أبحر في عالم الفنّ صغيراً، لكن فن الكاريكاتور كان الأقرب إليه، فبخطوطه الدقيقة، ورسوماته المعبّرة التي تلامس قضايا الإنسان وهمومه؛ عبر إنه الرسام "عبد الهادي شماع" عن مكنوناته بصدق وعفوية، وحصد جوائز عدة.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 20 حزيران 2019، مع رسام الكاريكاتور "عبد الهادي شماع" ليحدثنا عن تجربته الفنية، فقال: «رحلتي مع الفن بدأت منذ الصغر، ربما بعمر الثالثة أو الرابعة، وهي المرحلة التي يبدأ فيها التعبير بالرسم عند كل الأطفال عادة، لكن القليلين منهم يستمرون بالرسم، ومعظمهم يلتفتون لاحقاً إلى أساليب أخرى في التعبير واللعب، وأنا كنت من القليلين الذين لم يتخلوا عن الرسم يوماً، وخصوصاً أنني نشأت ضمن عائلة محبة للرسم، فأبي وكل إخوتي كانوا يهوون هذا الفن، عدا أمي التي كانت تعدّ جمهورنا المتابع لمواهبنا، فهذا المناخ الثقافي جعل من الرسم أحد النشاطات العائلية والاجتماعية. التحقت بعدها بكلية الفنون الجميلة في "دمشق"، التي جعلت من الرسم عملاً منظماً ومجدولاً بأوقات محددة، ولا يخضع تماماً للمزاج وأوقات الفراغ، إضافة إلى كونها أتاحت لي الفرصة لتوسيع العائلة الفنية من خلال أصدقاء جدد يتمتعون بمواهب وأساليب فنية مختلفة، وهو ما أدى إلى الاحتكاك والتفاعل مع آراء فنية جديدة؛ سواء من مدرّسينا أو زملائنا الموهوبين الذين أغنوا تجربتي. لكن ولعي وشغفي المبكر والمستمر بالكاريكاتور بقي خارج تأثيرات الكلية باعتبارها لا تهتم بهذا الفن أصلاً.

باعتبار الكاريكاتور؛ وحسب التسمية العربية هو رسم ساخر؛ أي يعتمد الرسم والسخرية معاً، لا بدّ من توفر عاملين أساسيين، هما: الحسّ الانتقادي الساخر ومهارة الرسم، إضافة إلى أن الموهبة وشدة تميزها هي التي تحدد مدى تقبل المتلقي لما ينتجه هذا الفنان أو ذاك

وبدافع المتعة والرغبة في التعبير عما يحدث لي، وما هو حولي بطريقة ساخرة، تابعت رسم الكاريكاتور بشكلٍ موازٍ لما أقوم به خلال الدراسة في الكلية، وبدأت الاطلاع على ما ينجزه رسامو الكاريكاتور في العالم، وخصوصاً الذين كنت معجباً بهم وبأساليبهم، إلا أن تأثيرات الكلية انحصرت في الجانب الشكلي، كالخط واللون والتكوين العام. وبعد تخرّجي في الكلية عام 1982، قلّ اهتمامي بالرسم خارج إطار الكاريكاتور بسبب احترافي به، والتزامي اليومي مع صحيفة "تشرين" وغيرها من الصحف، إضافة إلى أن رسم الكاريكاتور بحدّ ذاته يعدّ رسماً وتفريغاً لشحنة إبداعية ما، وعاملاً مخففاً من الرغبة الملحة بالرسم بمعناه التشكيلي المتداول».

من رسوماته

وعن المواضيع التي تناولها برسوماته الكاريكاتورية، تابع قائلاً: «الواقع المؤلم الذي يحيط بنا، ومشكلاته وتناقضاته، نبع لا ينضب من المواد القابلة لأن تكون موضوعاً للكاريكاتور، وهو في الحقيقة شكل بصري سريع التلقي والفهم بالمقارنة مع النص المكتوب، وذلك بسبب قدرته على استخدام الرموز والدلالات البسيطة، فإنه يشدّ المتلقي، ويقدم له عرضاً مصوراً مختصراً ومسلياً، فضلاً عن تميّزه بالطرافة وخفّة الدم أحياناً، إضافة إلى سرعة وصول الرسالة المراد إيصالها عبر الكاريكاتور من دون تعقيد، ففي البداية تناولت مختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية وغيرهما، لكنني في عام 1991 اعتزلت الكاريكاتور السياسي؛ واقتصرت رسوماتي على الجانب المحلي والاجتماعي، وهي بالنهاية لا تخلو من سياسة، لاعتقادي بأن السياسة دائمة التغيير، وهناك دائماً فرصة لاختلاف ما، لسياسة الصحيفة التي أعمل لها مع قناعاتي الذاتية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية توصلت إلى قناعة بأن التصدي للمشكلات والظواهر الاجتماعية أكثر جدوى وتأثيراً، والتصاقاً بقضايا الفقراء وشريحة الطبقة الوسطى التي أنتمي إليها، وخصوصاً أن الناس يتفاعلون أكثر مع الكاريكاتور الذي يطرح مشكلاتهم، ويدافع عن قضاياهم، ويتكلم قدر المستطاع باسمهم، وهذه كانت رسالتي».

