تذخر الذاكرة السورية بالعديد من الأسماء التي حفظت كرامة السوريين فترة الاحتلال الفرنسي لسورية، والتي استمرت في نضالها بعد الجلاء لتؤكد صدق توجهاتها.

المجاهد "عمر ارناؤوط" واحدا من هذه القامات التي أنارت صفحة التاريخ السوري، خلال مسيرة حياة تجاوزت /91/ عاماً، فهو يختزن الكثير من الأحداث في ذاكرته الطيبة، "eSyria" زار المجاهد "عمر ارناؤوط" في منزله وعاد به إلى الأيام الخوالي، حيث كان هذا الحوار:

كان لي شرف مقابلة القائد الخالد "حافظ الأسد" الذي أكرم /1177/ مجاهدا إضافة لبناء مدارس وأبناء الشهداء ورعاية أسرهم

** أنا من مواليد /1920/ والدي كان أحد ضباط الجيش التركي في دمشق كما كان قائدا لموقع دمشق، تربيت مع إخوتي على حب الوطن واستمريت في التحصيل العلمي حتى الصف الثامن.

المجاهد "عمر ارناؤوط" مع الرئيس "شكري القوتلي"

  • ماذا عن بداية حياتك السياسية؟
  • ** بدأت حياتي السياسية ضد الانتداب الفرنسي الظالم منذ فترة الإضراب الستيني عام /1936/ وكان عمري آنذاك /16/ سنة، وأريد أن أؤكد أن فرنسا لم ترتح لمدة /26/ سنة فالشعب السوري كان يناضل من أجل تحرير أرضه حيث استمرت الثورات والمظاهرات حتى كان الجلاء عام /1946/.

    صورة للمجاهد "عمر" في أراضي الفلسطينية "1948"

  • كيف بدأت حياتك النضالية؟
  • ** كنت شارك مع عدد من الشباب الوطني برمي الفرنسيين بالمفرقعات التي كانت تزعجهم جداً، وحيث كان الوطنيين أمثال "شكري القوتلي، نسيب البكري، فخري البارودي، صبري العسلي، وغيرهم.." يقودون الحركة الوطنية في ميدان السياسة ويقدمون كل أنواع الدعم للشباب الوطني ضد الفرنسيين؛ كان كل شاب يناضل بطريقته، فإضافة إلى رمي المفرقعات على الفرنسيين في منطقة "السوق العتيق"، كنا نعمل على تحريض الطلاب في مدرسة البحصة التي بجانب "جامع يلبغا".

    المجاهد "عمر علي ارناؤوط"

    وكان الوطنيون في الكتلة الوطنية وعلى رأسهم نسيب البكري يتعاطفون معنا وأذكر من الشباب الذين كانوا يشاركون المظاهرات "الرحالة العالمي عدنان تللو، كمال شوقي، أحمد آلوسي" وكنت ومن خلال وجودي في فوج الكشاف في المهاجرين حرض رفاقي للاشتراك في المظاهرات إضافة لمساندتنا للكتلة الوطنية التي كانت توعز بالإضرابات وتقوم بتوزيع المناشير وكنت ورفاقي نقوم بجولة على الأحياء ونغلق المحلات يوم الإضرابات حيث كانت كل الشرائح المجتمع تشارك بالإضرابات وحتى التجار الكبار كانوا يقدمون الدعم للوطنيين، وأتذكر عندما حوصرنا في الجامع الأموي كيف قدموا لنا المساعدات والطعام.

  • وماذا عن دورك يوم قصف البرلمان؟
  • ** بكل فخر واعتزاز كنت على رأس قائمة الوطنيين حاولت اغتيال ضابط المخابرات الفرنسي"مسيو بيلسي" الذي أصيب ولم يمت، وقد كنت مع بعض الشباب الوطنيين، واطلعنا على ما حدث في البرلمان، وعلمنا أن رئيس الحكومة المرحوم "خالد العظم" ذهب مع أعضاء الحكومة إلى سرايا- في المرجة- ومنها إلى داره الكائنة في سوق العتيق- في حي السمانة- وهناك شاهدت أعضاء الحكومة وقد سلموا من مذبحة البرلمان.

    وشاهدت وزير الدفاع السوري وهو يتصل بداره- ليطمئن أهله- فطلبت منه ألا يفعل وكذلك لعلمي أن خطوط الهاتف- القليلة في ذلك الوقت- مراقبة من قبل بعض العاملات اليهوديات واللاتي قد يخبرن السلطات الفرنسية عن مكان وجود أعضاء الحكومة، ولكن الوزير لم يفعل وفعلاً لم يمض وقت طويل حتى بدأ القصف على منزل "خالد بيك العظم"، ما أوقع العديد من الشهداء والجرحى من المنازل المحيطة بالمنزل.

    وفي عام 1941، وفي أثناء الصدام مع الفرنسيين استشهد الطالب فوزي اللحام على أبواب ثانوية جودت الهاشمي وكان الفرنسيون يحاولون سرقة جثته ودفنها بصمت، يومها كنا مئة شاب بمنزل فوزي اللحام الذي كان في الجادة الثانية بالمهاجرين وقتها وضعنا جثة الشهيد فوزي اللحام وأسلحتنا كانت "فرد، سكينة"، وقمنا بدفن الجثمان علناً رغم أنف الفرنسيين ويومها ألقيت كلمة قلت فيها "إن فرنسا- معلمة الدعارة والفسق- تدعي أن لها حق الحماية والوصاية في بلادنا، علما أن مرقص السعادين عندنا في سورية، يعطي درسا للآداب للجنرال ديغول".

