عشق "دمشق" وجسد تفاصيلها في لوحات توثيقية، إضافةً إلى رسمه للطبيعة التي تعجّ بالحياة، كان له أثره في مرحلة تكوّن الفن التشكيلي السوري، وعبّر بخطوطه وألوانه عن ارتباطه بالمدينة التي سكنت مكنوناته منذ الطفولة، واقتنيت مجموعة من لوحاته في المتحف الوطني بـ"دمشق".

مدوّنةُ وطن "eSyria" تواصلت مع الفنان التشكيلي "عدنان حميدة" الذي حدثنا عن الراحل "عز الدين همت" بقوله: «كان الراحل يلفت انتباهي في المعارض التي يشارك بها منذ أن كنت طالباً في كلية الفنون الجميلة، أحببت أعماله الانطباعية في الطبيعة والدمشقيات التي رسمها بحب وأمانة التوثيق المكاني والزماني، هو رمز بالنسبة لي لمرحلة تكون الفن التشكيلي في "سورية"، أعماله تتسم بأسلوب خاص به فأنا أعرف لوحته قبل أن أقرأ توقيعه، وذلك بسبب هدوء ألوانه ولمساته مرهفة الحس، كان هادئاً خلوقاً محباً للجميع، رسم "دمشق" بعشق صامت، ولكن لوحته تبوح بذلك العشق، وكان لي شرف مشاركته في عدد من المعارض الجماعية في صالة "فري هاند"».

كان الراحل يلفت انتباهي في المعارض التي يشارك بها منذ أن كنت طالباً في كلية الفنون الجميلة، أحببت أعماله الانطباعية في الطبيعة والدمشقيات التي رسمها بحب وأمانة التوثيق المكاني والزماني، هو رمز بالنسبة لي لمرحلة تكون الفن التشكيلي في "سورية"، أعماله تتسم بأسلوب خاص به فأنا أعرف لوحته قبل أن أقرأ توقيعه، وذلك بسبب هدوء ألوانه ولمساته مرهفة الحس، كان هادئاً خلوقاً محباً للجميع، رسم "دمشق" بعشق صامت، ولكن لوحته تبوح بذلك العشق، وكان لي شرف مشاركته في عدد من المعارض الجماعية في صالة "فري هاند"

من جهته "محمد حاج قاب" فنان ومخرج أفلام وثائقية يقول: «بدأت معرفتي بالراحل "عز الدين همت" عام 2017 عن طريق الفنان "عبد القادر الطويل"، وكنت أعد في وقتها أفلاماً وثائقية عن شخصيات سورية قدمت مجهوداً علمياً وفنياً، وجرى بيني وبينه حوار عن تجربته وتتلمذه على يد فنانين كبار، وشاهدت الكثير من أعماله الفنية التي تحمل طابع وهوية "دمشق القديمة" من جهة، وأخرى تحمل طابع الزهور من جهة أخرى وتعبّر عن حس الفنان المرهف، ما ميّز الراحل من الناحية الفنية؛ الحرارة اللونية في أعماله التي تعكس عشقه للطبيعة ولمفرداتها الغنية التي تعطي للمتلقي انعكاساً جمالياً وفنياً، كان آخر لقاء لنا في بداية عام 2020، تركت أعماله أثراً كبيراً في نفسي، ووثقت ما استطعت توثيقه من مفردات وأعمال فنية، ومن المفارقات التي لفتت نظري هي عمله في السلك القانوني وحياته كفنان، إضافةً إلى عمله الوظيفي في التأمين والمعاشات».

