مهنة الإسكافي تدر على صاحبها دخلاً شهرياً محترماً، هكذا يقول أصحابها، وهي مهنة لا يستطيع المجتمع التخلي عنها أو تعويضها بأخرى، فلا يمكن إنشاء معامل مثلاً لتصليح الأحذية، هي مهنة فردية يحتاجها الجميع بصرف النظر عن المستويات الاقتصادية.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 12 كانون الأول 2014، السيد "سمير هشام" أحد مزاولي مهنة الإسكافي في "باب سريجة"، الذي قال: «تعلمت المهنة من والدي الذي بدوره تعلمها من والده (جدي)، وأصبحت أمارس هذه الحرفة اليدوية منذ أكثر من 40 سنة، فبسبب ارتفاع أسعار الأحذية؛ لجأ المواطن إلى إعادة إحياء حذائه ولعدة مرات قبل أن يرميه، أما بالنسبة لنا فهي مهنة تؤمن عيشاً كريماً».

تعلمت المهنة من والدي الذي بدوره تعلمها من والده (جدي)، وأصبحت أمارس هذه الحرفة اليدوية منذ أكثر من 40 سنة، فبسبب ارتفاع أسعار الأحذية؛ لجأ المواطن إلى إعادة إحياء حذائه ولعدة مرات قبل أن يرميه، أما بالنسبة لنا فهي مهنة تؤمن عيشاً كريماً

وعن سبب نشاط هذه المهنة قال المعلم "هشام": «قبل سنوات كانت لا تخلو حارة في "دمشق" من "الإسكافي" أو "الكندرجي"، أما اليوم فعدد محترفي هذه المهنة في ازدياد، فقبل الأزمة كان الناس يرمون الحذاء نظراً للرخص الذي كان سائداً آنذاك، فقد كان بمقدور الإنسان العادي شراء حذاء كل شهرين على الأقل، خاصة تلك المستوردة من الصين إن رغب بذلك، أما اليوم فالمواطن يلجأ إلينا مرتين وثلاث لإصلاح حذائه قبل أن يتم استهلاكه ويقرر مرغماً الاستغناء عنه، وذات الحال ينطبق على الحقائب المدرسية والعادية».

أدوات المهنة

وبيّن "هشام" بالقول: «الإسكافي الذي يعمل في المحل له أدوات عمل لا تتوافر لدى إسكافي الشارع، مثل آلة الخياطة المخصصة لخياطة الأحذية، كما أننا عند تصليحنا للحذاء، نقوم بفكه بالكامل لنصلحه من الداخل ومن الخارج، وليس بوضع غراء ومسامير فقط، وهذه العملية تتطلب إمكانات ولوازم يجب وضعها في الحذاء المراد إصلاحه، وهو ما يرفع تكلفة العمل، إضافة إلى أننا ندفع دورياً تكاليف الضرائب والتأمين بحكم أننا نملك سجلاً تجارياً، أما هم، فلا أحد يحاسبهم، لذا يطلبون المقابل الذي يناسبهم، لأنه في نهاية الشهر لا تنتظرهم مبالغ ملزمين بدفعها مثلنا».

وختم بالقول: «وعن ارتفاع أسعار المواد فقد قلت المواد الأولية، مثل اللاصق الذي كنا نستخدمه في الماضي، أما في الوقت الحالي فلم يعد هناك غير اللاصق الكوري وهو مكلف جداً، ليس هذا فحسب، بل ازدادت تكاليف الشحن كثيراً، وانعدم التصدير، وعدد المحال تضاءل كثيراً، فقد كان في منطقتنا ستة محال؛ أما في الوقت الحالي فأصبح هناك محلان فقط، ولا ننسى دور الكهرباء فالكثير من العمل نقوم بتأجيله بسبب انقطاعها؛ لأن آلة الخياطة تحتاج إلى كهرباء عالية كي تعمل، كل هذه الأمور كانت لها نتائج سلبية على المهنة والحرفة وأدت إلى تراجع كبير فيها من حيث الكمية والمردود والأيدي العاملة بها».

تصادف وجودنا مع السيد "حسن عباس" وهو يقوم بتصليح حذائه قال: «أزور "الإسكافي" عادة لتصليح الحقائب المدرسية والأحذية لي ولأبنائي، لأنني ببساطة غير قادر على شراء البديل كلما تمزقت هذه الحقيبة أو تلك، فبدلاً من دفع آلاف الليرات لشراء حقيبة وحذاء مثلاً أدفع خمسين أو مئة ليرة سورية لإصلاحها وأتدبر أموري بها ريثما أتمكن من شراء الجديد».

ويضيف: «لم يعد الزبائن الذين يرتادون المحل ينتمون إلى طبقة واحدة على الرغم من إقبال الفئة ذات الدخل المتدني أكثر من غيرها للاحتفاظ بالقطعة لأكبر وقت ممكن، فمهنة الإسكافي التي ارتبطت منذ زمن بالصناعات الجلدية تطورت اليوم لتشمل تصليح الحقائب الجلدية والمدرسية بكافة أنواعها».

ويرى طالب في كلية الاقتصاد "محمود عبد الفتاح" أن: «مهنة "الإسكافي" تزدهر في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، وذلك لسد بعض الثغرات التي تواجه الأسر ذات الدخل المحدود والمتوسط، فمهنة الإسكافي تقوم "بإعادة تدوير" القطع القديمة، إضافة إلى ارتفاع أسعار المواد والأحذية الجديدة من جهة، والغلاء الذي يدفع المواطن ثمنه من جهة أخرى لم يتبق لدى المواطن والموظف سوى التفكير بإعادة إصلاح أشيائه القديمة».

وتحدث مصلح الأحذية في "باب الجابية" "محمد مرعي" الحلو بالقول: «لطالما أن الإنسان الذي يمشي على الأرض موجود فلن تتوقف هذه المهنة، فهي ليست مصدراً للثراء، بل هي خدمة تتطلب الكثير من الصبر والثبات، والحرفي الذي لا تتوافر عنده هذه الشروط لا يعمّر طويلاً في المهنة، فهي تمثل مصدر رزقي، وبها فتحت بيتاً وأسست عائلة، أما عدتنا فتتألف من الخيط والإبرة إضافة إلى بعض ماكينات الخياطة وعدد من أنواع المسامير الصغيرة فضلاً عن "الشاكوش، والسندان، والمقص، والشفرة"، وعدد من أنواع اللصق الخاصة بها».