    حصل الفرنسيون على الخطاب وقاموا بمداهمة منزلي حيث كنا نسكن بساحة عرنوس ووجدوا فيه مفرقعات وألقي القبض علي وأودعت بسجن المزة وفيه التقيت بعدد من زعماء أحياء دمشق "أبو حمزة المعط، أبو أحمد العكام، أبو فهد الشعراوي، أبو سليمان دعدع، أبو صياح الدواليبي".

    في هذه الفترة أتذكر أنه تم تغيير المندوب السامي وجرت انتخابات وأصبح "شكري القوتلي" رئيسا للجمهورية وأرسل وفداً لـ"بيروت" ليحصل على عفو لي، وعندما خرجت قابلت الرئيس "شكري القوتلي" وقلت له "لم تكمل فرحة الوطن قبل أن يخرج رفاقنا من السجون"، قال لي هنا "أبشر يا بطل سيخرج كل رفاقك".

    والحمد لله حضرنا الجلاء في سورية- التي ضحت بعشرين ألف شهيد- وذهبت فرنسا الظالمة التي قالت "جئنا لنثقفكم"، ولكن الحقيقة أنها جاءت لتقسيمنا إلى مجموعة من الدول ضمن سورية، وهنا لابد من الإشارة إلى أن كل الأحياء في دمشق ناضلت وتصدت للفرنسيين "الميدان، الشاغور، باب السريجة" ولن أنسى المجاهد "حجازي الكيلاني" وأولاده الأربعة من منطقة "قبر عاتكة".

    كما كنا نصعد لمئذنة جامع "دك الباب"- مكان الجامع الموجود اليوم في نفس المكان- حيث كان يقطن مفتش الشرطة الفرنسي (كويتو) وبالتعاون مع إمام الجامع "عادل الدادا" آنذاك كنا نرمي المفرقعات على "كويتو" فتصيب مرة سيارته وأحيانا مؤخرتها.

  • مما كانت تصنع المفرقعات؟
  • ** كانت المفرقعات تتألف من مواد بسيطة لكنها فعالة وهي من غزل الكبريت وبرادة الحديد والرمل والبحص كانت تفي بالغرض.

  • وماذا عن نضالك في فلسطين؟
  • ** بعد أن اتبعت دورة للفدائيين في منطقة "قطنا" بريف دمشق تطوعت بـ"جيش الانقاذ" بقيادة "فوزي القاوقجي" وسرنا إلى فلسطين وخضنا عدة معارك أصبت فيها بذراعي وهذه إصابة اعتبرها وساما أضعه على صدري، وقد استشهد في هذه المعارك الضابط المقدم "مأمون البيطار"، وقد كلفت بنقل جثمانه مع جثمان الشهيد "محمد التركاوي" إلى سورية.

    وعن نشاطاته بعد الاستقلال يتابع المجاهد "عمر" الملقب "أبو فواز": «كان لي حضوري ومشاركتي في الإدارة المحلية كنت عضوا لمدة أربع دورات لمجلس محافظة دمشق منذ السبعينيات وأنا حاليا نائبا لرئيس رابطة رجال الثورة السورية».

  • علاقتك بالرياضة لها خصوصية ماذا عنها؟
  • ** طبعا الرياضة من أهم هواياتي منذ فترة شبابي شاركت بمباريات جري الماراثون الذي كانت بطولاته تقام ما بين ضريح البطل "يوسف العظمة" في ميسلون ودمشق وكنت أجري ما بين الزبداني ودمشق تحضيرا لهذا الماراثون الذي كان ينافسني على بطولته "رمزي البزم، طاهر عصاصة" إضافة لمزاولتي رياضة القفز بالعصا حيث كنت أقفز إلى علو أربعة أمتار وكان من المنافسين لي "زهير الفقير، عبد الرزاق جلال".

    عام 1941 انتسبت لأسرة تحكيم كرة القدم بإشراف "فوزي تللو" وفي ذات العام اعتمدت حكما بالملاكمة بإشراف "ميسر السعيد" أحد رموز اللعبة بتلك الفترة إضافة لمشاركتي في تحكيم العديد من البطولات في كرة القدم والملاكمة في مختلف المحافظات.

    وتربط العم "أبو فواز" علاقة حميمية بالمطالعة حيث يقول: «تحتوي مكتبتي ما يزيد على ثلاثة آلاف كتاب، منها 300 عن الثورة العربية الكبرى والكفاح الوطني، وكتب عن السياسية والتاريخ والاقتصاد وغيرها، وأنا يومياً أقوم بالمطالعة لمدة لا تقل عن ثلاث ساعات، وأكثر الكتب التي أطالعها هي عن تاريخ الفتوحات الإسلامية إضافة للكتب السياسية، وأتمنى من "وزارة التربية" أن تدون تاريخ الثوار والمناضلين السوريين ضمن المناهج الدراسية لتطلع الأجيال على مسيرة وتاريخ أبطال بلادهم».

    وختم المجاهد "عمر أرناؤوط" حديثه معنا قائلاً: «كان لي شرف مقابلة القائد الخالد "حافظ الأسد" الذي أكرم /1177/ مجاهدا إضافة لبناء مدارس وأبناء الشهداء ورعاية أسرهم».