في بيت شامي عتيق يعبق برائحة "دمشق" وبالقرب من سوق الحميدية وقصر العظم وقلعة دمشق القديمة، والجامع الأموي في كنف أسرة عريقة في أدبها ونسبها ولد الشاعر "عدنان خليل مردم بك".

فنشأ في دار "آل مردم بك" التي كانت محجّاً لرواد الأدب والفكر، نشأة أهل العز والعلم والفكر وترعرع في هذه الدار إلى جانب أخيه الأصغر "هيثم" وأخواته "لميس وفاطمة ومامه".

غادة أفاميا، العباسة، الملكة زنوبيا، الحلاج، رابعة العدوية

يذكر السيد "قتيبة مردم بك" ابن الشاعر الراحل "عدنان مردم بك" أن أبيه تلقى علومه في "مدرسة الملك الظاهر" الابتدائية التي كانت تسمى مدرسة "الجقمقية" نسبة إلى الأمير جقمق المملوكي بداية، ثم انتقل إلى مدرسة (العازارية) في باب توما، فالكلية العلمية الوطنية في منطقة البزورية بدمشق، ثم المدرسة التجهيزية التي تسمى حالياً (جودت الهاشمي) لينال منها الشهادة الثانوية (البكالوريا) عام 1934م ويدخل معهد الحقوق وينال إجازة في الحقوق عام 1940م.

عدنان مردم بك ضمن لائحة خريجي معهد الحقوق

التحق بعدها بمكتب المحامي "سعيد الغزي" متدرباً ثم محامياً عاملاً وبعد ثمانية أعوام من عمله في المحاماة تقدم إلى مسابقة في القضاء، وعُيِّن قاضياً في مدينة حمص عام 1948م، ثم أصبح قاضياً للاستئناف حتى عام 1962م ومستشاراً في محكمة النقض بدمشق، واستمر في القضاء حتى عام 1966م، إلى أن تفرغ بعدها لإنتاجه الإبداعي.

كان "عدنان مردم بك" الابن الأكبر لوالده، لذا ونتيجة العلاقة الأبوية الدافئة تتلمذ "عدنان" على يد أبيه وتعلم منه أصول الحياة. يتابع "قتيبة" بالقول: «لطالما أتذكر أبي وهو هادئ ورزين محب للعلم والثقافة التي سعى جاهداً إلى تفتيح عيوننا عليها، وكيف لا تنتقل الثقافة إلينا بالوراثة فقد نشأ والدي في دار العائلة التي شهدت انعقاد نادٍ أدبي وفكري فقد كانت هذه الدار قبلة لرجال الفكر والسياسة والأدب من داخل سورية وخارجها».

السيد قتيبة مردم بك

يذكر الأستاذ "حسين الحموي" عضو اتحاد الكتاب العرب ورئيس إدارة النشاط الثقافي فيه عن حياة الراحل "عدنان مرد بك" بالقول: «نمت موهبة "عدنان مردم بك" الذي كان يرى تلك الشخصيات الأدبية والفكرية تؤم نادي أبيه، ويستمع إلى الحوارات الأدبية والمناقشات الفكرية والسياسية من كثب، وتتفتح عبقريته في مكتبة والده التي تضم آلاف الكتب الأدبية والتراثية. ما إن يفرغ من قراءة كتاب حتى يتناول كتاباً آخر، وغالباً ما كان يستمر في القراءة حتى ساعة متأخرة من الليل؛ ما جعله عاشقاً للعربية متفوقاً على أقرانه في المدارس التي نهل منها علومه الأولى.

السمة الأكثر بروزاً لدى الشاعر "عدنان" كانت هي مَلَكَة الصمت المهيب العميق الذي كان يتمتع به، بحسب ما ذكر السيد "قتيبة" والتي ردها إلى التأمل والتفكير، فكان إذا تكلم تتابعت كلماته بهدوء ورزانة وصوت خافت يدلّ على ذوق رفيع وتربية راقية وشخصية رزينة هادئة ربما تشبه إلى حد كبير شخصية والده الخليل.

