هي أقدم كساء للشتاء عرفه الناس، لا يزال البدو وبعض الريفيين يستخدمونها حتى يومنا هذا، "الفروة" غابت؛ بعد أن سيطر الجلد على أيام الناس الباردة، لكنها عادت كلباس يتباهى به الأثرياء وكسجادات فخمة يفرشونها في بيوتهم، هي الآن "آخر موضة" كما يقول صانعوها، هي في "دمشق" مهنة يتوارثها الأبناء عن الآباء ومن يعملون بها يسمّون "الفرواتية".

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 22 أيلول 2014، "عادل توفيق الفرواتي" أحد حرفيي المهنة الذي قال: «منذ القديم اشتهرت "دمشق" بهذه الحرفة وانتشر حرفيوها في سوق "السنانية"، وسوق "حمام القيشاني" وذلك منذ مئة عام تقريباً، فقد كانت الجلود تجلب من مربي الأغنام، وتنظف، ويتم تحضيرها بشكل كامل، حيث يتم أخذ جلد الخروف، ويصنع منه عباءات للرعيان أو يستعمله أبناء المدن للدفء في البيوت القديمة، وكان ذلك قبل ظهور الجلد الصناعي الذي نافس الجلد الطبيعي».

منذ القديم اشتهرت "دمشق" بهذه الحرفة وانتشر حرفيوها في سوق "السنانية"، وسوق "حمام القيشاني" وذلك منذ مئة عام تقريباً، فقد كانت الجلود تجلب من مربي الأغنام، وتنظف، ويتم تحضيرها بشكل كامل، حيث يتم أخذ جلد الخروف، ويصنع منه عباءات للرعيان أو يستعمله أبناء المدن للدفء في البيوت القديمة، وكان ذلك قبل ظهور الجلد الصناعي الذي نافس الجلد الطبيعي

ويضيف حول طريقة صنع هذه المادة بالقول: «نصنع "الفروات" من جلود الخروف، إذ نشتريه من بائعي اللحم والرعيان، وقد دخل الفرو في قطاع الألبسة حيث كان محصوراً في صناعة العباءات فقط، ودخل في صناعة "المدات" الأرضية، فهنالك مدات من فراء طبيعي أو صناعي وهي الآن "آخر موضة"، حيث إنها نافست البسط والسجاد، فالكثير من البيوت الفاخرة تعتمد في ديكوراتها على "مدات" الفرو الطبيعي لأنها تعطي جمالية وفخامة، وهي بأشكال متنوعة، كما أن الفراء دخل أيضاً إلى عالم الجلديات كالأحذية والجزادين، واليوم نجد أشهر ماركات الأحذية والجزادين تدخِل في صناعتها الفراء الطبيعي، فهو يمنح قطعة الثياب جمالية، وهناك أيضاً من يضعها في السيارة على المقاعد حيث تعطي منظراً جميلاً وتدفئ الجالس في السيارة، ويخضع جلد الخروف لعدة مراحل، وجميعها يدوية، حتى يصبح جاهزاً للحياكة والاستخدام، وحتى مرحلة الحياكة يدوية أيضاً رغم وجود المكنات الآلية، لكن البضاعة التي تنتج يدوياً تحتفظ بقيمة معنوية كبيرة وتبقى هي الأفضل، فبعد حصولنا على الجلد نقوم بتمليحه وتنظيفه وتيبيسه ونتركه لحوالي شهر، ثم تأتي مرحلة الغسيل، فنقوم بنقعه بالماء حتى يتحول إلى اللون الأبيض باستخدام "الملح" ومادة "الشبة"، ونخمره ليومين ثم ننشره تحت أشعة الشمس عشرة أيام للراحة، قبل أن نأتي به لمرحلة البشر، التي تستمر أسبوعاً، يصبح بعده جاهزاً للتفصيل والتحويل لـ"فروات"، أو موديلات أخرى».

الزبائن يرتدون الفروة

ويتابع حديثه بالقول: «يستخدم أصحاب المهنة عدداً من الجلود للحصول على "فروة" واحدة، فمنها ما يحتاج إلى عشرين قطعة جلد خروف، أو أقل أو أكثر حسب نوعية الفروة والجلد، فهناك جلود لخراف كبيرة هرمة أو لأغنام، ولكن أفضلها وأثمنها هو جلد الخراف الصغيرة الوردية، وبعد الانتهاء من كل المراحل أعلاه تحتاج "الفروة" الواحدة لتصبح جاهزة للبيع يوماً واحداً أو يومين، حسب مهارة وخبرة الحرفي، وتباع الفروات حسب أنواعها والجلود المستخدمة فيها، حيث هناك جلد "ملص" صغير ومنه ثلاثة أنواع أيضاً، وهناك جلود تجارية مثل جلد أنثى الغنم، وفي السنوات الأخيرة تعرضت الحرفة لمزاحمة المنتجات الصناعية، من "فروات" مصنعة آلياً وبفرو صناعي، لكن مصلحتنا لم تتأثر بهذا الوضع الجديد، بل بقينا نعمل بشكل جيد، والسبب وراء ذلك يعود لوجود أسواق تصدير "للفروات" السورية الطبيعية إلى الخارج، وخاصة إلى بلدان الخليج العربي، والسبب الآخر هو حرص الكثيرين من الرجال خاصة في الأحياء الشعبية في المدن السورية، والوجهاء، وسكان البادية على ارتداء "الفروات" الطبيعية، لكونها مرتفعة الثمن وتدفئ بشكل ممتاز في فصل الشتاء، وهذان السببان أنقذا مهنة "الفرواتية" من الانقراض، ومن اندثارها في السوق، كما تدر هذه المهنة على من يعمل بها ربحاً جيداً يتناسب وصعوبتها؛ والوقت الذي تحتاج، وتحتفظ بزبائنها المعروفين، سواء داخل أو خارج "سورية"، فيصل سعر "الفروة الواحدة" في بعض الأحيان (حسب الطلب) إلى 25 ألف ليرة سورية، وكلما ارتفع ثمن الفروة كلما كانت تدفئ أكثر وتعيش أكثر، وتعد فترة الانقلاب الشتوي بداية الموسم الحقيقية، إذ ترى الناس يتهافتون على شراء "الفروات" تجنباً لبرد الشتاء».

الباحث في التقاليد الشعبية "محمد خير رمضان" يقول: «للفروات تسميات محلية متنوعة، منها: "الدشداشة"، و"النصية"، ويطلق على العاملين في هذه الحرفة بـ"الفرواتية"، وهي حرفة امتهنها الدمشقيون منذ مئة عام تقريباً، وأصلها من البادية السورية، والمناطق الصحراوية التي تجاور "دمشق"، وهناك روايات كثيرة عن مهنة

الفروة الرجالية

"الفرواتي" كصناعة، وكيفية تأصلها وتوارثها عبر الأجيال والحضارات، ولعل أبرز هذه الروايات هي أن ولادتها كانت في مجتمع بلاد الشام، وتحديداً في مدينة "الخليل"، قبل ما يزيد على 250 عاماً، ومن ثم انتقلت إلى "دمشق" وأصبحت صناعة، وكان طابع البداوة هو الطابع المسيطر عليها، فكان الطلب حينئذ عليها كبيراً ومرتفعاً، وكانت النسوة يصنعنها في البيوت».

الفروة النسائية بتشكيلاتها