خلقت لوحاتها جدلاً حاداً في المجتمع الفني؛ من حيث تجسيدها لحالات الاضطهاد التي تتعرض لها المرأة، ونظرة المجتمع الدونية لمشكلاتها وحالاتها الاجتماعية والعاطفية والفكرية.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع الفنانة "عبير أحمد" بتاريخ 22 تشرين الأول 2018، لتحدثنا عن بداياتها، حيث قالت: «طفولتي حجر الأساس لكل حياتي وشغفي؛ فقد كانت مفعمة بالنشاط والحيوية، حيث كنت رائدة طليعية على مستوى القطر بالرسم والخط العربي؛ وهو ما أتاح لي المشاركة بالبعثات الخارجية، فسافرت في الصف السادس إلى "بلغاريا" لمشاركة أطفال العالم بشغفهم بالرسم، وقد كان لخالي "صلاح عقول" الذي كان معيداً في كلية الفنون الجميلة فضل كبير في توجيهي إلى الفن التشكيلي، حيث كان يأتيني بمواد الرسم لأنه شعر بعشقي له، فهو أستاذ طفولتي الأولى، وهو من جعلني شغوفة بالرسم والمادة والتشكيلات، أذكر أنني كنت أرسم تلك النساء القرويات ووجه جدتي، وتأثرت كثيراً برسوم الفنان "ممتاز البحرة"، وفي الإعدادية يعود الفضل في توجيهي إلى المدرّس "محمد وهيبي" الذي نصحني بالالتحاق بكلية الفنون الجميلة، إلا أنني -يا للأسف- لم أستطع التسجيل فيها على الرغم من نجاحي في مسابقتها؛ فقد خيرني أهلي بين فرعي الهندسة أو الاقتصاد؛ لذلك اخترت الدراسة في كلية الاقتصاد، والتحقت بعدها بمركز "أدهم إسماعيل" لتعليم الرسم».

الفنون بوجه عام تعبّر عن الحياة السائدة والثقافة الرائجة، وبرأيي الرسم ليس فقط حالة جمالية خالصة، إنما قد يكون محوراً لتغيير مفاهيم سائدة، فالفنان "غويا" رسم وحشية الحروب، و"بيكاسو" صور نساء "الجزائر" المناضلات، فاللوحة يجب أن تحرض على الفكر وتطرح وجهة نظر جديدة لهموم الإنسان ومشاعره وأحلامه

وحول علاقتها باللوحة، قالت: «أرسم يومين متواصلين أحياناً، وأنام بعدها يومين، أعشق الرسم ليلاً أكثر؛ فأنا طائر أعشق الهدوء مع الموسيقا، ثم أُقيّم ماذا فعلت في النهار. لم أجد نفسي بعد، فأنا في طور التجربة لمحاولة تشكيل الخط الخاص بي، وأحبّ المدرسة التعبيرية؛ فمجالها واسع وساحر مع حبي لكل المدارس التشكيلية، وعلاقتي بلوحتي وجدانية صافية؛ فهي تشبه حالة عشق خالصة، أحياناً أغرم بلوحة وأنا أرسم فلا أشعر بالزمان أو المكان، فالفنان مع كل لوحة يخلق ويولد من جديد».

صلب أنثى

أما حول رسالتها الفنية، فقالت: «الفنون بوجه عام تعبّر عن الحياة السائدة والثقافة الرائجة، وبرأيي الرسم ليس فقط حالة جمالية خالصة، إنما قد يكون محوراً لتغيير مفاهيم سائدة، فالفنان "غويا" رسم وحشية الحروب، و"بيكاسو" صور نساء "الجزائر" المناضلات، فاللوحة يجب أن تحرض على الفكر وتطرح وجهة نظر جديدة لهموم الإنسان ومشاعره وأحلامه».

أما حول علاقة لوحاتها بالمرأة، فقالت: «المرأة وهمومها وطلبها للحرية والانعتاق مصدر إلهامي وموضوعي؛ بما تحمله من مشاعر وهموم وطلب للحرية في تلك المجتمعات التي ما زالت تحاول أن تتطور، كل لوحاتي تحمل قصص نساء وتمجّد الأنثى؛ وهذا ما أثار نقداً للوحاتي، فأنا أجد أن نساء بلدي أحلامهن مذبوحة وطريقهن شائك وصعب، وعليهن النضال كثيراً لنيل حقوقهن الشخصية وحريتهن، فالمجتمع ذكوري بامتياز، ومعلّب وموضوع ضمن قوالب عتيقة؛ يهدم حرية المرأة ومشاعرها وحقوقها، فكل أنثى في لوحتي تجسّد حالة نسائية من الاضطهاد والتعذيب والقهر الذي يُمارس على المرأة، وكل لوحة رسالة إلى المجتمع كي يغيّر ثقافته ونظرته إلى الموضوع، وأنا أمارس دوري في الدفاع عن المرأة عبر تسليط الضوء على كل مشكلة بلوحاتي، لكن هناك من يجدها إباحية على الرغم من وضوح رسالتها».

