ارتبط اسمه بمدينة "دمشق"، وازدهرت صناعته إلى أن وصلت إلى جميع بلدان العالم، واشتهر به الدمشقيون فابتكروا أنواعاً منه حتى أصبح كنزاً أثرياً مرتبطاً بهوية "دمشق".

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 26 تموز 2014، السيد "وائل مارديني"، وهو صاحب مصنع "بروكار"، فحدثنا عن هذه الصناعة قائلاً: «تعد صناعة الحرير الطبيعي اليدوي كنزاً أثرياً، فهي إحدى أهم صور التراث الطبيعي المحلي التي اشتهرت به "دمشق" كشهرتها في الكثير من الصناعات العريقة، ورغم تراجع عدد المشتغلين بالحرير الطبيعي على مر السنوات؛ إلا أن هذه الحالة التراثية عموماً توثق تاريخاً يمتد في قدمه وعراقته مئات السنين، والحرير يبقى أجمل وأثمن الخيوط رغم جميع الاكتشافات».

تعد صناعة الحرير الطبيعي اليدوي كنزاً أثرياً، فهي إحدى أهم صور التراث الطبيعي المحلي التي اشتهرت به "دمشق" كشهرتها في الكثير من الصناعات العريقة، ورغم تراجع عدد المشتغلين بالحرير الطبيعي على مر السنوات؛ إلا أن هذه الحالة التراثية عموماً توثق تاريخاً يمتد في قدمه وعراقته مئات السنين، والحرير يبقى أجمل وأثمن الخيوط رغم جميع الاكتشافات

وعن مراحل تصنيع خيط الحرير يتابع "مارديني": «يأخذ التاجر شلل الحرير الخام ويبعث بها إلى "الفتال" الذي يقوم بِكَرِ الشلل خيوطاً على بكرات خشبية، ثم تؤخذ هذه البكرات للزوي، وهي عملية تجمع الخيوط من بكرتين أو أكثر على بكرة واحدة، أي إن الخيط بعد عملية الزوي يصبح ثنائياً أو ثلاثياً أو رباعياً، ثم تبرم هذه الخيوط المزوية على آلة البرم أو الفتل، لتصبح على هيئة خيط واحد مبروم وقوي؛ ما يمتن خيط الحرير، وتبرم عادة خيوط "السدى" حوالي 400 أو 500 برمة، أما خيوط "الحدف" أو "اللحمة" فتبرم أقل من 250 برمة، ثم يتم أخذها إلى "المسدي"؛ وهو الشخص المسؤول عن تحضير الخيوط الطولانية للقماش، وتؤخذ الشلل إلى الصباغ الذي يقوم بعملية "القصارة" التي تعني معالجة الحرير الخام بوضعه في حوض ماء يغلي مضيفاً إليه الصابون والصودا، ويبقى الحرير في هذا الحوض لمدة ساعتين أو أكثر، ثم يغسل بماء عادي ويعصر، وتصبح بعد ذلك شلل الحرير أكثر بياضاً ولمعاناً، إذ تزول عنه المادة الصمغية، ويفقد الحرير الطبيعي بعد هذه العملية حوالي 25% من وزنه».

أنواع الحرير

ويضيف: «نأخذ شقة الحرير الطبيعي التي ستصبح خيوطاً للسدى من الصباغ، ونقوم بتغطيسها بالنشاء المحلول في الماء والمضاف إليه الصمغ المأخوذ من أشجار اللوزيات، وهنا في "دمشق" نضيف سكر نبات والغراء للحرير الطبيعي؛ حيث تستمر عملية التغطيس حوالي 5 دقائق فقط في هذه المواد، ثم تعصر شقة الحرير، بعد ذلك يقوم "المزيك" بلف الشقة على الملف الخشبي على شكل كرة متطاولة، في الصباح الباكر، أي في الثالثة صباحاً، يذهب "المزيك" بصحبة كراته الحريرية إلى منطقة بعيدة عن الأبنية السكنية وفيها مكان فسيح، وجدار طويل، يغرس في هذا الجدار أخشاباً تسمى "تعاليق"، وذلك بشكل يتعامد مع الجدار، أي بطول حوالي 60 متراً، ويكرر هذه العملية ذهاباً وإياباً حتى ينشر كل الخيوط الملفوفة على الملف، ثم يبدأ ما نسميه عملية "البز" وهي إبعاد الخيوط بعضها عن بعض بأصابعه، كي لا تلتصق نتيجة عملية التغطيس أو التخشين».

