اشتهر الدمشقيون به منذ مئات السنين، هو مرغوب في الكثير من الدول لأنه لين على الجسم ومصنوع من الخيوط الحريرية والقطنية، رغم أن الكثيرين من التجار قلدوه وأدخلوا فيه خيط البوليستر، إلا أنه ما زال مطلوباً، والإقبال عليه جيدٌ رغم ارتفاع سعره، ظل إلى وقت قريب الزي الرسمي للرجل الدمشقي.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 22 آب 2014، "عزت النقطة" صاحب محل في سوق "الحريقة"، فتحدث عن طريقة صناعته بالقول: «ورثت عن أبي هذه الورشة منذ 60 عاماً، وتعلمت خياطة "الصايا"؛ فهي فن صعب ويحتاج مخيلة هندسية ودقة في العمل، ويصنع من الحرير والقطن، وكان قديماً بلونين فقط، ويصنع من خلال "سدي القطن"، و"الحدف" من الحرير النباتي "لحاء الأشجار"، ويفصل منه "القنباز"، و"الجلابيات" للرجال، وكذلك "الجواكيت"، وبعد غسله، يرق النسيج مباشرة فيصير أكثر طراوة، وهو نسيج يتميز بجودته ومتانته وألوانه الزاهية ووجود نقوش وزخارف عليه، وحرص البعض على تزيينه بالنقوش والزخارف بطريقة يدوية، لكن مع دخول الآلة حصل تحول في تحضير النقوش، لأن هذه الآلة لم تستطع تصميم جميع نقوش "الصايا" المعروفة، وبالتالي لا بد من وجود النول اليدوي لإنتاج "الصايا" بهذه النقوش».

تعد "الصايا" صناعة دمشقية بحتة منذ مئات السنين، إذ كانت الزي المفضل لشيوخ ووجهاء العشائر، إضافة إلى رجال الدين، واشتهرت مدينتا "دمشق" و"حلب" بصناعتها ثم انتقلت إلى المحافظات السورية، ومنها إلى أصقاع العالم

ويتحدث "النقطة" عن تاريخ "الصايا" بالقول: «الإنتاج الآلي تراجع في "دمشق" في الستينيات والسبعينيات، فانتقلت الريادة في نهاية السبعينيات إلى مدينة "حلب"، لكن في نهاية الثمانينيات عادت صناعته إلى "دمشق"، وما زالت صناعته قائمة في "حلب"، ولكن ما قام به "الدمشقيون" هو تحويل "الصايا" من نسيج خاص بالرجال إلى نسيج يمكن استخدامه في أزياء النساء، عبر تحويله إلى "جلابيات" نسائية، وعندما لمسنا إقبال النساء عليه، طلبنا من المصنعين "الحلبيين" تغيير نوع النقوش بما يتلاءم مع أزياء النساء، مع تصنيعها على شكل بكرات كبيرة، وكذلك استخدام الألوان بشكل واضح، كما ترغب فيه النساء، ذلك أن الألوان الخاصة بالرجال كانت تقليدية، كاللون الأزرق والكحلي والأخضر، بينما صار للنساء مزيج من الألوان الزاهية، كما جرى ابتكار نقوشاً جديدة، وإنهاض النقوش القديمة التي تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر، كما أضيف إليه القصب ليعطيه صفات جمالية أكبر، كما صنعنا منه شكلاً جديداً وبمساحات مختلفة عما كان عليه يدوياً، إذ أصبح على شكل قطع، بمساحة لا تتجاوز الخمسة أمتار، فيكون جاهزاً للتفصيل من قبل الخياطين».

قماش "الصايا"

ويضيف: «لقد ازداد الطلب خلال السنوات العشر الأخيرة على"الصايا"، فلم نعد نبيع من نسيج الجلابيات النسائية والرجالية سواه، حيث تفرَّد بالسوق من حيث كمية الطلب، على الرغم من غلاء سعره؛ إلا أن تجارته مربحة جداً، فعلى سبيل المثال يتوسط سعر "الجلابية" حوالي 5000 ليرة سورية حسب النوعية، ويتوسط سعر المتر حوالي 700 ليرة سورية، وعلى الرغم من إدخال بعض الحرفيين "البوليستر" الصناعي إلى "الصايا"، بدلاً من الحرير النباتي، حيث خفضوا سعره في السوق، لكنهم لم ينجحوا في أن يتخلى كثيرون عن شراء "الصايا" الأصلية الطبيعية، حيث نرى الإقبال الكبير على النسيج الطبيعي ولكل الأعمار من النساء والرجال والأطفال، وقد ساهمت المسلسلات الشامية القديمة في الترويج لهذا المنتج، فنراه اليوم يعتلي لائحة الصناعات المصدَّرة إلى الخارج، وخاصةً "دول الخليج العربي" ولبنان، حيث الإقبال عليه يكون مرتفعاً للغاية نظراً لرطوبته على الجسم البشري وألوانه الزاهية، وكل هذا يعود بالنفع على كل العاملين في هذه الصناعة، إذ يوفر العائد المادي للعاملين في صناعة وتجارة "الصايا" عائداً مادياً جيداً يساهم في تثبيتهم واستمرارهم في المهنة».

ويختتم حديثه بالقول: «طورنا استعمالات "الصايا"، فصنعنا منه أغطية لطاولات السفرة، بألوان بسيطة كـ"السكري" والأبيض، وبخطوط عريضة، وسماكة أكبر وأعرض من "الصايا" العادية، وبتسميات خاصة مثل "البلورية"، وكل نقشة مستخدمة فيه مصممة لتعطي المعنى الحقيقي لاسمها، منها مثلاً: نقشة "الناعورة"، نسبة لنواعير "حماة"، وكانت تصنع من لون واحد، لكنها مع التطور صارت تصمم من مجموعة من الألوان الزاهية، وهناك أيضاً نقشة "المزيكة"، حيث تتداخل الألوان مع التغطيس بالصبغ اليدوي، وحسب عدد الألوان مع مبدأ التربيط، حتى تخرج القطعة كأنها لوحة فنية، وهذه لا تنجز إلا بالنول اليدوي، فهي تحتاج جهداً كبيراً من قبل الحرفي، وإبداعاً لا يمكن للآلة تصنيعه، ذلك عدا النقوش التي يبتكرها الحرفيون من مخيلتهم».

أغطية الطاولات من قماش "الصايا"

ويقول الباحث "محمد خالد رمضان": «تعد "الصايا" صناعة دمشقية بحتة منذ مئات السنين، إذ كانت الزي المفضل لشيوخ ووجهاء العشائر، إضافة إلى رجال الدين، واشتهرت مدينتا "دمشق" و"حلب" بصناعتها ثم انتقلت إلى المحافظات السورية، ومنها إلى أصقاع العالم».