدير.

محافظة "دمشق" كرمت "البهنسي" بتسمية أحد شوارع منطقة "الشعلان" باسمه، وأقامت له وزارة الثقافة ندوة تكريمية عام 2008 في "مكتبة الأسد"، وفيها تحدث الدكتور "حسين جمعة" رئيس اتحاد الكتاب العرب عنه بالقول: «هو واحد من رموز الثقافة الفنية السورية المعاصرة، عنده عاشت الثقافة ألقاً في نسيج دمع، وعبرت عن قضايا فنية وفكرية كبرى، فأرست في النفس إشراقاً وحساسية فريدة، صاحب فكر جمالي يتحف قراءه بكثير من الأفكار والتصورات، لمؤلفاته طراز خاص في المستويات الرفيعة التي أتقنها.

وجدت فيه رجلاً يتسم بخلق جم، وتواضع نادر، ولهفة عارفة، وطرافة في الحديث والمناقشة، وهدوء لا نظير له».

يذكر أن الدكتور "عفيف البهنسي" من مواليد حي "الصالحية" الدمشقي، 17 نيسان 1928، درس في كلية الحقوق بجامعة "دمشق"، وبعد تخرجه سافر إلى "باريس"، وانتسب إلى مدرسة "اللوفر"، وبعد حصوله على شهادة دكتوراه دولية في فلسفة الفن الإسلامي عاد إلى وطنه الأم، عمل أستاذاً في "جامعة دمشق"، ومحاضراً في العديد من الجامعات والمعاهد والمراكز الثقافية العربية والأجنبية، متزوج وله أربعة بنين وابنة.