كل منا يسمع بين الحين والآخر مقولة " الحاجة أم الاختراع"، وهي ملاحظة تؤكدها التغيرات في الحياة العملية ، وتسري هذه المقولة على التطور والتغيير في المحاسبة بصورة عامة وعلى نشوء معايير المحاسبة الدولية بصورة خاصة ، إذ يمكن – باختصار شديد – إرجاع نشوئها إلى احتياجات عصر العولمة : عولمة الاقتصاد وخصوصا عولمة أسواق المال، هذه الأسواق التي امتدت لتشمل كافة بلدان العالم ولم تعترف بالحدود وأخذت طابع العالمية ونشرت استثماراتها في جميع الدول، ولكنها وقفت أمام عائق وحيد هو توحيد نظم المحاسبة العالمية الذي أضحى حاجة يجب الاعتراف بضرورتها، وسورية لن تعتبر بعد اليوم خارج هذه الخارطة بل كانت محط أنظار هذه الخارطة ولابد من أن تغير نظمها لتتوافق مع العالمية في ظل انفتاح اقتصادها على الاستثمارات الأجنبية .

ضمن الفعاليات العلمية لجمعية المحاسبين القانونيين السوريين ألقى المحاسب القانوني الأستاذ الدكتور مأمون حمدان محاضرة في المركز الثقافي عن تطبيق معايير المحاسبة الدولية في سورية.

بدأ الدكتور حمدان محاضرته بلمحة عن نشوء المحاسبة وتطورها ومرافقتها لتطور الحضارة فهي نظام للقياس والمعلومات، والحاجة إلى هذه المعلومات دفعت البشرية لتطوير هذا العلم، مع العلم بأن المحاسبة هي السبب في اختراع الكتابة وذلك لتسجيل الأحداث الاقتصادية وأقدم لوح مكتوب اكتشف في سوريا وكان عبارة عن علاقات اقتصادية.

الدكتور مأمون حمدان

ثم انتقل ليصنف تطورها من خلال علاقتها بالنظم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلى مداخل مبتدئا بالمدخل الضريبي الذي نشأ في أوربا لتأمين الموارد الضريبة عن طريق وجود نظام محاسبي يمثل فيه الربح أساسا لاحتساب الضريبة.

وانتقل لمدخل التخطيط المركزي الشامل(الاشتراكي الذي تدخل لوضع المصطلحات الاقتصادية) ثم مدخل المستثمر الذي انطلق من حرية المستثمر وتقيده بتعليمات البورصة وهذا النموذج الأنغلوساكسوني هو النموذج المتقدم الذي لم يعتمد على القانون والإلزام بل اعتمد على المنظمات المهنية لوضع معاييره.

جانب من الحضور

وقال حمدان أن هذا التباين في النظم العالمية أدى لاختلاف الممارسات المحاسبية بين مختلف دول العالم وظهرت مشاكل محاسبية مثل التباين في تحقيق الإيراد وكذلك في تحميل النفقات وامتد ذلك ليشمل تباينا في المصطلحات وأشكال القوائم المالية التي ميزت دولة عن أخرى فضلا عن تباين أسس القياس التي كانت من المفترض أن تقرب القياس المحاسبي من العدالة وأفرزت تجارب عديدة لها كالكاب )GAAP( الأمريكي ، وحتى أنه كان هناك تباين حتى في توحيد القوائم المالية التي فتحت في صياغة ما يسمى معايير الدولية وأن هذه المشكلة شملت العلم كله.

وطرح حمدان أمثلة عن المنظمات الدولية التي اهتمت بوضع هذه المعايير كالاتحاد الدولي للمحاسبين (IFAC) ومجلس المعايير الدولية (IASB) .

وانتقل الدكتور بعدها لمحور أخر هو تطبيق المعايير الدولية على مستوى العالم وبين أن العولمة وما حملته من تبسيط القواعد والإصلاحات السوقية دفعت لإيجاد نقطة تقاطع وتلاقي في المعايير المعمول بها لإعداد التقارير المالية وقال يرى البعض أن السبب الرئيسي وراء الضغوط الدولية لتبني تلك المعايير هو نمو حركة الاستثمارات المالية عبر دول مختلفة وذلك لحماية تلك الاستثمارات وأخيرا اتفقوا لتتوافق المعايير المحلية مع العالمية واختلفت مساهمات المجالس الوطنية في صناعة المعايير الدولية فهناك دول شاركت فعليا بالصياغة وأخرى لها حق التصويت عليها ودول ليس لها مقعد ولا تشارك وأخرى تبدي رأيها وبقية الدول تلزم شركاتها بالمعيار بما يلاءم أوضاعها السياسية والاقتصادية.

وجمل حمدان المشاكل التي وقفت أما تطبيق المعايير وهي مشاكل الترجمة إلى اللغة الوطنية دون أن تفقد مضمونها الأصلي وعدم ملائمة نصوص المعايير للظروف المحلية فضلا أن بعض النصوص يكون بصورة عامة وتترك التفاصيل للدول.

وعرض بعدها بعض التجارب الدولية للتوافق مع المعايير الدولية مثل الدنمرك واستراليا ونيوزيلندا والمملكة المتحدة التي تحتضن بلادها مقر الهيئة الدولية للمعايير الدولية وأن أول رئيس للهيئة كان بريطانيا ، ومع أن الهيئة في بلادها إلا أنها تعاني أيضا من مشاكل التوفيق بين المعايير المحلية والدولية.

وفي نهاية المحاضرة طرح حمدان ضرورة تطبيق معايير المحاسبة الدولية في سورية وذلك للتطور الاقتصادي الذي تعيشه وتشجيع الاستثمارات ولاسيما الدولية فيها ، وحاجة شركات النفط المحلية إلى التعامل مع الشركات الأجنبية فضلا عن تطور الشركات المسامة وسعيها لاستقطاب المساهمين للاكتتاب بأسهمها ، وتوسع المناطق الحرة السورية ، وضرورة الوصول لقوائم مالية للدخل والمركز المالي والتدفقات النقدية، إضافة للحاجة أن تكون يكون إجراء التحليل المالي في الشركات سهلا.

و أوضح متطلبات تطبيق تلك المعايير والتي تتلخص في التأهيل العلمي والعملي والتطوير الدائم في الأنظمة والقوانين، مع مراعاة دور جمعية المحاسبين القانونيين في سورية و المترافق مع دور الشركات والإعلام.