صاحبُ ريشةٍ ساحرة وفكرة عبقرية، يستوحي لوحاته من إبداعه، ويحوّل صور الواقع إلى زخارف وأشكال على الأنسجة والأوراق بشكل حرفي مبتكر.

مدوّنةُ وطن "eSyria" بتاريخ 16 شباط 2020 التقت الرسام والنحات "ثائر الهزي" الذي تحدث عن طفولته بالقول: «كنت أصغر فرد في عائلة تتألف من ثمانية أولاد، كانوا خريجي جامعات من مختلف الاختصاصات، عائلة كانت تهتم بالثقافة والفن اهتماماً كبيراً، وكان هناك أخي "فيروز" دكتور بفن الرسم والتصوير الجداري في "موسكو"، وهو أكبر مني بـ17 عاماً.

قبل أن أتحدت عنه، يجب أن أذكره كإنسان نبيل يتمتع بروح جميلة، ففي إحدى معارضي بكلية الفنون الجميلة عام 2017 لم أذكر أنني علقت اللوحات، حيث جهز معرضي بالكامل، متفانٍ في عمله كمحاضر في الكلية يعطي كل اهتمامه لطلابه، دائم العمل والعطاء، فنان له رؤية تشكيلية تعبيرية، حيث يأخذنا في أعماله لجمال روحه في التعبير عما حوله من رصد لحالة هو يعشقها كما يعشق اللون مساحة اللوحة

نشأت بذلك الجو الخصب بالحساسية الثقافية والأدبية، ومدينة "يبرود" كانت بتلك الفترة مقهى ثقافياً تحتدم به النقاشات الأدبية والسياسية والصراع بين الأصالة والحداثة، وبهذه الأجواء بدأت ألتمس معنى وشكل الإبداع.

لوحة بعنوان "بنفسج العيد المر"

وبالنسبة للرسم كنت متل أي طفل آخر، فالرسم كان مساحة للتعبير عن مشاعر وصور من الحياة ومن الأجواء الريفية».

وتابع: «الأثر الأكبر هو عودة أخي "فيروز" إلى بلده كل عطلة صيفية دراسية من "موسكو"، وحينها كنت أراقبه كيف يعد أدواته، وكيفية الخطوات الصحيحة لرسم اللوحة الزيتية، وكانت الصور والمواضيع التي يرسمها تدهشني وتجعلني أتلهف لتقليدها.

لوحة شارك فيها ضمن فعاليات مهرجان "حلب" الثقافي

في فترة التعليم الثانوي كانت البداية الحقيقة من خلال التجريب بالرسم بتقنيات مختلفة مع وسط من الزملاء والأصدقاء، ومحاولة اكتشاف ذاتي بها.

كنت أعمل مع دوامي بالمدرسة بصيدلية أخي الراحل "نبيل"، لم تكن صيدلية عادية، بل كانت مكتبة ومساحة نقاش ثقافي مع الناس وأصدقاء أخي بالفن والسينما والمسرح، وأذكر أن هناك خزانة ممتلئة بأسطوانات الموسيقا الكلاسيكية العالمية، بالإضافة لكتب وجرائد يومية».

صورة للفنان التشكيلي "خلدون الأحمد"

وتابع: «هنا كانت نهاية مرحلة، والانتقال إلى "دمشق" مع نهاية التعليم الثانوي، حيث بدأت الدراسة في معهد الفنون التطبيقية في "دمشق"، وتعلمت أصول فن النحت والتصوير إلى أن وجدت فرصة للدراسة الجامعية الأكاديمية بالمعهد العالي للفنون الجميلة في "بيروت"، حيث نلت شهادة دبلوم دراسات عليا باختصاص الرسم والتصوير مع مجموعة من أكبر الفنانين العرب الذين لهم حضورهم العالمي، وكان اختصاصي هو الفن التشكيلي، لكن لم ينفصل عن اهتمامي بكل أشكال الفن والأدب».

وتحدث عن نشاطه في "بيروت" قائلاً: «كانت لي نشاطات مختلفة أبرزها هو تشكيل نادي للسينما والفن مع مجموعة من الأصدقاء، والاستمرار بعرض أفلام أسبوعياً ومناقشتها، وبقيت فيه لمدة أكثر من ثلاث سنوات مع اختصاصيين ومخرجين وفنانين وأدباء، وهذا السبب الذي جعلني أختص بدراستي بالجامعة ببحث حول العلاقة بين فن الرسم والتصوير والسينما، وعملت عليه حتى أستطيع تحقيق أطروحة كبيرة حصلت بموجبها على شهادة الدبلوم، ومن ثم أعددت كتاباً حول الموضوع ذاته وبتوسع أكبر».