وعن المقومات التي يجب أن تتوفر برسام الكاريكاتور، قال: «باعتبار الكاريكاتور؛ وحسب التسمية العربية هو رسم ساخر؛ أي يعتمد الرسم والسخرية معاً، لا بدّ من توفر عاملين أساسيين، هما: الحسّ الانتقادي الساخر ومهارة الرسم، إضافة إلى أن الموهبة وشدة تميزها هي التي تحدد مدى تقبل المتلقي لما ينتجه هذا الفنان أو ذاك».

من أعماله

وأضاف: «الألوان في الكاريكاتور ضرورة طباعية ليس إلا، وذلك وفقاً للصحيفة إن كانت تصدر بالألوان أو بالأبيض والأسود فقط، وعموماً الألوان في الكاريكاتور لها مهام ثانوية، إلا في حال كان اللون قيمة بحدّ ذاته، كالدم مثلاً؛ فمن الصعب الاستدلال عليه بين السوائل الأخرى من دون لونه الأحمر المميز، وعليه فإنه يفقد خصوصيته في الكاريكاتور المنفّذ بالحبر الأسود، إضافة إلى أن الألوان تضفي جمالاً على الكاريكاتور، لكنها لا تغير شيئاً من محتواه باعتباره فناً تشكيلياً يقوم بمهمة إعلامية تعتمد السخرية والمبالغة في تقديم فكرته، ورسالته تصل بذات الشدة تقريباً، سواء أكانت ملونة أم بالأبيض والأسود، وهذه الرسالة الإعلامية تبقى رسالة فعالة خفيفة الدم، وقريبة إلى القلب والعين».

عنه قال الناقد التشكيلي "سعد القاسم": «لا يعرف "عبد الهادي شماع" متى بدأ الرسم، إلا أنه متأكد من أن هذا قد حصل قبل سن السادسة، لأنه ما يزال يذكر العقوبات التي كانت تحلّ به بعد إفساد الجدران والوسائد والقمصان و(مريول) المدرسة بالرسوم، وكان معجباً للغاية بشخصيات "والت ديزني"، منها: "ميكي"، و"بطوط" وباقي العائلة، وتحتفظ ذاكرته بمحبة حتى اليوم برائحة ورق مجلة "ميكي"، التي كانت نسختها العربية في "القاهرة"، ويجلبها له شقيقه الأكبر كل خميس، كما أنه مولع أيضاً برسم تلك الشخصيات، حيث حاول أن يرسم قصصاً خاصة به على ذات النسق ونفس الشخصيات، وكانت هذه أولى الخطوات باتجاه الرسم غير الواقعي الذي يتقاطع كثيراً مع الكاريكاتور. كانت تجربته الاحترافية الأولى في صحيفة "البيرق" البيروتية، وكان أصغر رسام كاريكاتور في" لبنان" كما وصفه رئيس تحريرها، ونشر رسومه في الصحف والمجلات السورية في مرحلة الدراسة، كما أنه مارس النقد التشكيلي لبضع سنوات في صحيفة "الثورة"، واحترف الكاريكاتور في صحيفة "تشرين"، إضافة إلى امتلاكه اسماً مرموقاً في عالم الكاريكاتور، وتجربة ثرية ومتألقة تمتد على مساحة واسعة من الصحافة العربية، وعدّ وصوله إلى الجمهور غايته؛ وهذا دفعه للعودة إلى استخدام الكلمات على لسان أبطال رسوماته، أو في تقديم رسومه والتعليق عليها، على الرغم من أن رسوماته الكاريكاتورية الخالية من أي نصّ كتابي حققت نجاحاً كبيراً. هذا التوجه نحو الناس أثرى سيرته الإبداعية بالتجريب الذي لم يتوقف سواء على الشكل الذي ظلّ يتطور في منحى خطوط رشيقة وواثقة ومتماسكة، فقد عدّ الكاريكاتور موقفاً من الحياة بكل تفاصيلها، فقدم رسوماً عن السياسية والقضايا المحلية والاجتماعية وغيرها، إضافة إلى بعض القضايا الأخرى في المطبوعات المتخصصة».

من رسوماته بالأبيض والأسود

يذكر، أن "عبد الهادي شماع" من مواليد "حلب" عام 1954، مقيم في دمشق"، أقام 8 معارض فردية في "دمشق" و"حلب" و"براغ" و"صور" و"بيروت" و"عمان" ما بين عامي 1984-1996، ومعرضاً ثنائياً مع الفنان الشهيد "ناجي العلي" في "حلب"، وشارك بعدة معارض جماعية، وعمل في عدة صحف محلية وعالمية.