عشقَ الفنَّ والجمالَ فبرع في رسم الطبيعة والإنسان، وتفرّد في رسم الأيقونة الشرقية، تابع عملَه الفني ولم يتوقف عن الرسم حتى امتلأت جدران منزله بلوحاتٍ خطّها بريشته ورسمها بمشاعره الإنسانية التي جعلته واحداً من التشكيليين السوريين الذين تركوا إرثاً جمالياً بعد رحيلهم.

مدوّنةُ وطن"eSyria" تواصلت مع "عطية اليازجي" أحد المقربين له (أخ زوجته) الذي يقول: «تربى "جورج عبدو جنورة" في طفولته على حبّ البحر وعشقه حتى أصبح من أمهر السباحين السوريين بالإضافة لممارسة الرياضة البدنية ونال شهادة بالتدريب، استمد إلهامه بالرسم في مقتبل العمر من خلال الطبيعة التي تجمع ما بين البحر والجبل وبذلك بدأت مسيرته الفنية، انتقل الى "دمشق" حيث فتحت له الآفاق برسم الطبيعة وغوطتها الغناء والأحياء الدمشقية القديمة وكل ما يتعلق بالتراث والطبيعة الصامتة، كما برع برسم الوجوه والأشخاص».

الراحل من الفنانين الذين حافظوا على شرقيتهم بالعمل الفني، رسم بيئته والحارات الدمشقية والمناطق الجبلية ورسم الأشخاص، يقع أسلوبه بين الواقعي والتعبيري ويميل أحياناً لأكثر من أسلوب فني تبعاً لمتغيرات الفن والواقع لأن الفن بحد ذاته منفتح ولا يوجد ما يقيد حركته وتطوره، عمل الفنان "جورج" ضمن هذا السياق ملتزماً بقضاياه الوطنية والقومية

وفيما يتعلق بنشاطاته يكمل قائلاً: «الراحل من الأعضاء الأوائل لنقابة الفنون الجميلة واتحاد الفنانين التشكيليين العرب وجمعية "أصدقاء الفن"، شارك بمعارض عديدة مشتركة محلياً ودولياً، كما أقام معارض عديدة فردية في صالات "دمشق"، مثل صالة "الشعب" وصالات المراكز الثقافية للدول الأجنبية وصالة مقهى "الرواق"، وصالة "غوتيه"، فندق "المريديان" وبعض السفارات وصالة "البطركية بكنيسة الزيتون"، بالإضافة إلى معرض لوحات "معلولا" كما أقام معارض في بعض المحافظات السورية مثل "السويداء"، "القنيطرة"، "حلب"، و"حمص"، وله معرضان في "بلغاريا"، ومعرض في "رومانيا" بمناسبة عيد "الجلاء" برعاية السفارة السورية آنذاك».

من لوحات الطبيعة

وعن تميّزه وإنسانيته يقول: «يتميز عن غيره بغزارة أعماله وإنتاجه الفني، لم يتوقف عن الرسم أبداً لذلك نرى منزله يتزين باللوحات والأيقونات المرصوفة على جميع الجدران، كان يحمل الإنسانية بكل معانيها وعلى مستوى رفيع من الأخلاق، كان كريم النفس، إيمانه بعمله لا حدود له، يتعامل بكل طيب وبساطة مع الآخرين، محبوب من قبل الجميع، ومرجع موثوق من جيرانه في حل المشاكل والخدمات، يمد يد العون لأصدقائه عند الضائقة المادية، ويتعامل معنا كالأب الحنون، أخ وصديق، يهتم لجميع أمور العائلة، ويحبّ الأطفال كثيراً لكنه لم يرزق بذرية».

من جهته الفنان التشكيلي "معتز العمري" يقول: «الراحل من الفنانين الذين حافظوا على شرقيتهم بالعمل الفني، رسم بيئته والحارات الدمشقية والمناطق الجبلية ورسم الأشخاص، يقع أسلوبه بين الواقعي والتعبيري ويميل أحياناً لأكثر من أسلوب فني تبعاً لمتغيرات الفن والواقع لأن الفن بحد ذاته منفتح ولا يوجد ما يقيد حركته وتطوره، عمل الفنان "جورج" ضمن هذا السياق ملتزماً بقضاياه الوطنية والقومية».

