من خلال لوحاتها تسعى إلى ملامسة دواخل الأشياء بما تحمله من مشاعر وعواطف، الفن بالنسبة لها هو الحركة المبدعة التي تدفع الحياة نحو الجمال والنقاء، فبريشتها وألوانها ويديها اللتين تشارك سطح اللوحة بها، رسمت لوحات تعبر عن الجمال والفرح.

مدوّنةُ وطن"eSyria" التقت بتاريخ 26 كانون الأول 2019، الفنانة "فاطمة أسبر" لتحدثنا عن مسيرتها الفنية ورؤيتها للفن: «الفن هو كلمة نلفظها، ونظن أنها ترف حولنا بشكل موازٍ لواقع حياتنا، بعيدة عن الانغماس في هذا الواقع، لكن لو انتبهنا قليلاً لعرفنا أن الفن كلمة مأواها الحياة بجميع تفاصيلها، فكل ما نقوم به ونفعله يسوسه الفن ويرافق كل خطوات حياتنا، فهو عملية إبداعية في طريقة الحياة والفكر والخيال، الفن يدل على أناقة وجمال وحضارة بلد من آخر، من خلال تفاصيل الخريطة العمرانية والمظهر الإنساني، إضافة إلى أن له دوراً واسعاً وشاملاً في تجميل وتطهير مناحي الحياة جميعها وتعميق الرؤى والمدارك وتنمية الوعي، وينخرط في جميع الوظائف؛ في لغتنا وحركتنا وفي أصابع أيدينا، ويسكن الورق والأقلام، وفي خيالنا، ويعتبر من مكونات البشرية منذ عرف الإنسان كيف يمرر حواره على سطح معين وينقل من خلاله جزءاً من كينونته، فهو بالنسبة لي تلك الحركة المبدعة التي تدفع دائماً بحياتنا إلى الأجمل والأنقى».

للوحة دورٌ مهمٌ في نقل حضارة وثقافة المجتمعات عبر الأجيال، وبخاصة في تقديم صورة عن ثقافة المجتمعات، وعن مستوى هذه الثقافة وعياً وفهماً ورقياً عبر الزمن، لكننا الآن نعيش عصر تدوين إلكتروني دقيق وعصر كاميرا توثق الواقع والأحداث والتاريخ بدقة فائقة، لذلك لا بد للفن أن يأخذ دور الباحث والكاشف عن المجهولات واللامرئي أكثر من أن يأخذ دور الناقل الموثق للواقع

وأضافت: «للنقد الفني دورٌ مهمٌ في توسيع الرؤى والعمل على فتح آفاق الثقافة وبخاصة النقد الواعي والهادف، ولا بدّ من وجود روحٍ تتقبل وتطالب بالنقد، وخصوصاً أن العمل الفني بعد إنجازه يخرج من يد عامله ويصبح ملكاً للمتلقي، فلا بد أن تأخذ الموضوعية أهميتها فلا المديح المبالغ به، ولا التجريح يقدمان ما تتطلبه حركة الإبداع والتقدم، بل يحتاج إلى قدرة الناقد على فتح آفاق جديدة في فضاء الفن تسعى لرقيه وسموه».

إحدى لوحاتها

وعن لوحاتها واختيارها لألوانها ورسوماتها قالت: «بالنسبة لي عملي يقوم على البحث، والإنسان هو محور هذا البحث بشكل عام والمرأة بشكل خاص، فهي الحاضن والعاكس لتفاصيل الحياة بوجعها وهمومها وفرحها، فالرسم عندي حاجة؛ وحين تتحرك رغبة الرسم أبدأ بوضع بعض الألوان على اللوحة وأحركها إما بالريشة أو بيدي، فتخلق حركة الرسم بالأصابع شعوراً مريحاً بمتعة ملامسة اللون، ويبدأ ذلك الشعور المشترك ببث شحناته على سطح اللوحة كأنه كائن يشاركني مع الألوان لنشكل فريقاً نعمل معاً لنصل إلى رؤية أو شكل نتفق على إظهاره، ننجح أحياناً ونفشل أحياناً أخرى.

