تراثي أصيل خبير بالمخطوطات من أوائل المحققين في "بلاد الشام"، مبدع وصاحب أفكار غنية وشاعر وناشر، تميز بصبره وتمرسه وعلمه الغزير، صاحب فضل على الكثيرين من أعلام التراث والأدب.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 11 كانون الأول 2014، الباحث الباحث "مروان مراد" الذي تحدث عن الباحث "أحمد عبيد"، ويقول: «يعد واحداً من أكبر المحققين والعارفين بالمخطوطات في القرن العشرين، فأمامه تجد نفسك مبهوراً بخبرته التراثية، ومعرفته بالمخطوطات ونسبتها إلى أصحابها، وصبره على التعامل مع الكتاب والكّتاب، وطول عشرته لمهنة النشر، كان أكثر من خبير، وأكثر من ناشر، كان يعمل بتفانٍ لا نظير له من أجل خدمة تراث أمته، قدم خبرته لإخراج كنوز التراث إلى الوجود بأفضل صورة، كان صعب المراس في المخطوطات، وصاحب نظرية خاصة في التحقيق، كان يرى أن ما كتبه الأجداد لا يحتاج بجملته أن ينشر، فهناك رسائل كتبتْ لأغراض ذاتية أو وقتية، ويجب ألا نضيع الوقت والجهد فيها، وأن العمل بمثل هذه الرسائل هو مجرد عمل تجاري هدفه الربح وحسب، لذلك يجب أن تخضع المخطوطات لعملية دراسية عميقة، وكان يتمنى أن يحدث نوعاً من التنسيق بين المحققين الذين يقومون بنشر المخطوط نفسه في أماكن متفرقة من الوطن العربي، منعاً لهدر الجهد والوقت والمال، كما تمتع بميزة لم تكن لغيره في التراث، فهو تراثي أصيل خبير من جانب، وكان من جانب آخر يحيا حياته ويتابع معاصريه، ويكتب عنهم».

كل ما بين يديه موقوف للناس، يغرفون أنى شاؤوا، ويقبسون حيث يعوزهم القبس، فكان مصباحاً لا ينطفئ، ونبراساً لا ينضب، هو حاضر لكل قاصد، باذل لكل طالب، بضاعته العلم والمعرفة

ويتابع: «كان من أوائل المحققين في "بلاد الشام"، وقام بنشر العديد من المخطوطات من أهمها: "تخميس لأمية بن الوردي"، "سيرة عمر بن عبد العزيز"، "روضة المحبين ونزهة المشتاقين"، "سحر البلاغة وسر البراعة"، "المرح في المزاح"، وغيرها من التحقيقات المهمة التي نشرها في مكتبته العربية التي أسسها عام 1908، ومن يطلع على تلك الكتب يتعرف إلى طريقته في تحقيق التراث، فهو لا يتدخل في النص إلا بما يوجب عليه ذلك، وما يزيد النص غنى وفائدة، كما كان مرجعاً من مراجع المحققين المهمة في "بلاد الشام"، يقصده المحققون لمراجعة أعماله وتزيينها بملاحظاته، التي صنعتها الخبرة الطويلة في عالم المخطوطات والوراقة، وهنا لا يفوتني أن أشير إلى ما تمتع به من دقة استخدام المصطلح الذي يتصدر بحوثه فتارة نجد كلمة تأليف، وتارة إعداداً، وأخرى تقديماً، فهو لا يدعي ما ليس له، وإنما يختار العبارة التي تدل على عمله في الكتاب».

ويضيف "مراد": «لم يكن "عبيد" محققاً أو ناشراً وحسب، بل كان مبدعاً وصاحب أفكار غنية، نظم الشعر فكتب في الحكمة والتوجيه إلى المحبة والتعاون والتمسك بالفضائل، فعكس شعره ما جبلت عليه نفسه من حس مرهف، وإيمان صادق، كما كانت قصائده مرآة لخلقه الرفيع، وسلوكه الإنساني المثالي، تميز بصداقته لأعلام الشعر والأدب الذين كانوا يلتفون في مكتبته، وكانوا يقدرون اهتمامه بتحقيق تراث العرب الفكري، والعناية بمصادر العلم والمعرفة، وأثنى الجميع على جهوده الخيرة في نشر ذلك التراث، وإقامته للأجيال في أبهى حلله، ربطته علاقة الاحترام مع أدباء عصره: "أحمد شوقي"، "حافظ إبراهيم"، "المازني"، "العقاد". ولعل علاقته بـ"خير الدين الزركلي" أقوى صداقة تربط بين أديبين من أدباء العصر، وصداقته لـ"محمد البزم"، و"شفيق جبري"، و"محمد كرد علي"، و"أنور العطار"، وغيرهم».

ويختم: «اختار لنفسه العمود الشعري العربي، وكان ينشر شعره هذا بين فترة وأخرى في تقويمه الخاص الذي كان يصدره "التقويم العربي الهاشمي"، وتنوعت أشعاره بغرضها بين المديح والرثاء، وكانت الحكمة أوفر أغراضه حظاً».

ومن شعره في الحكمة:

"لا تحسبن سعادة الدنيا بما.... تحوي يداك من الغنى فيزول

إن السعادة باليقين وبالرضا.... وهما دعام لا يكاد يميل

والقلب ينبوع السعادة إن يغض.... منه فليس لها إليك سبيل".

لم يقتصر مشروعه على كتابة الشعر بل كانت له مقالات في النقد المسرحي، كما نشر مجلة "أنفس النفائس"، وطبع بعض الرسائل والروايات، ونفذ أول مشروع لإحياء التاريخ الإسلامي بترجمة سير الأعلام والأبطال، إضافة لمساهمته في أعمال المجمع العربي، ومشاركته بنشر مجلته وتوزيعها».

كتب عنه الشاعر "سليم الزركلي": «كل ما بين يديه موقوف للناس، يغرفون أنى شاؤوا، ويقبسون حيث يعوزهم القبس، فكان مصباحاً لا ينطفئ، ونبراساً لا ينضب، هو حاضر لكل قاصد، باذل لكل طالب، بضاعته العلم والمعرفة».

عنه قال الكاتب "إسماعيل مروة": «وراق من الدرجة العليا، خبرة بالمخطوط وقراءته، ومتابعته، واختباره، وطباعته، وهو مؤلف بارع، وشاعر أصيل، وقف شعره على موضوعات محددة، يراها تخدم المجتمع آخذين بعين الاعتبار المرحلة الزمنية، ومصادر ثقافته».

يذكر أن الباحث "أحمد عبيد" من مواليد "دمشق" عام 1892، وتوفي عام 1989.