يرسم الطبيعة

بدوره "أديب مخزوم" ناقد وفنان تشكيلي ومؤرخ موسيقي يقول عنه: «رغم أن الفنان الراحل أقام أربعة معارض فردية في "دمشق" بين عامي 1973 و 1998، وكان يشارك في العديد من المعارض الرسمية منذ عام 1959 فقد رحل بصمت وتعتيم إعلامي مخجل، ولم يأخذ حقه على صفحات التواصل الاجتماعي ربما لأن النقاد والفنانين ينظرون إليه على أنه فنان تقليدي، وهذه مغالطة كبيرة لأنه كان يقدم الأحياء الدمشقية والطبيعة والمشاهد الأخرى بصياغة واقعية خاصة به، أي إنها ليست بعيدة عن مشاعره وأحاسيسه الخاصة، وهذا يعني أنه لم يكن يساير متطلبات السوق الاستهلاكي التجاري، وبالتالي لم يكن يقدم تنازلات فنية، ولا سيّما أنّ لوحاته مرسومة بأسلوب واقعي يتطلب المزيد من الجهد والوقت، كونه يجسد أدق التفاصيل ويرسم أمكنة حميمية موجودة في الواقع، وهكذا ساهم في حفظ التراث المعماري الدمشقي، فاللوحة الواقعية هي لوحة توثيقية بامتياز، حافظت على مشاهد وأماكن غابت أو تكاد بخلاف اللوحة الحديثة التي تتخطى المشهد التوثيقي، وتطرح مفاهيم جمالية وتعبيرية بعيدة عن المشهد الواقعي، لذلك تبقى لوحاته شاهدة على أصالة التراث المعماري الذي جسده بحب وعشق مزمن، حصل عام 1962 على إجازة في الحقوق، لكن ذلك لم يحد من رغبته الدائمة في الإنتاج والعرض».

الباحث "غسان كلاس" يقول عنه: «يعتبر الفنان "عز الدين همت" من الفنانين المتميزين الرواد في مجال التصوير الزيتي واللوحة الواقعية التي كانت تأخذ وقتاً، تخطيطاً، ترتيباً وإنشاء زيارة للمكان الذي يرغب بأن يعكسه عبر لوحته، كنا نراه موجوداً مقابل أحد المعالم التاريخية أو في صدر الحارات الدمشقية القديمة أو في مرابع غوطة "دمشق"، يحاول أن يعكس ما يحسه ويتفاعل مع وجدانه من خلال ريشته وألوانه وإحساسه، لم يكن متفرغاً للعمل الفني بل كان مرتبطاً بعمل وظيفي معين لأنه يحمل شهادة الحقوق، لكن ذلك لم يمنعه من الاهتمام بهوايته بالفن التشكيلي والتصوير الزيتي».

من لوحاته

ويصف لوحاته قائلاً: «لوحاته ناطقة تنبض بالإحساس يشعر المرء وكأنها مصورة فوتوغرافياً، تمتاز بدقتها وتشابك الخطوط برسمها، إضافة إلى الحرفية والمهنية العالية في تجسيد اللون من خلال الريشة، كان واثقاً من ضربات ريشته بخطوطها الضيقة والعريضة، وظلالها ولا سيّما أنها متداخلة في أعماقه كونه نشأ في البيئة الدمشقية، أعماله تعكس الحالة الدمشقية وخاصة الزمن الجميل من أزقة ومعالم استطاع أن ينقلها بذوق رفيع، يمكن تصنيفه كمؤرخ فني لأوابد ومعالم "دمشق" حيث وثق معالمها بالتصوير الزيتي، وخاصةً القديمة منها والتي أزيل بعضها لسبب أو لآخر، أعرفه منذ زمن بعيد، التقينا في عدة فعاليات، وعقدنا عدة معارض وندوات تخصه أو تخص غيره من خلال مركز "أدهم اسماعيل" للفنون التشكيلية، وأذكر أنه عام 2008 من خلال اقتراح "ريم الخطيب" مديرة المركز آنذاك، أقمنا العديد من الندوات والمعارض ترافقت مع تكريم قامات فنية أمثال "عز الدين همت"، و"بشير زهدي" وغيرهم، تشرفت عندما احتفينا به فناناً تشكيلياً مبدعاً، قدمنا له ما يعبر عن التقدير لشخصه، تاريخه، وإبداعاته».

يذكر أنّ الفنان الراحل "عز الدين همت" من مواليد "دمشق" عام 1938، عضو اتحاد الفنانين التشكيليين العرب، وعضو جمعية "أصدقاء الفن"، وفي عام 1981 أدرج اسمه البروفيسور "بوكدانوف" بمؤلفه القيم باللغة الروسية "رسامون سوريون" ونال براءة التقدير من محافظة "دمشق" بمناسبة مهرجان "دمشق الثقافي" الأول عام 1995، واقتنيت لوحاته لتنضم للأعمال الفنية في المتحف الوطني بـ"دمشق"، توفي في السابع عشر من آب 2020.

الراحل مع الفنان "محمد حاج قاب"