حين أبدأ بالرسم أكون على قطيعةٍ تامة مع الأفكار والأشياء من حولي، وتكون مشاعري مثل سطح الورقة كلانا يشبه سديماً يحتاج إلى أن يمتلئ بتكوين جديد؛ ففي الفرح والحزن تتساوى المشاعر، بينما في الغضب ترفض الأشكال أن تظهر ويحدث نوع من التغييب، ففي أعمالي لا أتبع أسلوباً محدداً ولا أهتم للأشكال، لكنني أسعى إلى ملامسة دواخل الأشياء وملامسة المشاعر والعواطف أكثر من ملامسة الشكل؛ مما يدفعني لأقوم بالمحو والخلط والإضافة، كما أنني لا أفكر بالمواصفات التي أُعطيت للألوان، بل أستخدمها حسب الحاجة إليها داخل اللوحة، فاللون الأحمر لا يعني لي الدم أو الثورة، بل هو لونٌ بهيجٌ لا يستطيع أي لون أن يمنح الجمال الذي يمنحه في موضعه، والأسود يمكن أن يكون مضيئاً في مكان محدد أكثر من أي لون آخر، فلا بد أن نمنح الألوان لغة مفتوحة على المعاني غير المحدودة، بالإضافة إلى أن الريشة والألوان، واللوحة البيضاء، أصدقائي، ونشكل معاً فريقاً متكاملاً».

من أعمالها الفنية

وعن أهمية اللوحة لنقل ثقافة المجتمع عبر الأجيال قالت: «للوحة دورٌ مهمٌ في نقل حضارة وثقافة المجتمعات عبر الأجيال، وبخاصة في تقديم صورة عن ثقافة المجتمعات، وعن مستوى هذه الثقافة وعياً وفهماً ورقياً عبر الزمن، لكننا الآن نعيش عصر تدوين إلكتروني دقيق وعصر كاميرا توثق الواقع والأحداث والتاريخ بدقة فائقة، لذلك لا بد للفن أن يأخذ دور الباحث والكاشف عن المجهولات واللامرئي أكثر من أن يأخذ دور الناقل الموثق للواقع».

حدثنا التشكيلي "سموقان أسعد" عن الفنانة "فاطمة أسبر" بالقول: «ابتدأت الفنانة "فاطمة" تعمل بشكل جدي على سطح القماشة والألوان الزيتية، كما أنني تابعت معظم أعمالها التي تنشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، حقيقة كانت منذ البداية أعمالاً مختلفة ولدت من خلال تجربة ذاتية محضة؛ لكنها كانت مغايرة منذ ولادتها، فهي لم تتأثر بأعمال أحد من الفنانين، بل تخرج من ذاتها كطفل يلعب بالألوان، فهي ليست حرفية ولا تحاول أن تكون كذلك؛ ولكن المشاهد لأعمالها يحس بحركة اليد تتوافق مع حركة الروح، فمن خلال لوحاتها لا بدّ لك أن تعيش الحلم وعينك تجوب على السطح الشفاف للعمل، هي لا تبحث عن الإبهار اللوني، لونها هادئ غايتها ملامسة روح المشاهد أكثر من أنها تقدم مساحات من الأحلام. الفنانة "فاطمة" لا ترسم الشكل وإنما ملامحه أو لنقل روحه التي ليست شجرة ولا وجه إنسان، ليست بحراً، ولا سماء، إنها كل ذلك، هي صادقة في تجربتها ووجهها النقي الصافي الطيب يظهر بوضوح على لوحاتها، فقد استطاعت خلال فترة وجيزة أن تقدم أعمالاً توضع بجدارة بين أعمال الكبار، ولعل ثقافتها في الأدب والحياة ساعدتها على نمو تجربتها بهدوء وثقة».

من لوحاتها

والتشكيلي" عدنان حميدة" قال عنها: «منذ سنوات تعرفت على أعمال الفنانة "فاطمة" عبر موقع "الفيس بوك" ولفتت أعمالها نظري، فبدأت أتابعها، وكانت أعمالها دائماً تدهشني بعفويتها وتكويناتها، رغم أن الفنانة "فاطمة" لم تتلقَ دراسة أكاديمية، لكنها بثقافتها ورؤيتها استطاعت فهم الفن بحس مرهف ومن ثم إنتاج كم من الأعمال الهامة، "فاطمة أسبر" اسم ظهر وتميز بين مجموعة من الفنانات الناشطات على الساحة التشكيلية السورية، والتميز كان من خلال رؤيتها الخاصة وفهمها الخاص لكينونة الأشياء من حولها، ومعالجة هذه الرؤية على سطوح اللوحات بصدق وجرأة وعفوية طفلٍ واعٍ».

الجدير بالذكر أنّ الفنانة "فاطمة أسبر" مواليد قرية "قصابين" التابعة لمدينة "جبلة" في محافظة "اللاذقية"، ومقيمة في" دمشق"، شاركت بعدد من المعارض الجماعية في تكريم أسماء مهمة من الفنانين السوريين، كما شاركت في عدد من المعارض مع جمعية "شموع السلام"، وأقامت ثلاثة معارض فنية منفردة، واختيرت عدة لوحات لها كأغلفة لدواوين شعرية في كلٍّ من "ألمانيا"، "المغرب"، "تركيا"، "لبنان" وفي "سورية".