امرأة قطعت مئات الكيلومترات, متنقلة عبرالجبال الوعرة بين القرى, من منزل إلى آخر, ومن عجوز إلى أخرى, تجمع عن أفواههم أغانٍ حفظوها, ورددوها في أفراحهم, وأحزانهم, فسجلت سفراً جديداً من أسفار المرأة الريفية وهي التي خرجت من بينهن إلى عالم الاغتراب والتنقل، جالت العالم, واستقرت في مدينة دمشق منذ عقود, قبل أن تتفرغ لهاجسها الدائم, في جمع التراث.

(فريال سليمة الشويكي) باحثة في التراث الساحلي الريفي صدر لها:

عام 1995م (الزمن السعيد) دراسة في التراث الساحلي الريفي، وفي عام 2001م (كنوز منسية) دراسة في التراث الساحلي الريفي، وعام 2003م (نورس بلا جناحين)مجموعة قصصية

الباطوس..من اهم المعالم في التراث الريفي الساحي

والآن قيد الطباعة (البحر الثالث) موسوعة في التراث الساحلي الريفي لصالح وزارة الثقافة- مديرية التراث

ويسجل للباحثة, أنها الرائدة التي كتبت هذا التراث, وحفظته في مؤلفات متلاحقة باتت الآن مرجعاً للباحثين, بعد أن قلت مصادر المعلومات التي يمكن جمعها على أرض الواقع, مما دفع الكثير من المهتمين ليحذوا حذوها, ويكملوا ما بدأته, تقول الباحثة (شويكي):

"حوى المؤلفان الأول والثاني, التراث الساحلي الريفي الذي جمع على مدى 50 عاماً, على أفواه مئات الناس في المنطقة الممتدة بين لواء اسكندرون شمالاً, والنهر الكبير الجنوبي على الحدود اللبنانية جنوباً, ومن شاطئ البحر حتى السفح الشرقي لسلسلة الجبال الساحلية, تناولت المؤلفات صور حياة الناس في الريف, في زمن ينتهي عند الستينات من العام الماضي, ويمتد في عهد حتى أوغاريت, الذي تصلنا منه ليس فقط أغنية (عاليوم ..شوماليوم ..شوميلي) بل عشرات المقولات, والعادات, والأمثال التي نجهلها, إلا ما حددته الأغاني, وأشارت إلى مكانه, وزمانه, فكانت خير دليل على إعطاء هوية الزمن الذي قيلت فيه.

هذا التراث لا يدانيه في قيمته, وغناه أي تراث على وجه الأرض, نظراً لما تتمتع به المنطقة من مزايا مناخية, وجغرافية, تجعلها مشرعة الأبواب لتلقي كل الثقافات التي تراكمت في المنطقة على مدار القرون, مما هيأ لتلك الثقافة المهملة كي تغدوا أشبه ببحر. ذاك التناغم العجيب الجميل بين مشاعر الإنسان, وأحاسيسه بما يحيط به, من جمال وسحر وتميز في المكان, ترجم على شكل مقولات, ومواويل, وأغاني لا حصر لها, ويصعب الإحاطة بها, فكأن الناس كانوا نتاج الأرض التي أنبتتهم, والمناخ والسحر الذي يحيط بهم, وكان من السهل على الإنسان أن يعبر عن واقعه, ويصف حاله في كل الظروف المحيطة, واصفاً مشاعر الحب, ومقاييس الجمال, وقسوة الحياة, والمرض, وزمن المستعمر, والفقر, والإقطاع, صوراً تناولت حياته من المولد إلى الممات.

كل إنسان بما قاله ترك فلسفته الخاصة, دون أن يسجل اسمه, فقد سجل أحاسيسه تجاه كل ما رآه, وترك لنا أفكاره التي لم تكن نتاج علم ودراسة, بل هي نتاج تجارب, وخط مسيرة الإنسان الذي لم تمحى صوره بمرور الزمان, ولا ذهبت وزال صوته, وتبعثر مع الريح, بل تركت خلفها إرثا ثقافياً, فيه بصمات أولئك الناس, تحدثت عن أخبارهم ولو بعد حين".

أما عن مؤلفها الرابع وهو بعنوان (البحر الثالث) فتقول الباحثة:

"إن في هذا التراث من الوفرة, والغنى, ما دفعني لإتمام ما بدأت, وذلك بتسجيل هذه التركة الوراثية الثمينة في كتاب ثالث, اسمه (البحر الثالث), وهو دراسة تاريخية وجمع وتوثيق, لكل ما غناه الناس, وساد في ساحلنا منذ عهد أوغاريت حتى الستينيات من القرن الماضي حتى كانت نهاية ذلك الموروث الحضاري الثمين, الذي أزاحته المستجدات التي سادت, وظهرت في حياة الناس بعد دخول الكهرباء, وظهور الراديو, والتلفاز, وحاجة ابن الريف إلى الرحيل إلى المدن, والجامعات والمدارس مما غير نمط الحياة التي كانت سائدة, والتي تعتمد على مفردات هذا التراث كل الاعتماد".