قدم لنا الفنان التشكيلي السوري "عبد السلام عبد الله" في أعماله الأخيرة التي أنجزها للعام 2008 باقة فنية من الزهور والربيعيات الدمشقية المشغولة بأسلوب الانطباعية الواقعية ذات التعبير المرتبط بمفاتن الطبيعة وتكويناتها الجمالية، يجسد فيها الجوري و

الزنابق والأقحوان، مضيفاً إلى أسلوبه التعبيري فرشاً بديعاً، يمزجه بعبق دمشق ونفح من نعومة المرأة الشرقية، يدخلها كعنصر تشكيلي جديد يحرص فيه على استخدام كيمياء اللون المركبة، والدفء الحسي للعين، الذي يصلنا إلى عمق وصفاء مدلولاته البصرية، التي تحولت في أعماله إلى لمعان شفيف، يضفي عليها أجواء كلاسيكية تشكل ألونها خليطاً من الجمال المحض.

لو خيروني، لما كنت إلا بائع "ورود"، وإن فاتني الربح لم يفتني العطر

للتعمق في عوالم تلك الإيحاءات المكنية، ومعرفة خصوصية العمل فيها " e Syria" التقت الفنان "عبد السلام عبد الله" في صالة "السيّد بدمشق" في 29/7/2008، وكان الحوار التالي:

ـــ ما الذي تحتاجه اللوحة التشكيلية برأيك حتى تأخذ قيمة فنية وتاريخية؟، وكيف تشعر تلك القيمة وسط عالمك وخصوصيتك؟

العمل الفني ولادة جمالية مستخلصة من واحات الفكر و التأمل والخيال، مغذاة بحس شعوري رهيف ينبعث عن حالة نفسية وجودية، يعيشها الفنان وسط ملوناته وصوفية عوالمه المعرفية ومساراتها المحببة إليه، ولكن هذه الولادة تحتاج إلى مقومات فكرية ونفسية متوازنة متعلقة بطريقة العمل من حيث الأسلوب والاقتباس والتوليفة البصرية للتكوين ضمن إطار اللوحة، فتصبح دلالاتها التشكيلية بانسجام تلك المقومات ذات قيمة فنية وتأريخية عالية، محسوسة زماناً ومكاناً وتاريخاً.

فالوليد معطى إنساني له اسمه وحياته وشخصيته وتاريخه كذلك اللوحة معطى بصري لها اسمها وتاريخها وشخصيتها تماماً، وتحتاج إلى حالة زمنية حسية يتواءم معها الفنان حتى يحسن إبداع معالم خطوطه في لغة التعبير والرسم.

ـــ ماذا تضيف "الوردة الدمشقية" لكينونتك كفنان؟، وما هو مدلول كثافة العنصر الجمالي "الورود" في أعمالك؟

قيل قديماً «لو خيروني، لما كنت إلا بائع "ورود"، وإن فاتني الربح لم يفتني العطر»، إن ورودي على اختلاف أشكالها، أصور بها أناس "دمشق" بطيبهم ودفئهم وإنسانيتهم، وأخصّهم "بالوردة الدمشقية" التي تضيف إلى كينونتي بما تحتويه من أفق معرفية وتأملية مدى بعيد لا يدرك من عوالم الجمال الإلهي والطبيعي.

ـــ تزخر أعمالك بتنوع التركيب اللوني المدروس، واشتداد السطوع والضوء في معالمها، كيف أحسنت التوافق والتناغم بينهما؟

اللون لغة بصرية فاتنة التركيب، وأنا أهوى ذلك التركيب ، وأجسده بكل جزيئاته وتعدديّته في تشكيل الطبيعة التي أريد، أجمعه في لوحتي مع امتداد الضوء وانفتاح السطوع الذي يتمازج مع انفعالاتي وحالة السكون التي تأسرني أثناء العمل، فتبدو الزهور والأغصان ووريقاتها الصغيرة كتلاً لونية متحاورة ومتناغمة ومتراقصة بآن معاً، لكنها تجعلني أمام العمل ليس فناناً فحسب وإنما راقصاً بلغة الروح والجسد، عازفاً يطلق موسيقاه الروحية بحركة اللون والسكون ومفاتن التشكيل في سحر الطبيعة الإلهية.

