بالتأكيد يعرف الجيل الجديد من الكتاب والمثقفين في سورية والوطن العربي غادة السمان عبر أعمالها وذيوع صيتها، إنما يعرفها أكثر من خلال الكتاب الذي نشرته بعنوان "رسائل غسان كنفاني"

ويتضمن الرسائل الغرامية التي وجهها الكاتب والمناضل الكبير غسان كنفاني إليها أيام كان عاشقاً متيماً بها.

وكانت تنوي نشر الرسائل الغرامية الأخرى الموجهة لها من كتاب وصحفيين ومناضلين آخرين، لكن الحملة الشعواء التي تعرضت لها إبان نشرها رسائل غسان بدافع الحرص عليه وعلى وجوده في الذاكرة الثقافية والشعبية كمناضل (لا يعشق) خصوصاً أنه متزوج وله طفل آنذاك، منعتها ممن نشر الرسائل الأخرى، فقامت بإيداع تلك الرسائل المتبقية أحد البنوك وأوصت أن تننشر بعد خمسين عاماً من وفاتها.

الآراء التي صدرت حول نشر الرسائل طالبت السمان أن تنشر رسائلها هي إليه لتتحقق العدالة، لكن السمان كانت قد استبقت الأمور، وكأنها كانت تتوقع هذا الطلب، فكتبت في مقدمة الكتاب أن رسائلها إليه ضاعت ولاتملك منها شيئاً، الأمر الذي فسره بعضهم بأنه ينطوي على سوء نية من قبلها، وأن وراء الأكمة ما وراءها...

ولدت غادة السمان عام 1942 في دمشق، وأمضت طفولتها في الهامة– المصيف الشهير آنذاك، ابنة أحمد السمان: المثقف والوزير ورئيس الجامعة وعميد كلية الحقوق آنذاك.

درست الأدب الإنكليزي، وتخرجت عام 1960 بدجة امتياز، ومع الإنفصال بين مصر وسورية غادرت دشق إلى بيروت وانتسبت للجامعة الأمريكية للتحضير لنيل شهادة الدكتوراه.

وهناك في بيروت عملت في الصحافة، وأثبتت جدارتها فيها حتى إنها صارت نجمة ثقافية بين عامي 1962 و 1970 حيث صارت حديث الثقافة والإعلام في لبنان وسرعان ما انتشر صيتها إلى أرجاء الوطن العربي.

تزوجت عام 1971 من أحد الأثرياء وهو الدكتور بشير الداعوق فوضع ثروته بين يديها، لكنها ظلت كما هي امرأة مستقلة وسيدة نفسها، وظلت تعيش كما تحب للنساء أن يعشن...

دعت منذ بدايات حياتها إلى تحرر المرأة وأشفقت على النساء اللواتي يرغبن في العيش مكبلات وداخل الشرنقة، وهذا الأمر فسر من بعضهم على أنه تحرر يخفي انفلاتاً ما، فحاول هذا البعض تشويه سمعتها، حتى أن أحدهم كتب أن الرجال الوسيمين بالنسبة لغادة السمان كدمى الأطفال تلعب بهم، لكن ذلك وكل تلك المحاولات لم تجعلها تتراجع عما تؤمن به، فبقيت متمسكة به وتمارسه كأن شيئاً لم يحدث.

تعتبر غادة السمان نموذجاً للمرأة الكاتبة من الطراز الرفيع وللمرأة المتحررة من الطراز الرفيع أيضاً.

لم تزل تنتج، ولم تزل محررة الصفحة الأخير من مجلة الحوادث منذ 25 عاماً حتى الآن (2008).

بعضهم يعتبر أن ما كتبته عن بيروت في رواية "كوابيس بيروت" هو من أعمق ما كتب عن هذه المدينة، كما أنها كتبت رواية "ليلة المليار" عن الحرب الأهلية اللبنانية وفضحت فيها تجار الحروب وتجار المال، وبعضهم يعتبر أن أولى رواياتها "بيروت 1975" تمثل نبوءة لما حدث لاحقاً في لبنان.

لم تزل غادة السمان تمثل طموح الكاتبات اللواتي يحببن أن يكتبن وهن متحررات، بجرأة وبلا شعور بالرقيب أياً كان هذا الرقيب.. إذ إن غادة السمان حققت ذلك بقوة.