تعد المهن انعكاساً حقيقياً لحال المجتمع، يطفو على الوجه ما يناسب احتياجاته؛ ويندثر تلقائياً كل ما لا يتطلبه الحراك الاقتصادي الناتج عن حاجات الناس، فإصلاح الألبسة لم يكن في السابق كما هو حاله اليوم؛ فقد عاد متأثراً بالظروف المعيشية العامة.

بتاريخ 4 كانون الأول 2014، التقت مدونة وطن "eSyria" السيد "محروس بوبس" - "أبو سليمان"، ليحدثنا عن عمله في تصليح الألبسة قائلاً: «بدأت العمل في تصليح الألبسة منذ حوالي ستين عاماً، وأول قطعة قمت بإصلاحها هي بنطالي الشخصي، إذ قمت بقص الأطراف المهترئة من أسفله، ثم طويته وقمت بخياطته من الخلف باستعمال إبرة صغيرة أخذتها من علبة الخياطة الخاصة بوالدتي واستعملت خيطاً من ذات لون القماش، ثم كويت البنطال فعاد جديداً.

كنت أملك معطفاً من الجوخ السميك، وقد تمزق أثناء عملي بشكل صعب يقال عنه شعبياً "قفل ومفتاح" أي أن العطب الذي أصابه كبير ويحتاج جهداً لإصلاحه، فقام الخياط بإيجاد الحل المناسب لإعادة إحيائه، مستعيناً بقطعة من القماش الإضافي المرفق مع المعطف التي كانت مطوية أسفله، فوضعها عليه من الطرفين الأماميين فغطى المنطقة ونظيرتها إلى أن عادت القطعة صالحة للاستخدام

في ذلك الحين لم أكن أملك ثمن بنطال جديد، إذ كنت حينها طالباً في المدرسة، وبعدها أصبحت أصلح لأهلي وإخوتي كل قطعة ثياب تهترئ أو يصيبها عطب ما فأحببت هذه المصلحة حتى امتهنتها فيما بعد، ولم أرثها عن والدي كما جرت العادة».

محروس بوبس

وعن مراحل إصلاح القطعة حدثنا "بوبس": «عندما تأتيني القطعة التي تحتاج لإصلاح أتفحصها جيداً، من حيث نوع القماش و"الموديل"، وأفكر بطريقة كي أستر العيب الذي طرأ على القطعة، فمثلاً إن كان بنطالاً وتعرض للاهتراء من منطقة الركبة أقوم بوضع قطعة من ذات نوع القماش المستخدم من الجهة الخلفية للبنطال، وأخيطها بخيط من نفس اللون، وتكون الخياطة دقيقة جداً، وإن لم أجد قطعة قماش ملائمة أقوم بوضع قطعة من نوع آخر من القماش فوق المنطقة المهترئة، ولكن في هذه الحالة أضعها على ركبتي البنطال وتكون بذلك تزييناً إضافياً (موديلاً)، وذات الخطوات أتبعها حين يأتيني زبون يصطحب معه قميصاً مهترئ الكوع، وقد استعملت الجلد الأسود لهذه العملية كثيراً، ولا أكتفي بوضعه على المنطقة المهترئة فقط؛ بل أضعه على القبة أو على الجيب لتظهر كما لو أنها حركة فنية حقيقية، أما إذا كانت المنطقة المهترئة هي قبة القميص مثلاً فأقوم بقلبها على الوجه الآخر وأخيطها فيعود القميص جديداً، ولا يقتصر عملي على إصلاح الألبسة فقط بل على كل أنواع الأقمشة».

وعن المردود المالي من هذه المهنة يتابع "بوبس": «لقد كان تصليح الألبسة فيما مضى مقتصراً على العائلات الفقيرة أو ذوي الدخل المحدود، إذ كان بعضهم -رغم رخص الأسعار سابقاً- يعجز عن شراء الألبسة الجديدة دائماً، فيلجأ لإصلاحها و(ترقيعها)، أما الآن فلم تعد هذه العملية حكراً على فئة اجتماعية أو اقتصادية محددة، فالغلاء الفاحش في أسعار الألبسة أجبر الكثيرين على العودة إلى الخياطين لإصلاح ما يمكن إصلاحه واستثمار قطعة الملابس أطول مدة ممكنة، وهذا ما أثر إيجاباً في مستوى الدخل الناتج عن المهنة، ففي ما مضى كان عملي يقتصر على تفصيل الألبسة للزبائن، ولا يدخل ورشتي بقصد الإصلاح سوى زبون أو اثنين خلال الشهر، والآن أعتبر أن مهنتي أصبح اسمها "إعادة إحياء الألبسة" بدلاً من "الخياطة"».

من أسواق الألبسة

كما التقينا السيدة "منار تقي الدين" التي قالت عن إصلاح الألبسة: «كنت أملك معطفاً من الجوخ السميك، وقد تمزق أثناء عملي بشكل صعب يقال عنه شعبياً "قفل ومفتاح" أي أن العطب الذي أصابه كبير ويحتاج جهداً لإصلاحه، فقام الخياط بإيجاد الحل المناسب لإعادة إحيائه، مستعيناً بقطعة من القماش الإضافي المرفق مع المعطف التي كانت مطوية أسفله، فوضعها عليه من الطرفين الأماميين فغطى المنطقة ونظيرتها إلى أن عادت القطعة صالحة للاستخدام».

أما السيدة "إيمان سلق" (أم لخمسة أطفال) فقالت: «بحكم كبر أسرتي أقوم بإحضار الملابس التي أصابها بعض العطب لإصلاحها ولتعود وكأنها جديدة، ولتصغير البنطلونات والقمصان والبدلات المدرسية التي تضيق مع الوقت أصلحها لتصبح مناسبة لأخيه الأصغر، الذي يعطيها بدوره لأخيه الآخر، وهكذا..

وقد لجأت كثيراً إلى تحويل قمصان زوجي من شتوية إلى صيفية، وإزالة المناطق المهترئة تماماً، إضافة لإصلاح الستائر والسترات وإعادة صباغتها وترميمها من جديد».

يذكر أن عمليات الصيانة طالت كل شيء في حياة الإنسان، الأحذية، الأثاث المنزلي والمفروشات كلها كان لها نصيب وافر أيضاً من الإصلاح وإعادة التأهيل، ويأتي ذلك تماشياً مع ظروف المعيشة الضنكة، إلا أنه يعد منهج حياةٍ متكامل يعتمد على استثمار أي منتج إلى آخر حد.