انطباع ورأي

حول أعمال الفنان "عبد السلام عبد الله"، قال الدكتور "عفيف بهنسي": « إن "عبد السلام" فنان انطباعي شاعري، استطاع أن ينظم أروع المشاهد بوزن القافية الطبيعية، وبإيقاع الألوان الطيفية التي تفاعلت مع شموس فردوسنا الذي ننعم بجماله. لقد حققت الانطباعية لديه صبوة المتلقي ورغبته في الوقوف أمام الجمال المحض، الذي يحقق الفرح والأمل مكللاً بألوان الزهور والحقول والجداول والفضاء المحلى بنقاء الغيوم والشفق المضيء»

أما الشاعرة "مفيدة خنسة" فقالت: «الفنان النبيل لا يغادر برهة الإيحاء في ذروة التوتر حتى تستقر اللوحة في الوجدان، لتبدأ الريشة بإيقاف الزمن عند مكنوناتها، وبحساسية لا تقل رهافة عن رقة الضوء المنتشر في الأرجاء، لتوثق ذاكرة اللون في طبيعة مفعمة بالجمال، وحين يمنحها مكنونات الانطباع تصبح اللوحة على هيئة جلال الإبداع المقيم في شخوصها وعناصرها ومعاملها التشكيلية».

وتضيف: "عبد السلام عبد الله" أقل ما يمكن أن يقال عنه: أنه فنان نبيل لأنه يأبى إلا أن يكون المتلقي على الطرف المقابل، من لوحته ليبني معها وشائح علاقات وثيقة لا يكشفها إلا من كان قادراً على البحث عن السر المتخفي في ظلال اللون المعجون بالضوء والمشاعر الحارة، وفي حضرة الجمال المتجلي على هيئة الجلال في أعماله فإنه يليق بنا الصمت والتأمل.

وقال الناقد "أديب مخزوم": « نحن أمام لوحات تنحو نحواً انطباعياً حديثاً، فتتواتر عناصر الطبيعة بعفوية مركزة، بعيدة كل البعد عن العشوائية والانفعالية الزائدة، فلوحاته مدخل رحب للتمعن بسحر المنظر الخاص، وتألق إشعاع اللون فيه وتوهج النور وتدرج رطوبة الظل».

ويضيف:لا زال "عبد السلام" عبر أعماله يفتح عيوننا على مساهماته في كشف أسرار وجماليات المنظر الطبيعي الخلوي الذي يتوالد ويتواصل من غير انقطاع، الشيء الذي يؤكد غنى موهبته وتنوع حرياته الإبداعية.

وحول المشهد الذي يعنى برسمه الفنان "عبد الله" قال" مخزوم" :« ما يميز الأسلوب في أعماله مشاهد "الورود" ومساحات "الحقول" الواسعة، التي حوت مرتفعات ومنخفضات مزهرة، فهو يتجه في رسم المشهد

إلى نوع من المشهدية البصرية الاحتفالية، ويدخل العين المتأملة في حوارية يزخر بها الإغراء اللوني المثير، حيث يضيف من ذاته ومن مخيّلته الخصبة وخصوصيته الإبداعية..هكذا تتميز لوحاته بإحساس مرهف يبرز فصاحة الطبيعة، ويرينا تقنية لونية تتسع للكثير من الطرب الإيقاعي، لتكثيف الموسيقى اللونية المسموعة بالعين والمحسوسة بالتفاعل مع العمل».

في سطور

"عبد السلام عبد الله" من مواليد "رميلان" عام 1961، تخرج من كلية "الفنون الجميلة بدمشق" عام 1985، وهو أستاذ في معهد "الفنون التطبيِقية"، ومحاضر في "المعهد العالي للفنون المسرحية" قسم التصميم والتقنيات المسرحية حتى عام 2006، وله العديد من المعارض الفردية والجماعية.