لوحات تزيّن جدران منزله

بدوره الفنان التشكيلي "أسامة دياب" يقول عنه: «هو من الفنانين الذين أثروا في الحركة التشكيلية بالمواضيع الملتزمة التي تناولها، من خلال دفاعه عن الهوية البصرية المحلية، استوحى أعماله من بيئته فبرع برسم الأحياء الدمشقية وتميز بروحانيته، هو فنان أكاديمي ويعدُّ من الجيل الثاني ما بعد الرواد، يرسم الأيقونة التي تؤكد على شرقيتها وقدسيتها بأسلوب تعبيري أدخل في سماته الروحانية، وهذا ما يجعله من القلائل والمتفردين برسمها».

من المقالات التي كتبت عنه نورد ما كتبه "بشير زهدي" الأمين الرئيسي للمتحف الوطني بـ"دمشق" عن معرضه في "بلغاريا" عام 1985 قائلاً: «لقد أبدع "جنورة" العديد من اللوحات بأسلوبه الفني المتميز بجمال الشكل الفني والحرص على حسن توزيع الظلال والنور والتعبير عن الإحساس العميق، والانتباه إلى ما لا ينتبه إليه الكثيرون، مع حسن اختيار الألوان المتميزة بالضياء والإشراق والقدرة على الإيحاء عن الفرح الإنساني والتعبير عن الجمال بلغة التشكيل الفني وتأكيد جمالية الحياة والإبداع الإنساني وتخليد أجمل انطباعاته عن زيارته للبلاد الصديقة "بلغاريا"».

من رسوم الأيقونة

ومن المقالات النقدية التي نشرت عنه في الـ"جوردان تايمز" ما كتبه "سمير طويز" حول أسلوبه في رسم الأيقونة: «عندما عاد "جنورة" إلى "سورية" بعد دراسته الأيقونة والفريسك في "رومانيا" بدأ بحثه الجدي عن أسلوب جديد يستطيع فيه أن يحول الأيقونة الكنسية إلى لوحة فنية معاصرة يحتضنها كل بيت، وتكون نافذته إلى عالم الإنسان والأرض، تجسيداً لأحاسيسه تجاه العلاقة المتينة التي تربط إنساننا العربي بأرضه وشعبه، معبراً عن كفاحية وطموح الإنسان وتقديسه لأرضه وعائلته ووطنه، ودفاعه ضد قوى الشر والعدوان على مر العصور لتحقيق ذاته العربية، حيث عمد الفنان "جنورة" إلى البعد الثالث في عدد من لوحاته ليوحي بالارتباط الوثيق بين الإنسان والأرض ومقدساتها من خلال امتزاج ألوان الخلفية بالأشكال المطروحة في لوحاته».

وكذلك كتب الدكتور "فاتح المدرس" بعنوان "تأمل وحب للمكان الإنساني" عام 1986 عن الراحل: «هو فنان يحب المكان الإنساني ويراه بعين تحمل الوفاء له، فألوانه وتكويناته تستطيع أن تتحدث إلى عين الرائي، بصرت فيه الكثير من المودة والتواضع والقوة، في أكثر أعماله نجد موسيقا في تكوين اللوحة من حيث توزيع اللون في منظور مساحي يمنح الراحة للمتفرج، وهناك أكثر من أسلوب يمارسه "جنورة" في أعماله التي تأثرت بما رآه وعايشه في أطراف "صوفيا" وتحمل في تكويناتها الكثير من حنينه إلى الريف السوري أيضاً، ونرى أعماله متممة لتوقه إلى المزيد من فسحة الأمل ودلالة على إمكانات تشكيلية كامنة تنطلق بهدوء وثقة وجمال».

يذكر أنّ الراحل "جورج جنورة" من مواليد "اللاذقية - الشيخ ضاهر" عام 1930، درس الفريسك والفسيفساء والأيقونة الشرقية من 1973-1976 في "رومانيا"، شارك في معارض جمعية "أصدقاء الفن" منذ تأسيسها، وفي معارض محلية وخارجية كثيرة، عمل مدرساً في ثانويات "دمشق"، توفي في "دمشق" بتاريخ 3 تشرين الأول 2019 ودفن في "مرمريتا".