بفكرة فنية تدخل القلوب الصغيرة والكبيرة؛ استطاعت الدمى الشعبية الملونة والمطرزة بمعانٍ من الحياة أن تحيي تراث الآباء والأجداد حتى وصلت أميركا.

مدونة وطن "eSyria" التقت الآنسة "عفاف شيخ البساتنة" المنسقة الإعلامية في "السورية للحرف"، بتاريخ 12 كانون الأول 2014، فحدثتنا عن فكرة الدمى الشعبية قائلة: «الفكرة بسيطة جداً، وتحمل في ذات الوقت معنى عظيماً، أردنا أن نصور الزي الشعبي الذي كان سائداً في مناطقنا كأسلوب فني يدخل جميع البيوت، إذ يتمتع الزي الشعبي برمزية عالية، لما يحتويه من فنون التطريز اليدوي التي توحي بعلاقة الإنسان بوطنه عبر زخارف مستمدة من بيئته، فالزي الشعبي يُعد جزءاً لا يتجزأ من ثقافتنا وتاريخنا؛ فهو بأقمشته وزخارفه أعطى صورة عن أصالة هذه الحضارة المستمرة والمتطورة التي أثرت في العديد من الحضارات، وبذلك نحكي قصة ممتعة، تبرز فيها معالم الأزياء التقليدية التي عرفت بها المحافظات السورية، من خلال تفاصيل الثوب ولونه ونوع القماش والإكسسوار السائد في كل منطقة.

أحببت فكرة الدمى، لأنها نقلت التفرد والتميز الذي تتميز به مناطقنا، ولا جرم، فكرتنا لم تأت من فراغ وإنما قمنا بعدد من الدراسات وعدنا لمراجع تاريخية وسألنا اختصاصيين بالأزياء التقليدية الشعبية، لتظهر الدمى الشعبية بهذا الشكل الفني والدقيق

مثلاً المرأة الدمشقية استخدمت في زينتها الأحجار الكريمة والنقود الذهبية والفضية، والتطريز الموجود على "البدريسة" الرجالية لأهل الريف معروف باسم "شجرة الحياة"؛ الذي يعني القوة والبأس عند الرجال».

الزي الكردي

المعلومة التي نحصل عليها بطريقة مرئية تترسخ في الذاكرة لمدة أطول من تلك المعلومة التي نتلقاها مطبوعة، ومن هنا أتت فكرة إحياء التراث الشعبي وتجسيده على شكل دمى، لأنها الشيء الأقرب كي نجسد زي محافظاتنا، فكرة الدمى بدأت الانتشار من خلال المعارض والبازارات التي شاركت بها برنامج "السورية للحرف" في فندق "Dama Rose" ونادي "الشرق" وفندق "الشيراتون".

كما التقينا السيدة "ميادة رمضان" الخياطة التي شاركت بإنجاز العمل، فحدثتنا قائلة: «مهنتي الأساسية هي الخياطة التي مارستها منذ الصغر وأحببتها جداً، ودربت فتيات عليها في فترة من حياتي، وأنا أشبهها لمهنة الساحر، حيث نستطيع بقطع من القماش وبإبرة وخيط أن نشكل ثوباً جميلاً ونغير شكله كما نريد، ونستفيد من جميع بقايا الأقمشة ونحولها إلى زينة جميلة أو قطع مفيدة من خلال إعادة تشكيلها، أما بدايتي فكانت حين اضطررت لترك بيتي بسبب الظروف الحالية وجدت صعوبة في تكوين زبائن جدد، وسمعت بـ"الأمانة السورية للتنمية"، إذ تقدمت بطلب عمل في "السورية للحرف"، في البداية كنت خائفة جداً لأنني معتادة على نوع معين من العمل كخياطة ثوب أو تصليح شكل معين ولم أعتد العمل على فكرة تنقل تاريخاً عريقاً، وبفضل تشجيع القائمين على العمل تعلمت كيف أطور مهنتي وأهتم بالتفاصيل الدقيقة لأعطي القطعة القيمة التي تستحق، ويصبح لدينا تحفة فنية تحيي العادات والتقاليد في جميع المحافظات السورية بطريقة محببة ودون ملل، وقد تعرفت خلال عملي على التراث المحلي لأغلب المناطق السورية، فمثلاً فتيات مدينة "محردة" يرتدين الملون، أما المتزوجات فيرتدين الأسود فقط، وقد صنعت دمى عديدة تجسد هذا التراث؛ بيعت معظمها لليابان».

فتاة من حوران

وعن صعوبات هذا العمل تتابع "رمضان" بقولها: «العمل ليس سهلاً، بل يجب الانتباه لأدق التفاصيل بدءاً من الشعر حتى أصابع القدمين، فالثوب العادي يتطلب مني ستة أيام عمل، أما دمية واحدة فتأخذ خمسة عشر يوماً لتخرج بهذا الشكل الجميل والدقيق، فالعمل يدوي بحت يعتمد على الإبرة والخيط لكنه ينافس المكنات الصناعية. وبحكم عملي في "التكية السليمانية" لاحظت انبهار السياح بالزي الشعبي، إذ تراهم يلتقطون الصور التذكارية مع المنتجات.

أما طريقة الصنع فتبدأ بعد عملية قص القماش الداخلي للدمية بطريقة تتناسب وشكل الجسم، وذلك من عدة أقمشة متوافرة لدينا، إذ نقوم بحشوه بمادة "الديكرون"، ومن ثم نقوم بتفصيل الثوب الخارجي للدمية مع كامل إكسسواراته وتفاصيله الدقيقة، مثلاً غطاء الرأس الحلبي يكون مشغولاً بصنارة مفردة، فننقله بدقة ونهتم بطريقة وضعه على الرأس لأنهم كانوا يتباهون باللباس وغطاء الرأس.

عفاف شيخ البساتنة

سألنا العم "أبو فراس؛ إبراهيم الأيوبي" أهم الحرفيين الماهرين بالأعمال اليدوية، فأخبرنا أن عمل السيدة "رمضان" مميز جداً، لأنها تعنى بأدق التفاصيل الدقيقة للدمى الشعبية وللأزياء السورية، وهناك خبراء للأزياء التقليدية أبدوا إعجابهم بالعمل، فإبداعها وإخلاصها للعمل أعطى للدمى روح الحياة».

المهندس "عارف فريد" المنسق الإداري في برنامج "السورية للحرف" حدثنا قائلاً: «أحببت فكرة الدمى، لأنها نقلت التفرد والتميز الذي تتميز به مناطقنا، ولا جرم، فكرتنا لم تأت من فراغ وإنما قمنا بعدد من الدراسات وعدنا لمراجع تاريخية وسألنا اختصاصيين بالأزياء التقليدية الشعبية، لتظهر الدمى الشعبية بهذا الشكل الفني والدقيق».

الأزياء الشعبية صورتنا للعالم، مهما اختلفت الألوان والأشكال، إنها تروي قصة حضارتنا وعلاقتنا بالأرض والهوية.