الأستاذ حسين الحموي

الأمر الثاني هو تعلقه الشديد باللغة العربية وتمكنه المدهش من صرفها ونحوها، فإذا أضَفْتَ إلى عنايته باللغة قوة الذاكرة والصوت الخافت الرصين واللهجة الجذّابة صار كلامه أشبه بالسحر. وقد أعطى جانباً مهماً من حياته لنشر المخطوطات التي خلفها والده الخليل؛ ففي حياته لم يكن يسمح لنفسه أن يتقدّم حتى ولو بالذكر أو بالنشر على أبيه وبعد وفاة والده صرف ما تبقى من عمره لنشر المخطوطات الشعرية والنثرية التي خلفها وراءه الخليل.

وفي مجموعاته الشعرية الأربع التي أبدعها تظهر بوضوح تلك المشاعر الوطنية والقومية المتأججة وذلك الفخر الكبير بمآثر الأمة ونضالاتها وهي على التوالي: «نجوى، صفحة ذكرى، عبير، نفحات شامية»، وقد نظم الشعر في سن مبكرة إذ لم يتم الخامسة عشرة من عمره حينما نشر قصائده في أمهات الصحف والمجلات.

عدنان.. المسرحي العاشق

ويذكر "الحموي" بعض المحطات الهامة في حياة الراحل "عدنان مردم بك" المسرحية بالقول: «أما حول التأليف المسرحي فمعظم الآراء تلتقي حول نشره المسرحية الأولى «فتح عمورية» في مجلة «الشام» لصاحبها خليل محفل وله من العمر ستة عشر عاماً، وبعد عام واحد نشر مسرحية «عبد الرحمن الداخل» في مجلة «العرفان» وأتبعها بمسرحية «مصرع الحسين»، ثم نظم مسرحية «جميل بثينة» ونشر مقدار فصل واحد منها في مجلة «الإنسانية» لصاحبها "وجيه بيضون"، وفي الوقت ذاته لم ينقطع عن نشر القصائد الغنائية والقومية والوصفية في العديد من الدوريات العربية أمثال مجلة «الثقافة المصرية» ومجلة «المقتطف» ومجلة «السياسة الأسبوعية» ومجلات «العرفان والبرق والأديب والطريق والكتّاب»، ثم انقطع مدّة لا بأس بها عن النشر استمرت حتى العام 1956 جاءت بعدها مسرحيات «غادة أفاميا، العباسة، الملكة زنوبيا، الحلاج، رابعة العدوية»، وقد نالت هذه المسرحية في أسبوع الكتاب الصوفي العالمي الذي أقيم في عاصمة الأرجنتين من اللجنة الاستشارية العالمية ومن اليونسكو الجائزة الثالثة ومنح الشاعر لقب بروفسور، ثم ألف مسرحية «مصرع غرناطة» وقد ترجم البروفسور فيرنت جونيس فصولاً منها إلى الاسبانية. ثم مسرحية «فلسطين الثائرة» و«فاجعة مايرلنغ» و«ديوجين الحكيم» و«دير ياسين» و«الأتلنتيد» و«أبو بكر الشبلي» و«المغفّل» و«القزم» وقد ترجمت المستشرقة البولونية ايفا لورنغ معظم هذه المسرحيات إلى اللغة البولونية. وهناك مخطوط بعنوان «عالم الليل» أشار إليه الشاعر قبل رحيله بأنه قيد الطبع لكنه لم يرَ النور حتى اليوم.

انتسب إلى اتحاد الكتّاب العرب عام 1982 وأصبح عضواً بارزاً في جمعية الشعر ومنح عام 1987 شهادة الدكتوراه الفخرية، إضافة إلى عدّة شهادات تقديرية أخرى، كان أيضاً عضواً في رابطة الأدب الحديث التي يرأسها الدكتور "عبد المنعم خفاجي".

توفي عن عمر يزيد على السبعين عاماً، ودفن في مقبرة العائلة في باب الصغير وبرحيله تطوى حياة رائد مهم من روّاد المسرحية الشعرية ليس في سورية فحسب بل في الوطن العربي.