تخصّص الفنان "رامي وقاف" بالنحت مستخدماً معدن البرونز، الذي يعدُّه معدناً ثميناً، جميلاً، ونادراً، يتميز عن غيره من المواد النحتية بأنه قابل للتغيير والتعديل بالتشكيل، وقد تمكّن "وقاف" من إنجاز أعمال إبداعية هامة وتصميم جوائز محلية عدة.

كان يتعامل من دون قصد مع الورقة البيضاء على أنها طين، والقلم على أنه إزميل، تركت زياراته المتكررة وهو طفل لمدينة تدمر أثراً في تشكيل ذاكرته البصرية من خلال ما تحتويه المدينة الأثرية من عمران وتماثيل وزخارف، كما أن تنقله بين المحافظات بحكم طبيعة عمل والده أسهم أيضاً في إغناء مخيلته الإبداعية.

تتنوع موضوعات النحات "رامي" بين استحضار التاريخ في بعضها والرومانسية في بعضها الآخر، بالإضافة إلى الأعمال التزينية، هو فنان مجتهد، جريء، وله طريقته الخاصة في التعبير

في حديثه لمدوّنة وطن يروي النحات "رامي وقاف" بداية تعلمه مهنة النحت وسبب اختياره لمعدن البرونز فيقول: «في بداية عملي بالنحت تعلمت لدى نحات يعمل بالبرونز فأحببت هذه المادة، وتخصصت بها في عام 1997، ورغم أنّ كثيراً من الأشخاص يعدّون هذا المعدن قاسياً، إلا أنه برأيي حنون، طري، يتشكل بالحرارة التي تعطيه الألوان المحببة والانسيابية المطلوبة، كما أنه معدن ثمين، جميل ونادر يتميز عن المواد النحتية الأخرى بأنه قابل للتغيير والتعديل بالتشكيل والقوام والكتلة مع المحيط بعد انتهاء المنحوتة عن طريق الحرارة ليخرج بصورة مرضية، كل ذلك زاد عشقي له، وأعتقد أن الاختصاص بالنسبة للنحات جيد ويجعله يحفظ كل سلبياته وإيجابياته».

المرأة في منحوتاته

ويضيف: إنّ أولى مراحل عمل المنحوتة تبدأ بالفكرة التي قد يلتقطها عند قراءة موضوع ما، أو رؤية مشهد معين في الشارع، أو تلك التي تولد عند التأمل، وكلُّ فكرة مؤثرة يمكن تحويلها لعمل نحتي، وأنجح الأعمال النحتية هي المستوحاة من أفكار مؤثرة، ثم تأتي مرحلة رسم الفكرة وتنفيذها بالطين وسكب القالب وتحويله للبرونز ثم التعتيق وبرأيه إن المرحلة الأخيرة هي الأهم لكونها تعتمد على الخبرة المتراكمة والأهم في العمل، وكلما تمكن النحات من إخراجه بشكل لائق، كلما وصل للمشاهد بطريقة أسرع".

شارك "وقاف" في العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل وخارج "سورية"، منها معرض في "بيروت" بمناسبة عيد "المرأة" في قصر "اليونيسكو"، الذي أقيم عام 2009، وآخر في "لندن" شارك فيه مع شركة "غبريل فاين آرتس" التي وقع معها عقداً لتوزيع أعماله في عموم "المملكة المتحدة" وتولت مشاركة أعماله في أكثر من معرض بـ"لندن" و"تشيلسي"، إضافة إلى معارض أخرى في "أبو ظبي"، "الكويت"، وأهم تلك المعارض بالنسبة له ذلك الذي أقيم عام 2016 في صالة "ألف نون"، وتضمن أربعة وثلاثين عملاً نحتياً، وحقق نجاحاً على المستوى الجماهيري والرسمي.

من معارضه

النحات الحاصل على الجائزة الأولى في مهرجان "دمشق" للثقافة والتراث عام 2005 في مسابقة تصميم أفضل درع، أصبح بعد هذه الجائزة معنياً أكثر بتصميم الجوائز فصمم ونفذ جائزة مهرجان "دمشق" السينمائي الدولي التي اعتمدت منذ عام 2007 حتى 2011 من قبل وزارة "الثقافة" والمؤسسة العامة للسينما، كما صمم ونفذ جائزة مهرجان "سينما الشباب" الذي بدأ منذ أربع سنوات وحتى اليوم، ونفذ قبل الحرب تصميم جائزة "أدونيا" للدراما السورية، إضافةً إلى تصميمه جائزة لمهرجان "فرانكوفولي" في "الكويت"، وغيرها.

تتلخص رسالته الإنسانية كما يقول في محاولته التعبير: «من خلال المنحوتة عما يدور بداخلي وما أفكر به، فالأعمال النحتية عبارة عن مرآة لفكر الفنان وهو بحد ذاته مرآة لمجتمعه، وبالتالي أعمالي جزء من المجتمع من حالات إنسانية، مشاعر، وأفكار واقعية، أحب التجريد وتشخيص الأفكار المجردة من خلال النحت، وهذا أحد أساليب الأعمال التي أقوم بها، ولهذا فقد أثرت الأزمة في منحوتاتي، فظهرت الأفكار الحزينة من خلال التماثيل ومنها عمل حول سقوط قذيفة الهاون وكيف تطاير الناس إلى أشلاء، وشخص آخر ينظر لذكرياته في الماضي، كيف كان وكيف أصبح في الحرب، كل تلك الأفكار التي راودتنا أثناء الحرب وخرجت من خلال أعمال متنوعة بعضها مؤلم نتيجة الواقع الذي عشناه».

منحوته بمادتي البرونز والخشب

وعن مكانة المرأة في منحوتاته يشير إلى أنها: «المحرض الأول في الحياة للفنان، وأنا لدي الكثير من الأعمال حولها، أثناء عزفها، حركتها، جلوسها، تأملها، انتظارها، وأغلب أعمالي تجسدها المرأة لأنّ جمالها يصوّر جمال الحالة واللحظة التي التقطها حتى عندما تعبر عن الحزن، وأكثر مشهد جميل يعبر عن اللحظات الحزينة والمفرحة هو المرأة».

الفنان التشكيلي "بديع جحجاح" يتحدث لمدوّنة وطن عن علاقته بالنحات "وقاف": «تعرفت إلى الفنان "رامي" من خلال معرض أقيم عام 2007 في صالة "السيد" للفنون التشكيلية، اقتنيت منه عملاً حينذاك، ثم استضفته في معرض مع الأستاذ "نبيل السمان" في صالة "ألف نون" بعنوان "جدل ثنائي"، ما يميز أعماله البساطة وعدم التعقيد، كما أنها تتميز بصنعة ممتازة، تتنوع بين مادتين لأن لديه القدرة على الدمج بين البرونز والخشب والتحكم بهما بشكل جيد جداً».

ويتابع "جحجاح" : «تتنوع موضوعات النحات "رامي" بين استحضار التاريخ في بعضها والرومانسية في بعضها الآخر، بالإضافة إلى الأعمال التزينية، هو فنان مجتهد، جريء، وله طريقته الخاصة في التعبير».

يذكر أنّ النحات "رامي وقاف" من مواليد عام 1975 في مدينة "القامشلي"، حاصل على إجازة في الأدب العربي جامعة "دمشق"، واللقاء أجري بتاريخ 21 شباط 2021.