يتقن عدة مهن؛ كل عمل من أعماله تسكنه روح قوس قزح الملونة؛ تميز بصناعة الحلي مستفيداً من المواد التالفة، ليقدم أعمالاً تروي حضارة "سورية" العريقة، ويأمل أن يؤسس أول مدرسة لتعليم حرفة الصياغة.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع الفنان الحرفي "يوسف كرم حسين"، بتاريخ 22 حزيران 2015، المنحدر من عائلة فنية ترى أن الفن لا يتجزأ، فشقيقته مصممة الأزياء "رولا حسين"، ووالده مهندس الديكور "كرم حسين" المحب للميكانيك؛ الذي جمع في منزله ورشة حدادة كاملة.

باكورة أعمالي "سوار دمشق" وكتبت عليه عبارة تعود إلى 5000 سنة قبل الميلاد؛ "رسالة من إله بعل إلى العالم، حطم سيفك وتناول معولك واتبعني لنزرع السلام والمحبة في كبد الأرض"، ورسمت عليه رسومات من سور "دمشق" الباقي؛ فأغلب أعمالي تحمل معنى ومغزى دالاً على الحقبة التاريخية التي يمثلها، فأدمج بين الفكر والفن معاً؛ وعند تصميمي لأي عمل أرسل رسائل فكرية حتى أترك ورائي إرثاً فنياً بدلاً من حسابات مصرفية

عن بداياته حدثنا قائلاً: «كنت هاوياً ومحباً لجميع الفنون، فأنا صاحب مطعم، ولسبع سنوات بقيت غارقاً بالآلات الحاسبة والأوراق النقدية، وكانت تستهويني فكرة الاستفادة من المواد المكررة والتالفة، فصممت تماثيل يمكن عرضها للزينة من قطع السيارات القديمة، التي كان والدي يجمعها كهواية، وأعجبتني فكرة إحياء أعمال لحرفيين قديمين مهرة؛ فصممت طاولات ومكاتب تخلد ذكراهم مستفيداً من منتجاتهم الخشبية، يعدّ والدي بالنسبة لي المدرسة التي علمتني أن الفن فكر وليس مهنة، فهو من فتح عيني على أن مفهوم الجمال يكمن في بساطة العمل».

إكسسوار "سوار دمشق"

ويتابع: «اخترت مهنة صياغة الجواهر لأنني أتقن عدة مهن (نحات، نجار، رسام، حداد)، منذ بداية البشرية صنع الإنسان الحلي من العظام والشعر والمعادن ليميز نفسه عن باقي الكائنات ويترك بصمته، هذه الحلي حملت دلائل تمكننا من قراءة التاريخ عن طريق الفن، فصورة حاكم "روماني" حليق ومن دون جواهر تدل على أنه محارب.

ونحن نمتلك تاريخاً رائعاً في صناعة الجواهر؛ فهناك حلي للأعراس وللأمومة ولجميع المناسبات، ولا ننسى الصائغ الذي كان يدور في الأرياف ويحمل عدته على ظهره لإصلاح الحلي القديمة أو بيع الجديدة، فأنا أريد أن أوثق هذه الحرفة قبل زوالها».

مجموعة من أعماله

وعن دور العائلة يكمل حديثه قائلاً: «شجعتني والدتي لأسافر إلى مصر وأدرس معهداً متخصصاً، لأجمع بين الهواية والدراسة وأصقل موهبتي، فسجلت في معهد "عزة فهمي" الأكاديمي بالتعاون مع مدرسة "الخيميا" في "فلورنس بإيطاليا"، لأتعلم مهنة صياغة الجواهر التي تعرفت إليها من قبل أختي مصممة الأزياء التي علمتني طرائق وتقنيات جديدة ومبتكرة، وهنا بدأ مشواري الفني بالعلم والخبرة التي اكتسبتها من ورشة والدي أيضاً، وهو ما أهلني لأتفوق على زملائي؛ حيث كنت أبيع أعمالي في البازارات وأنا طالب في المعهد، وتعجبني فكرة الاستفادة من الجواهر القديمة وتجديدها بقالب عصري، مع الحفاظ على الأصالة التاريخية التي جميعنا نفتخر بها، فـ"سورية" حاضرة في الكثير من أعمالي الفنية؛ فنحن نرى الكثير من الأعمال التي تتحدث عن الفراعنة، لكنني لم أجد خاتماً واحداً "أكادياً" أو "سومرياً"، ولهذا أريد أن أصمم مجموعة من الأعمال المادية الفنية تحكي عن تاريخ حضارتنا السورية».

