جذبَ انتباه زوّار "معرض دمشق الدولي" بكمان كان الأكبر حجماً على مستوى الوطن العربي، ورسائل سلام نقلها عبر بنادق حوّلها إلى آلات موسيقية عزف عليها "غالب بدران" ألحان المحبة والسلام.

كمانٌ بطول أربعة أمتار آخر ابتكاراته التي شغلت مساحةً من اهتمامه، إلى جانب تعلقه بالتراث وكل ما عبّر عن حياة الأجداد ومشاعرهم الجميلة في مراحل زمنية مختلفة، تجربة ينقلها "غالب بدران" من خلال مدوّنةِ وطن "eSyria" بتاريخ 28 كانون الثاني 2020 ويقول: «ثلاثة أشهر حاولت من خلالها تجسيد مشروع خططت له بصناعة أكبر كمان في الوطن العربي كحصيلة لأفكار سابقة اختزلت علاقتي مع الموسيقا واللحن، فلحن الربابة الذي تغلغل في عمق الروح جعلني أبحث عن مكان للوتر على أي قطعة معدنية أو خشبية وحتى حجارة البازلت، لأصل إلى فكرة الكمان الضخم الذي حمّلتُه الفرح والأمل لوطني الذي أخذ يخطو خطوات إلى الاستقرار والنصر.

العمل الأكبر كان تطبيق مشروع صناعة ربابة عملاقة طولها قارب أربعة أمتار، وبقيت مصدر الإيحاء الذي توجهت من خلاله لصناعة الآلات الموسيقية الأخرى لتكون تجربتي التي رغبت أن أشارك فيها العالم وأقدم دعوتي الصافية، كي يشاركوني عالم اللحن؛ لأني لم أصادف عاشقاً للموسيقى قاتلاً أو سارقاً أو مخرباً، فالموسيقا خيار الأرواح النقية والمعطاءة بهدوء ومحبة، ودعوتي الدائمة أن نعلم أولادنا الموسيقا لتكون اللغة البديلة للغة خلقتها الحرب وتحتمي أرواحنا بها

في هذا المشروع تعاونت مع وزارة الثقافة، حيث عرض الكمان على منصة جماهيرية كانت جناح الوزارة في دورة العام الفائت في "معرض دمشق الدولي" لتتكامل مع رسالة المعرض وشعاره "من دمشق إلى العالم"، وليكون هذا المعرض تتمةً لعدة مشاركات في ملتقيات ومهرجانات كرمت بها ولدي ولعٌ بها لأقدم أفكاري كعازف سوري، ومهتم بتاريخ الموسيقا وأدواتها التي حملت روح المجتمع السوري، وعبرت عن فيض جماله».

العازف غالب بدران

أما عن حجم الكمان العملاق وقياساته أضاف "بدران": «الكمان بطول أقل من أربعة أمتار بأربعين سنتيمتراً، وعرضه مئة وعشرون سنتيمتراً، كان نتاج أعمال مختلفة للنجارة والحفر والخراطة وحرف مختلفة بفترة عمل قاربت التسعين يوماً، توقفت فيها في كل مرحلة محاولاً إعادة الدراسة ووضع نقاط علام للمرحلة القادمة بهدف النجاح، لأن تحويل قياس الكمان العادي من ستين سنتيمتراً إلى هذا الحجم استهلك الكثير من العمل، مع أنّ حلمي كان أكبر من ذلك بكثير، وتمنيت أن أطرق باب موسوعة "غينس" بكمان عملاق وأحطم الرقم القياسي، إلا أنّ الظروف لم تكن مؤهلة لذلك فاكتفيت أن يكون كماني الأكبر على مستوى الوطن العربي من "سورية" الجميلة التي كتبت فيها أول نوتة موسيقية لتبقى باحة السلام والمحبة».

رافقته الربابة سنوات طويلة؛ عزف عليها بروح رقصت مع أوتارها، وكانت هنا البداية كما يقول: «للربابة رفيقة الروح الفضل الأول في عشق الموسيقا، وقد قدمتها بين الحاضر والماضي، هي أول آلة تعلمت عزفها منذ عشرين عاماً رغم صعوبة التعلم كونها بلا نوتة وآلة قديمة ولها شروط مختلفة تناقلها الأجداد وتعلموا عزفها بشكل سماعي.

