عبارات طُبعت في ذاكرتنا، وصوت حفر فينا قبل الصورة، فكانت "سورية" صرخة صدرت عن موسوعة رياضية وقامة إعلامية عملاقة، نحج كلاعب قدير وحكم دولي معروف، ورحل تاركاً ذكريات كروية لامعة.

مدونة وطن "eSyria" زارت بتاريخ 4 آذار 2015، الكابتن "جمعة الراشد"، وهو لاعب دولي سابق في المنتخب الوطني السوري، ولعب في ناديي "الاتحاد" و"الجيش"، إضافةً إلى عمله كمدير لكرة القدم في نادي "الاتحاد" سابقاً، حيث تحدث عن "عدنان بوظو" وقال: «اسمه علامة فارقة في الرياضة السورية، يمكنك التعرف إليه من خلال سماع صوته حتى لو لم تره، من منا لا يذكر تلك الصرخة التي أطلقها في دورة ألعاب البحر المتوسط "جول سورية"، وجملته المشهورة "الله أكبر سورية" التي كانت تبعث الطمأنينة في نفوس الشعب السوري أثناء المباريات، حتى وإن كنا نستمع إليها في الراديو، وقد وصلت سمعته العطرة إلى جميع البلدان العربية، كما أن تلامذته وصلوا إلى العالمية أمثال: "مصطفى الآغا"، و"أيمن جادة"، و"ياسر علي ديب"».

كان يطلق على اللاعبين ألقاباً تدل على ثقافته الكروية والرياضية وذائقته الفنية، فمثلاً أنا لقبني مجموعة من الألقاب كـ"الشيخ طه"، و"الشاذلي الصغير"؛ وهما لاعبان مصريان تميزا في تلك الفترة

ويضيف: «كان يطلق على اللاعبين ألقاباً تدل على ثقافته الكروية والرياضية وذائقته الفنية، فمثلاً أنا لقبني مجموعة من الألقاب كـ"الشيخ طه"، و"الشاذلي الصغير"؛ وهما لاعبان مصريان تميزا في تلك الفترة».

الحكم الدولي عدنان بوظو

وعن رحلته الرياضية في الملاعب الخضراء يقول "الراشد": «بدأ مسيرته الرياضية كلاعب كرة قدم عام 1950 في نادي "بردى" الذي كان يلّقب آنذاك "بشيخ الأندية السورية"، وتم اختياره ضمن التشكيلة الأساسية لمنتخب "دمشق"، ثم لتمثيل "المنتخب الوطني السوري".

وفي سن الثلاثين اعتزل الرياضة كلاعب لينتقل إلى دوره الجديد وهو الحكم، حيث قاد العديد من المباريات المحلية والدولية، واشتهر بشخصيته القوية والعادلة في نفس الوقت، ونال الشارة الدولية عام 1966، وكان عام 1980 هو التاريخ الذي شهد اعتزاله كمحكم رياضي سوري مرموق».

كتاب "تونس صيحة العرب"

وفي لقاء مع الإعلامي "فايز وهبي" أحد تلاميذ الراحل، تحدث عن دور "بوظو" في الإعلام، وقال: «كان الوحيد من الإعلاميين السوريين الذين مارسوا جميع فنون الإعلام الرياضي في ذلك الوقت، من التعليق إلى الكتابة الصحفية، إلى إعداد وتقديم للبرامج الرياضية والبرامج الحوراية، كان يعشق مهنته وهذا العشق ميزه، مازالت عبارته "ضحك ولعب وجد وحب" -وهي من أغنية المرحوم "عبد الحليم حافظ"- ترن في أذني عندما يذكر هذا الإنسان؛ لأنها كانت الحكمة التي يتناقلها في عمله؛ فقد كان يقول إن أي عمل يحتاج إلى الضحك واللعب والجد، والحب في المقام الأول».

وعن علاقة "عدنان بوظو" بالإعلاميين يقول "وهبي": «أعد نفسي مازلت تلميذه حتى اليوم، رغم أنني تعرفته بداية عام 1982 مع بدايات جريدة "الاتحاد الرياضي"، وفي ذلك الوقت كان هناك أكثر من صحفي يتتلمذون على يديه، هاجسه كان دعمنا ومساعدتنا في أي أمر، حتى إنه في انتقاده لم يكن يؤذِنا بل كان دبلوماسياً، كان لديه حاسة تدله على كيفية توجيهنا لاختيار المكان المناسب لنا من إذاعة أو تلفزيون أو غيرها، تعلمت منه الصبر والبحث عن إرضاء المهنة كإعلامي لأنها طريق الشهرة وليس العكس.

كتاب "صراع العمالقة"

أكثر ما يلفت بشخصيته هو حبه لقوميته ولعروبته فقد كانت تربطه علاقة عشق مع الوطن، ولاحظنا ذلك في كتابه "تونس صيحة العرب في الأرجنيتن" الذي أصدره عندما وصلت "تونس" إلى كأس العالم، باختصار إنه كما كُتب عنه حكاية علم وقلم».

وفي زيارة إلى جريدة "الاتحاد" التقينا الصحفي "علي شحادة"، وعن الراحل "بوظو" قال: «أسطورة لا تتكرر، وبحرٌ ممتد الأطراف، ولد في "دمشق" عام 1936، ودرس في مدارسها، وتخرج في كلية الحقوق، إلا أنه لم يعمل بالمحاماة بل توجه مع مجموعة من أقرانه للانتساب إلى نادي "بردى"، ثم انتقل إلى التحكيم، وهذان الدوران أغنيا لديه الثقافة الكروية، فأثناء عمله كحكم كان يمارس الإعلام الرياضي بكل أنواعه، وأسس في البداية صحيفة "الموقف الرياضي" التي مازالت تصدر حتى اليوم عن مؤسسة "الوحدة"، وأصبح مديراً لتحريرها، ثم أسس صحيفة "الاتحاد الرياضي" الصادرة عن الاتحاد الرياضي، إضافةً إلى الكتابة في العديد من الصحف المحلية، فكان بذلك مدرسةً للإعلام الرياضي.

كان لـ"بوظو" دوراً مهماً في تدريب العديد من الأسماء اللامعة في الإعلام الرياضي، فتتلمذ على يديه الكثيرون ممن عملوا في الإعلام الرياضي مثل: "فايز وهبي"، و"جوزيف بشور"، و"إياد ناصر"، وغيرهم من الذين أصبحوا نجوماً في الإعلام المرئي، وفي الصحافة كانت المرحومة "مها بدر"، والمرحوم "مروان عرفات"، وأنا كنت أحد تلاميذه، وتعلمنا منه الكثير، كان لديه أسلوبه المميز، كما أدخل اللمسة الأدبية اللطيفة إلى المفردات الكروية، بالنسبة لي هو "ملك المانشيت"، وأهم ما كان يميزه وطنيته حيث رفض العديد من العروض المغرية للعمل خارج "سورية"».

يذكر أنه عام 1995 في "دمشق" رحل "عدنان بوظو" تاركاً وراءه إرثاً ثقافياً وذكريات كروية لن تمحوها السنون.