ويختتم حديثه بالقول: «كانت "دمشق" في عام 1860 أكبر مركز لإنتاج الحرير والإتجار به في العالم، واستطاعت هذه الصناعة أن تلبي حاجات الأسواق، وترضي الأذواق المعاصرة في الأزياء والديكور والمفروشات، وقد كان الحرير من العوامل المهمة التي يرتكز عليها اقتصاد البلاد سابقاً، وكان من يعمل في صناعة الحرير من أغنياء "دمشق"، يلقب بـ"الباشا" بسبب عمله بالحرير، وبسبب الربح الكبير الذي كانت تحققه هذه الصناعة، والعائد المادي المجزي، أما اليوم فتعاني هذه الصناعة من قلة الاستهلاك بسبب ارتفاع أجور الأيدي العاملة، وارتفاع أسعار الأقمشة الحريرية التي تتراوح بين 1000 و3000 ليرة للمتر الواحد، إضافة إلى عدم إقبال الناس على شراء أقمشة الحرير واقتصار استهلاكها على السياح ودخول الآلة، إضافة إلى أن العمل على "النول" اليدوي لم يعد مربحاً، حيث نصنع في اليوم الواحد بعض القطع اليدوية حيث لا يتجاوز ما ننتجه 25سم مربعاً إلى نصف متر وبلون واحد؛ وللعرض فقط، وللأسف أيضاً فإن بعض من يمتلكون المال أصبحوا يشترون "البروكار"، ويضاربون به في الأسواق أو يغشونه بالحرير "البوليستر"، ثم يبيعونه على أنه "بروكار" وبسعر 1200 ليرة للمتر الواحد، فيما يبلغ سعره لدينا 2000 ليرة».

منتجات حريرية

بدوره يقول "محمد صواف" أحد العاملين في الحرير: «بدأت مع هذه الصناعة التراثية عندما كنت أحمل بكرات الحرير لوالدي وأذهب معه إلى القرى المجاورة لتخريج خيوط الحرير من دودة القز، والعمل منذ ذلك الزمان وإلى يومنا هذا كان يقوم على الطريقة ذاتها بدءاً من تربية دودة القز والاعتناء بها، من ناحية حمايتها من الحشرات والطيور والقوارض والحرارة العالية أو البرودة الشديدة، وغيرها من العوامل التي تؤثر في حياتها أو إنتاجها، وانتهاءً بإنتاج البيض الذي يتحول إلى يرقات ثم ديدان تنتج الحرير الطبيعي، ومازلنا نعتني بهذه الديدان داخل بيوت طينية أو داخل المنزل الذي يمتاز بحرارته المعتدلة، وقديماً كان مشروع إنتاج الحرير من الأنشطة الاقتصادية الزراعية الصناعية التي تحقق عائداً مجزياً لبعض العائلات السورية الريفية».

بدورها "عزيزة وهبي" إحدى العاملات في صناعة الحرير تقول: «عملت في تطريز الحرير منذ سنين، وقد قمت بتعليم بناتي التطريز بالحرير عبر لفه على بكرات وتطريز جوانبه بنفس طريقة شغل السنارة اليدوية، وكانت الأم والجدة تقوم بحياكة المناديل الحريرية وتقدمها هدية قيمة لابنتها أو لعروس ابنها، وكأنها تقوم بإلباسها قطعة ذهبية كما في العرف الحالي السائد في بلادنا، كما تعد هدية الشالات والمناديل والقمصان الحريرية إحدى أهم الهدايا وأكثرها قيمة في العديد من المناسبات، وعموماً تهتم النساء والصبايا حالياً رغم تنوع الأقمشة باقتناء المشغولات الحريرية؛ ولا سيما الشالات لمعرفتهن بقيمة هذا المنتج التراثي، ولأن عمر أية قطعة حريرية قد يمتد لأكثر من عشرين عاماً».