عزف على البارودة التي حولها إلى آلة موسيقية وسط دمشق

وأجمل الأوقات تلك التي قضيتها بصحبة الأهل والأصدقاء في تقديم أجمل الألحان والقصائد التراثية، وحثتني هذه الآلة صاحبة الوتر الواحد للتوجه لصناعة الآلات الموسيقية منذ خمسة عشر عاماً، لأعيد تشكيلها على حجر البازلت في زمن الحرب. ورفضاً لكل أنواع القتل والعنف؛ عقدت أوتار الربابة والأوتار الفولاذية على البازلت وعلى بارودة الكلاشينكوف، وحولتها من آلة تزهق الروح إلى آلة تحييها، إضافة للقطع التراثية مثل الغربال وعناصر الطبيعة مثل أغصان الزيتون، وحصلت على براءة اختراع من مركز "الباسل للإبداع" عن البندقية الموسيقية، وأخرى عن الحجر الموسيقي لوضعه علامات موسيقية نظامية للعزف عليها، كما صنعت من بوط الجندي السوري آلة تعيد اللحن بفكرة أعتبرها خلاقة لتجسيد بطولات هؤلاء الأبطال».

ويتابع بالقول: «العمل الأكبر كان تطبيق مشروع صناعة ربابة عملاقة طولها قارب أربعة أمتار، وبقيت مصدر الإيحاء الذي توجهت من خلاله لصناعة الآلات الموسيقية الأخرى لتكون تجربتي التي رغبت أن أشارك فيها العالم وأقدم دعوتي الصافية، كي يشاركوني عالم اللحن؛ لأني لم أصادف عاشقاً للموسيقى قاتلاً أو سارقاً أو مخرباً، فالموسيقا خيار الأرواح النقية والمعطاءة بهدوء ومحبة، ودعوتي الدائمة أن نعلم أولادنا الموسيقا لتكون اللغة البديلة للغة خلقتها الحرب وتحتمي أرواحنا بها».

الشاعر عرفان الورور

إبداع وعشق للتجديد وتقديم الأفضل، فكرة تحدث عنها الشاعر الزجلي "عرفان ورور" الذي قال: «رافقت صديقي "غالب بدران" في أغلب الأعمال التي قدمها هذا المبدع بكل معنى الكلمة عبر مراحل زمنية مختلفة، حيث عبر عن اهتمام وولع كبير لمسته لديه، هو العازف الذي أعطى للموسيقا الكثير، وأعطى مجتمعه الكثير من الحب بدعم عدد من المشاريع التي يطول عنها الشرح، وقد أثبت حضوره بما جسده من أفكار، وتصنيع آلات بأفكار غريبة لها معان إنسانية كبيرة في نفوس البشر.

بدأ نشاطه بالربابة التي أبهرت من شاهدها وسمعها، حيث وجه رسالة إلى العالم مفادها أن البارودة لا تطلق الرصاص فقط، بل جعلها تطلق الألحان، ووصل هذا العمل إلى دول العالم، وظهر على أغلب الشاشات الفضائية العربية والعالمية، ولم يقتصر عمله على هذا الإبداع بل زاده وطوره أكثر فأكثر على حجر البازلت والبوط العسكري والغربال وغصن الزيتون وغيرها، وآخر أعماله الكمان العملاق الذي أدهش الملايين من الناس، وأتوقع أنه قادر على تحقيق نجاحات قادمة بناء على عشقه وفهمه العميق للموسيقا العربية».

ما يجدر ذكره أنّ "غالب بدران" من مواليد "أشرفية صحنايا" عام 1968، ويقيم فيها، حاصل على حماية الملكية الفكرية الخاصة بتحويل البندقية وحجر البازلت إلى آلة موسيقية، وحصل على العديد من شهادات التقدير والتكريم وشارك بعدة مهرجانات وفعاليات فنية هامة.