ويضيف: «باكورة أعمالي "سوار دمشق" وكتبت عليه عبارة تعود إلى 5000 سنة قبل الميلاد؛ "رسالة من إله بعل إلى العالم، حطم سيفك وتناول معولك واتبعني لنزرع السلام والمحبة في كبد الأرض"، ورسمت عليه رسومات من سور "دمشق" الباقي؛ فأغلب أعمالي تحمل معنى ومغزى دالاً على الحقبة التاريخية التي يمثلها، فأدمج بين الفكر والفن معاً؛ وعند تصميمي لأي عمل أرسل رسائل فكرية حتى أترك ورائي إرثاً فنياً بدلاً من حسابات مصرفية».

الفنان فراس نعناع

ويشير بالقول: «أهم مادة فكرية لأعمالي الفنية هي القراءة والمعرفة، فهما أداتان لصناعة الأفكار المستوحاة من القصص التاريخية والأساطير والحياة اليومية، وأغلب الأحيان أصنع جواهري من الفضة والنحاس والمواد الرخيصة والمتوافرة في كل مكان، فالعمل الفني ليس بما يحوي من معادن ثمينة وإنما بجودة صناعته، وتعدّ النار من أساسيات المهنة، وأستخدم حالياً الشمع كإحدى التقنيات الحديثة المتبعة في عملي، مستفيداً من الأدوات المتاحة أمامي كالمطارق والمبارد والمناشير، ومجموعة كثيرة من المعدات الحديثة التي تساعدني على العمل بدقة، ولكن لا أحب الفن الحديث الذي يعتمد على النسخ وعجن المواد من دون أي تميز فني».

ويتابع: «مراحل التصنيع تختلف حسب العمل الفني؛ لأن مهنة الصياغة تعتمد على الكثير من التقنيات المتجددة والعديد من المراحل المختلفة بحسب التقنية المتبعة، بعد تبلورالفكرة تبدأ مرحلة "السكيتش"؛ وهي "الرسم الأولي للقطعة"، وأحياناً أغير في شكل القطعة إلى أن أصل إلى الشكل الذي يقنعني أبدأ عملية صب المنحوتة، ثم التلميع، فتركيب الحجارة، أو أقوم بإنشاء القطعة كاملة من صفائح المعدن إما بالتسخين أو الدق أو استخدام الأسلاك وسحبها، ثم صناعة العلبة التي تأخذ مني وقتاً وجهداً وفكراً لتملك نفس روح القطعة».

ويضيف: «الفن بحر كلما غاص فيه الفنان اكتشف طرائق جديدة، وبطبيعتي لا أحب الالتزام بتصميم معين، لأن فني نابع من إحساسي بالقطعة؛ وهذا ما يبعدني عن الملل ويجعلني أعيش حالة دائمة من البحث والشغف، على الرغم من معاناتي المتواصلة لعدم الاستقرار المادي الذي يمثل هاجساً لكل الفنانين، إلا أنني أحلم بتأسيس مدرسة فنية فكرية تعلم مهنة الصياغة حتى لا تبقى حبيسة بائعي الجواهر والصاغة، وأنقل معرفتي عن أصول هذه الحرفة إلى أيدي المحبين والراغبين».

"فراس نعناع" ممثل سوري تخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1990 أعطانا رأيه بعمل الفنان الحرفي "حسين" قائلاً: «فنان فريد بفنه حاضن لكل الفنون، فبين أصابعه تنصاع كل المواد الصلبة والساكنة لأن عمله نابع من القلب؛ وهو ما يجعله قادراً على تحويل المواد إلى منتج بصري حديث، وما ميز أعماله أنها مستوحاة من القصص والأساطير التاريخية ومن الطبيعة بشموليتها؛ وهذا ساهم في وعي ونضج العمل الذي يقدمه، وساهم في خلق وتشكيل منتج جديد له معنى، أعماله تحاكي الروح فعندما تنظر إلى القطعة الفنية تشعر بالحس الفني الذي ولد معه».