اضطهاد

أما حول وجهة نظرها بالفن السوري، فقالت: «اللوحة السورية تناضل إلى الآن لتثبت وجودها، فالفنان السوري أصيل وعميق، وجذوره عمرها آلاف السنين؛ تبدأ من الحضارات القديمة الفينيقية والأوغاريتية والتدمرية إلى الآن، ويحمل بجيناته بذور الحضارة الأولى والفن الأول. تجارب فنانينا الحاليين كلها مُستقاة من تجارب أوروبية ومدارس أجنبية بعيدة عن حضارتنا وجذورنا، حيث إن المدّ الصحراوي والاحتلال الطويل ضيّع موروثنا الحقيقي؛ لذلك لم نتطوّر لنخلق مدارس فنية خاصة بنا، حيث نجد معظم فنانينا يتجهون إلى الغرب للمعرفة والتعلّم، باستثناءات قليلة حاولت محاكاة الانتماء والبيئة وخلق عالم فني خاص بتلك المعطيات، ويكاد "فاتح المدرّس" أن يكون الوحيد كأيقونة كبيرة لن تتكرر لا بالتشكيل ولا بضربات اللون، حيث تشرّب بيئته وواقعه وخلق عالماً خاصاً به مع الأخذ بالحداثة والتطور الفني الحاصل، وقد شاركت في خمسة معارض محلية جماعية، وأثنى عليها فنانون كبار، كالفنانين "نشأت الزعبي"، و"جبران هدايا"».

وتواصلت المدونة مع الفنان والناقد "أديب مخزوم" ليخبرنا عن عمل "عبير"، فقال: «أثارت لوحاتها ومواقفها ردّات فعل عنيفة ومتناقضة، وطرحت تساؤلات عديدة في معارضها المشتركة، وفي صفحتها على "الفيسبوك"، حين دفعت نفسها إلى المجاهرة بموضوع العاريات، بهدف إحداث الأثر المزلزل في خطوات تعبيرها عن موضوعها وعلاقته بالواقع العربي المرير ومعطيات الأسطورة، وفي الواقع لا يمكن التحدث عن لوحاتها من دون الرجوع إلى تجربتها في مجال الرسم، لأنها في هذه اللوحات، كانت ولا تزال تبحث عن لغة أخرى، تتحدى فيها قتامة النظرة السلبية للمجتمع العربي لهذا الموضوع، ويمكن اعتبارها الأكثر جرأة ومغامرة ومجاهرة في التعبير عن مواضيعها المثيرة للجدل والكلام والنقد اللاذع؛ لهذا بقيت هواجسها أسيرة أحلامها في مجتمعنا العربي الأكثر قساوة في انتقاداته واتهاماته الرافضة لكل مظاهر الانفلات من رواسب الزمن الغابر وتداعياته المتواصلة في حياتنا الراهنة من دون فواصل أو حدود».‏

الناقد والفنان التشكيلي أديب مخزوم

وتابع القول: «هي صريحة وواضحة وعفوية لا تنفصل لوحاتها عن مواقفها ومسيرتها التمردية، ويمكن أن يتحول العري في لوحاتها ومواقفها إلى رمز للأرض المسلوبة والمقهورة والمستباحة، وهذه ناحية قد تفرضها بقوة تداعيات المرحلة الراهنة المضغوطة إلى أقصى درجات المرارة واليأس والبؤس والاختناق، وعلى الصعيد الفني والتشكيلي، تجد في مواضيعها وألوانها وخطوطها حالتها التعبيرية الخاصة؛ حيث تُخضع العمل للعاطفة الداخلية، التي تعبّر عنها من خلال الحرية في وضع المادة اللونية، والحرية في تحريك الخط، وتحديد أماكن الضوء والظل داخل مساحة اللوحة، وهذه اللمسات تحقق إيقاعية بصرية شاعرية في المدى التصويري التعبيري، وتخرج اللوحة من إطار الصياغة الاستهلاكية والتأنق الصالوني المقروء في الأعمال التسجيلية التي يقع في شركها العديد من الفنانين من دون أن يكلفوا أنفسهم فرصة البحث الفني في اتجاه عصري ومتحرر، وفي لوحاتها ومواقفها تريد الفنانة "عبير" إسقاط الأقنعة وكشف الحقيقة؛ لذا تصدمنا منذ البداية في خروجها من كل قيد؛ فهي فنانة حرة، لكن ليس إلى الحدّ القادر على إثارة شكوك واتهامات، فهي أرادت التعبير عن مواقفها من خلال التركيز على رموز المرأة العارية، محققة مقولة رينوار: "لو لم يكن التناسب والتناسق والرشاقة في جسد المرأة، لما وجد الفنّ"».

بقي أن نذكر، أنّ الفنانة التشكيلية "عبير أحمد" من مواليد "دمشق"، وتعود أصولها إلى محافظة "طرطوس"، قرية "بحنين".