استطاع الحرفي "منير المسدي" الخروج عن المألوف باستخدام "النول" الآلة القديمة المعروفة بحياكة الصوف والسجاد، حيث اعتمدها في حياكة "المناشف" و"البرانص" من خيوط القطن، فحمل بصمة فنية أعطته هويته التي ميزته عن باقي الحرفيين.

مدونة وطن "eSyria" التقت "منير المسدي" بتاريخ 20 تشرين الثاني 2015، ليحدثنا قائلاً: «أعمل بحرفة "النول" منذ خمسين عاماً؛ وهي مهنة متوارثة في العائلة منذ أكثر من مئة عام؛ حتى إننا أصبحنا نُعرف ببيت "المسدي" وهي ليست كنية العائلة الأصلية لكنها أتت من السدي، وهي كناية عن خطوط الطول في النول.

انطلاقاً من مسؤوليتي كحرفي بالحفاظ على هذه المهنة انضممت مؤخراً إلى المشروع الذي أطلقته "الشركة السورية للحرف" ضمن برنامج "أبهة" التي تهتم بالتراث السوري لضمان استمراريته، حيث أقوم بتعليمها للراغبين بحياكة المناشف على "النول" في "التكية السليمانية" مجاناً

بدايةً دخلت إلى المهنة بناءً على رغبة والدي، لكن ما إن أتقنتها حتى أحببتها، وأصبحت أداوم على ممارستها بعد الانتهاء من مدرستي حتى وقت متأخر من الليل؛ لكونها من المهن القليلة التي لا تتطلب قوة كهربائية، أو ميكانيكية، ويمكن ممارستها في كل الأوقات، فأصبحت جزءاً مهماً من حياتي اليومية.

"برانص" للأطفال حيكت على النول

ويضيف: «بعد حصولي على خبرة في هذا المجال، بدأت البحث عن التميز، فتوصلت إلى حياكة المناشف على "النول" في خطوة عدّت الأولى آنذاك؛ فكما هو معروف قديماً كانت اجتماعات النساء، واستقبالاتهن تجرى في الحمامات؛ حيث تصطحب معها السيدة طقم المناشف لتتباهى به أمام صديقاتها، كما كان على العروس أن تصطحب معها يوم عرسها طقم مناشف من منزل والدها، ومن هنا أتت الفكرة بنسج المناشف و"البرانص" على "النول" مستخدماً خيوط القطن بكافة القياسات ولكل الأعمار وبجودة عالية، وألوان مختلفة؛ فالمنشفة يمكن أن تعمر نحو خمسة وعشرين عاماً أي بإمكان الأم توريثها لأولادها، وأحفادها بفضل جودة الخيط والدقة في العمل».

وعن آلية العمل يتابع "المسدي": «كما هو معروف فإن العمل على "النول" يتطلب دقة عالية وصبراً، إضافة إلى قوة عضلية لأن كل دقة تتطلب مشاركة الأطراف الأربعة، إضافة إلى حضور الذهن لأن أي خطأ بسيط يتطلب العودة من البداية، وتعد الخيوط المكون الأساسي لعملنا؛ حيث تسمى الطولية منها "السدي"، والعرضية "اللحمة"، وهما أساس العمل حيث يلعبان دوراً كبيراً في جودة المنتج، وأول خطوة نقوم بها إرسال الخيط إلى "اللقى" الذي بدوره يدخل الخيط إلى "النير" الذي يتحكم بمسار الخيط ليتم إرساله بعد ذلك إلى "المشط" الذي يهتم بدق القماش ليخرج بعدها بالشكل الذي نريد، وهنا يجب أن يكون الخيط منسوجاً بمتانة وإلا سوف يتعرض للقطع جراء الاحتكاك المتكرر».

بعض المنتجات

ويختم بالقول: «انطلاقاً من مسؤوليتي كحرفي بالحفاظ على هذه المهنة انضممت مؤخراً إلى المشروع الذي أطلقته "الشركة السورية للحرف" ضمن برنامج "أبهة" التي تهتم بالتراث السوري لضمان استمراريته، حيث أقوم بتعليمها للراغبين بحياكة المناشف على "النول" في "التكية السليمانية" مجاناً».

"رحاب زيدان" إحدى الزبائن المداومات على زيارة المحل تقول: «أنا من محبي القطع التراثية؛ حيث وعيت على رؤيتها في زوايا منزلنا، ومن حين لآخر أقصد هذا المكان ليس بقصد الشراء فحسب، لكن للتمتع برؤية "النول"، والأقمشة التي تشعرني بعراقة مدينة "دمشق" التي أعشق؛ كما أنه في المدة الأخيرة وبسبب رداءة جودة المناشف في السوق الذي يعود إلى أكثر من سبب أفضل اقتنائها من هنا، وتقديمها كهدية للمقربين في مناسباتهم».

المسدي عارضاً أحد منتجاته

بدوره الحرفي "محمد ديب الصيداوي" الذي يعمل في حرفة النول يقول: «أعمل في هذه المهنة إلى جانب "منير" منذ أكثر من خمسين عاماً، ومن خلال معرفتي به وجدته الشخص المحب لعمله، والقطعة التي ينسجها لا تقبل النقد، فهو الحرفي الذي استطاع أن يحافظ على التقنية إلى جانب الناحية الجمالية، دائم البحث عما هو جديد، لديه بعض التصورات التي أضافها إلى المهنة؛ حيث استطاع أن يتفوق على نفسه عندما اتجه إلى حياكة المناشف والشراشف على "النول" منطلقاً من الحاجة الاجتماعية، فأصبح الحرفي الوحيد الذي تفرد بصنعها في مدينة "دمشق" ويحاول اليوم تعليمها للراغبين بذلك».

يذكر أن "منير المسدي" من مواليد "حماة" عام 1948، يعمل مدرّساً لمادة الرياضيات، وهو عضو ضمن فريق "كشاف سورية"، له العديد من المشاركات ضمن فعاليات متنوعة.