يعتبر أحد أبرز المفكرين وأشهر المتصوفين الذين حظيت أعمالهم بالدراسة والترجمة في مختلف أنحاء العالم، كتب المئات من الكتب والرسائل التي زاد عددها على خمسمئة كتاب، وأثّر تأثيراً كبيراً في التصوف الإسلامي ليس في زمنه فقط، بل بقي تأثيره إلى الآن.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 23 آب 2014، الباحث التاريخي "عماد العاني" الذي تحدث عن "محي الدين بن عربي" بالقول: «ولد "أبو بكر محمد بن عربي الحاتمي الطائي" في "مرسية" جنوبي إسبانيا سنة 560 للهجرة الموافق لعام 1165 للميلاد، لقب بالشيخ الأكبر، وكني بـ"محي الدين"، نشأ في "إشبيلية"، وتلقى علومه الأولى فيها، حيث وفرت له أسرته الميسورة حياة مريحة وهانئة.

مازال قبره مزاراً للناس حتى الآن؛ وقد بُني مسجد ضم ضريحاً على قبر "ابن عربي"، عام 1518م، بعد أن كان المكان مهملاً، تخليداً وتكريماً للعلامة الصوفي وطريقته

راح "ابن عربي" وهو بعد فتى متوقد الذكاء يطوف بين مختلف مدن "الأندلس" ويقابل العلماء أينما عثر عليهم، وحدث أن التقى "ابن رشد" في "قرطبة" خلال إحدى رحلاته تلك، قضى حياته بين شتى مدن الأندلس وشمال إفريقية في مقابلة المتعبدين، وكان أحياناً يعقد المناظرات مع الجماعات المختلفة، كالمعتزلة، وقد اتسع نطاق سفره حتى بلغ تونس، كما زار "المريّة" أيضاً، وكانت مركزاً لـ"ابن مسرّة" وهناك على حد قول "آسين بالاثيوس": بدأ ابن عربي رسمياً دراسة التصوف.

ضريح ابن عربي

بعد ذلك هاجر إلى الشرق وبدأت فترة جديدة في حياته، فحج إلى "مكة"، حيث قام بالشروع في تأليف "الفتوحات المكية"، وبعدها طاف في مدن الشرق العربي مثل: "القاهرة، والموصل، وبغداد، وحلب"، ودخل في مجادلات مع الفقهاء عرّضت حياته للخطر. وأخيراً، قرر في سنة 620 هجري (1223م) أن يستقر في "صالحية دمشق"، وسط حي المدارس، فقد أراد بعد حياة تجاذبتها الأسفار أن يقضي سنواته الأخيرة بهدوء وسلام، وفي العمل المتواصل أيضاً، حيث أتم "الفتوحات المكية" الذي يحتوي على اليوميات الروحية لثلاثين سنة، هي أخصب الفترات في حياته، وتوفي في "دمشق" سنة 638 هجرية (1240م) عن عمر يناهز 78 عاماً، فووري ثرى "الصالحية" عند سفح قاسيون شمال "دمشق"، في تربة "ابن الزكي"، تاركاً وراءه عدداً هائلاً من المؤلفات».

وأضاف قائلاً: «من أهم مؤلفات "ابن عربي" كتاب "الفتوحات المكية" الضخم ذو المجلدات العشرة؛ الذي يعد أهم مؤلَّف في التاريخ الإسلامي، ومن مؤلفاته أيضاً كتاب "تفسير القرآن" الذي بلغ خمسةً وتسعين مجلداً، وله أيضاً من الكتب: "محاضرة الأبرار"، "إنشاء الدوائر"، "عقلة المستوفز"، "ترجمان الأشواق"، "التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية"، "مواقع النجوم ومطالع أهلّة أسرار العلوم"، "الجمع والتفصيل في حقائق التنزيل"، "الجُذوة المقتبسة والخطرة المختلسة"، "كشف المعنى في تفسير الأسماء الحسنى"، "المعارف الإلهية"، "الإسرا إلى المقام الأسرى"، "مشاهد الأسرار القدسية ومطالع الأنوار الإلهية"، "الفتوحات المدنية"، "الأحاديث القدسية". ولا شك أن أكثر كتب "ابن عربي" تداولاً بين القراء هو "فصوص الحكم" الذي يعد بمنزلة وصيته الروحية، وغيرها الكثير من الرسائل الصغيرة».

وأضاف بالقول: «مازال قبره مزاراً للناس حتى الآن؛ وقد بُني مسجد ضم ضريحاً على قبر "ابن عربي"، عام 1518م، بعد أن كان المكان مهملاً، تخليداً وتكريماً للعلامة الصوفي وطريقته».

لابن عربي وقدراته عند عامة الناس حكايات وقصص غريبة، تتجاوز حدود العقل والمنطق، روى لنا بعضها "غياث دهان" الذي يملك محلاً بالقرب من الضريح بالقول: «تتواتر القصص التي يؤمن بها الناس، ولعل أشهرها قصة لقائه "ابن الفارض" في "بغداد"، ثم في "دمشق"، حيث ظهر لـ"ابن الفارض" في أربعين شكلاً. أو قصة مزعومة عن تكهنه أن السلطان سليم العثماني هو الذي سيبني مسجداً على قبره، وهي قوله: "عندما تدخل السين (سليم) بالشين (شام) سيظهر سر محي الدين"، وقصة قتله، عندما قال للناس: "معبودكم تحت قدمي"، فهاجوا عليه وضربوه قبل أن يتبين أحدهم أن في المكان الذي وقف فيه الشيخ كميات كبيرة من الذهب، علماً أن "ابن عربي" مات على فراشه ميتة طبيعية».

أما رئيس جامعة الأزهر "أحمد الطيب" الذي حصل على شهادة الدكتوراه عن دراسته حول "ابن عربي"، فأكد خلال المؤتمر الذي عقد في كانون الأول 2009 تحت شعار "ابن عربي في مصر، ملتقى الشرق والغرب"؛ المؤتمر الدولي الذي نظمته دار الكتب والوثائق القومية وجامعة الأزهر والسفارة الإسبانية بمشاركة أكثر من أربعين باحثاً، «أن الشيخ الأكبر تعرض للكثير في حياته من قبول لأفكاره ومعارضة لها، إلا أنه رسخ مفاهيم وتقاليد دعت للمحبة واتجه إلى الشمول والوصول إلى الإيمان الحق، وكان ابن عربي في قصائده وكتاباته قد أكد كثيراً فكرة الإيمان المطلق بغض النظر عن العقائد».