وعن انتقاله لتدرس الفن التشكيلي، أضاف: «أساتذتي بكلية الفنون كانوا فنانين كبار ومعروفين عربياً وعالمياً، وقد تركوا أثراً جيداً، وأبرزهم المشرف على تخرجي الفنان "محمد الرواس"، حيث كان يدرسنا تقنيات فنون الحفر والغرافيك وأشكاله الفنية بالجامعة، وكان أسلوبه التعليمي ومدى اهتمامه وشغفه بالتعليم ومدى جدية بحثه الفني أكبر أثر علي، حيث جعلني أهتم بالتعليم الفني، وهذا ما دفعني إلى التدريس الأكاديمي للفن التشكيلي بالجامعات والمعاهد المختلفة لفترة تزيد على الخمسة عشر عاماً حتى الآن».

وأضاف: «موضوع تدريس وإعداد الفنان ومواكبته والإشراف عليه هو بحد ذاته قد حظي باهتمامي وجعلني أعطيه جل وقتي، فالتعرف على الفنانين الهواة وإعدادهم وتثقيفهم وخلق ورشات عمل لهم، ومن ثم تحفيزهم بإعداد معارض، وتعريف المجتمع بهم كان بالنسبة لي رسالة وأسلوباً، وشكلاً من المقاومة خلال الأزمة، لجعل الفن هو أحد الحلول لمعالجة الجروح الفكرية والنفسية التي أصابت الإنسان، وهي كانت أكثر الفترات نشاطاً بمدينة "حلب" مع طلاب كلية الفنون الجميلة، حيث كنت محاضراً ومنسقاً لقسم الرسم والتصوير منذ عام 2011، فلقد قمنا والطلاب والفنانين بأكثر من مئة معرض جماعي وورشات عمل مختلفة داخل الكلية وخارجها، ما ترك لنا أثراً واضحاً على جدران هذه المدينة ومدارسها التي أعيد إعمارها بعد التحرير للتحول إلى مراكز وعلم ودراسة».

وعن معارضه وأبحاثه وأفلامه، قال: «إضافة إلى بحثي الفني والنقدي الذي ترافق مع عملية التدريس، كنت أمارس العمل الفني من خلال رسم اللوحات الفنية مختلفة التقنيات وعرضها بمعارض فنية كانت تقام في "سورية" وخارجها، فلقد تجاوز عدد المعارض المشتركة التي شاركت بها أكثر من خمسين، منها معارض جماعية على مستوى "سورية" أو معارض أصغر بعدد فنانين أقل على مستوى مدينة مثل "دمشق"، "حلب"، "يبرود" و"بيروت".

وهناك عدة أفلام سينمائية وثائقية أو فنية قمت بإخراجها منها فيلم بعنوان "إيحاءات من فاتح المدرس" توثيق لورشة عمل بكلية الفنون الجميلة حول فن "فاتح المدرس"، وفيلم آخر قمت به لمجلس مدينة "حلب" حول الذكرى الخامسة والعشرين لجائزة "الباسل" الفكرية والإبداعية».

وعن أسلوبه الفني قال: «أسلوب واقعي تعبيري، لكنه بمفردات أوسع، وبرؤية متعددة المستويات للوحة وتقنيتها، فيحضر زمن الكلاسيكي والسريالي والانطباعي والتعبيري، لكن بوحدة أسلوب منسجم، ومن دون تشتت بما يجعل لوحتي تنقل مستوى تجريدياً بتصور معين من خلال التعبير عن الاختزال والتكثيف بالمفردة اللونية، فالواقع والإنسان بهذا الوطن هو هاجسي، مشاكلهم وعواطفهم وخيالهم وأزماتهم ولهفاتهم كلها هو مصدر لعملي الفني، وهناك حضور جيد للمفردة التاريخية التشكيلية التي من صلب اللوحة عندي حتى أعبر بشكل صادق عن رؤيتي للحياة.

عودتي للواقع للبحث عن الفن كانت بنتيجة الأزمة، وكل أشكال القتل والقسوة التي تحيط بالإنسان الذي يعيش بهذه المساحة من العالم».

الفنان التشكيلي "خلدون الأحمد" من مواليد "حلب" 1967، تحدث عن "ثائر الهزي" قائلاً: «قبل أن أتحدت عنه، يجب أن أذكره كإنسان نبيل يتمتع بروح جميلة، ففي إحدى معارضي بكلية الفنون الجميلة عام 2017 لم أذكر أنني علقت اللوحات، حيث جهز معرضي بالكامل، متفانٍ في عمله كمحاضر في الكلية يعطي كل اهتمامه لطلابه، دائم العمل والعطاء، فنان له رؤية تشكيلية تعبيرية، حيث يأخذنا في أعماله لجمال روحه في التعبير عما حوله من رصد لحالة هو يعشقها كما يعشق اللون مساحة اللوحة».

الجدير بالذكر أنّ الفنان "ثائر الهزي" من مواليد مدينة "يبرود" عام 1970، له عدة أبحاث ودراسات نقدية حول الفن التشكيلي، وأيضاً أبحاث حول فن الرسم والتصوير.