عشق النحت منذ نعومة أظفاره، فأبدعت أنامله منحوتات تعبيرية، جسدت منعكسات العوالم الداخلية للإنسان، وحملت في طياتها جمال الكتلة وقوة الفكرة بآن واحد، ليخط من خلالها أسلوبه الخاص الذي ميزه عن غيره من النحاتين.

لمعرفة المزيد عن تجربته الفنية في عالم النحت، مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 11 حزيران 2018، تواصلت مع النحات "حسام نصرة" ليحدثنا عن مسيرته، فقال: «للنحت متعته الخاصة التي بدأت معي منذ الصغر، فقد داعبت يداي الصلصال في مراحل حياتي الأولى؛ حيث كنت أشكل بيوتاً طينية عندما كنت أزور بيت جدي في بلدتي القابعة على بوابة البادية السورية "سلمية" أثناء العطلة الصيفية، من هذا المكان بدأت علاقتي تتفتح مع مادة الخلق الأولى؛ وبدأ إدراكي لمفهوم الكتلة والفراغ وتوازناتها، فانغرست هذه الأفكار والمفاهيم في وجداني، وأصبحت مع مرور الوقت هاجسي الذي رافقني طوال حياتي. كما استهوتني القطع الخشبية والحجرية والمعدنية منذ الصغر، فكنت ألتقطها وأجمعها لأستمتع بشكلها وتأثيرها بذاتي، إضافة إلى أنني كنت أجمع الكتل الصغيرة من كوم الرمل البحري الذي كان على طريق مدرستي عندما كنت في المرحلة الابتدائية، وأقوم بنحتها بأدواتي البدائية المتوفرة لدي، وقد لاقى أول تمثال نحته إعجاب معلمتي، حتى وضعته في خزانة الصف؛ وهو ما أعطاني ثقة بموهبتي ووضعتها بمسارها الصحيح، وخصوصاً أن ملكة الفن تخلق مع الإنسان بالفطرة، فالموهبة هي الأساس وشرط لإبداع الفنان وتميزه، وليس شرط أساسي صقلها بالدراسة الأكاديمية، فالتجربة والممارسة هي التي تصقل وتغني تجربة الفنان وتطور عمله وتبلوره، فالفن عبارة عن تجربة متراكمة من البحث المستمر عن الجديد والمختلف في التشكيل والخامات والتكنيك والثقافة، ويجب ألا تطغى أي منها على الأخرى، بل يجب أن تسير بالتوازي».

يعد "حسام" من النحاتين المتميزين الذين امتلكوا تجربة متميزة بالتشكيل المرتكز على التشخيص التعبيري، حيث بنى أشكاله النحتية على الحركة الملتوية لتنقل ما يدور بداخل العمل الفني من تعبير وحالات إيحائية ومعرفية تخرج إلى سطح المنحوتة لتصل إلى عين المتلقي عبر تحريضه لذاكرة المتأمل على استكشاف المنحوتة، وقراءة دلالاتها ومعانيها التعبيرية التي تنمي الثقافة البصرية لديه، ويضفي عليها إسقاط فكري للجمال الذي حوله وداخله، كأنها مرآة شديدة النقاء والدقة تتيح للمتلقي فرصة الاستمتاع بما يشاهده

وتابع عما توصل إليه خلال بحثه: «في نحتي أبحث دائماً عن الجديد والمختلف الذي ميز شخصيتي الفنية، وخلق بصمتي الخاصة، فكان الإنسان محور أعمالي النحتية باختلاجاته النفسية وحركات جسده وإيماءاتها ومدلولاتها، فاستهوتني حركاته بمنعكساته وعوالمه الداخلية، فكنت دائماً أبحث في كل المجالات من تشريح فني إلى مسرح إلى علم نفس وجمال، وغير ذلك من الاختصاصات التي تطور ملكتي النحتية، وتجسد ما يختلج في ذاتي من مشاعر وهواجس تعكس الرؤية البصرية بما تحمله من معاني وأفكار ورموز، لتخرج عملاً فنياً، ومزيجاً فكراً وفناً وإبداعاً بآن واحد. إضافة إلى أن المنحوتة تعد اختصاراً للمسرح أو مشهداً منه، لذلك من خلال منحوتاتي أحاول دائماً أن أمسرح العمل النحتي بإضافة بعض الخامات والتكوينات بمشهدية معينة حتى يغدو مشهداً من مسرحية العمل الفني بطلها الإنسان بأجمل صورة، إضافة إلى أن إخراج العمل النحتي يمنحه غنى وحياة ويوسع أفق المتلقي ويصبح أشبه بمشهد درامي يحمل من المعاني الكثير، فأعمل على تنويع الخامات قدر المستطاع حتى أخدم الفكرة الأساسية، فمن الطبيعي أن يتأثر الفنان بالفنانين الذين سبقوه والمدارس الفنية، لكن يجب ألا تلغى شخصيته وتفقده خصوصيته وبصمته الخاصة التي تعدّ هوية الفنان».

من أعماله النحتية

وعن العلاقة التي ربطته مع الجسد كتكوين وكتلة ومشاعر، أضاف: «بوصلة تكويناتي النحتية هي حركات الجسد الإنساني برموزه وأفكاره، وتختزل المنحوتة التي أعمل عليها الكثير من ثقافتي البصرية المخزونة في ذاكرتي من الصغر، إضافة إلى الاختلاجات النفسية والوجدانية والمشاعر المسيطرة علي بمراحل تنفيذ المنحوتة التي تبدأ بتشكيل مادة الطين التي أتحكم بتشكيلها، وتعدّ المرحلة الأولى من مراحل أعمال البرونز، ثم تأتي مرحلة القولبة ثم سكبها بالبرونز، فتتكون حالة تفاعل وعشق بيني وبينها، ويبدأ حوار متبادل حتى تظهر بشكلها النهائي، فهي بذلك مرآة لذاتي وذاكرتي. وتعد المنحوتة خلاصة ثقافة الفنان وتجربته الغنية واطلاعه على التجارب الفنية، فلكل عمل نحتي خامة مناسبة له من حيث قوة الخامة وتأثيرها التشكيلي من جهة، ومتانة الكتلة وديمومتها من جهة ثانية. وبالنسبة لخامة البرونز، فهي تعد من الخامات ذات التأثير الفعال في كينونة المنحوتة ككل، وتلعب دوراً قوياً وتفاعلياً على تكوين العمل النحتي».

وعن رسالته قال: «الفن بالنسبة لي يقابل الحياة ويكمل الطبيعية، ويعدّ مرآة المجتمع، وشكلاً من أشكال الوعي الاجتماعي وأثراً من آثاره، ولا بد أن يحمل في طياته رسالة الفنان، ورسالتي هي نشر الجمال والحب الموجود حولنا، وهناك من لا يراه، وهنا تكمن مهمة الفنان في إظهاره عبر أعماله الفنية للتخفيف من وطأة الحياة القاسية التي يعيشها الإنسان السوري بسبب الحرب، لذلك يجب أن يحمل العمل الفني مقداراً كبيراً من الجمال، إضافة إلى الفكرة التي يحملها كل عمل وحده من مشاعر الإنسان وعواطفه وحركات جسده التي أعبر عنها بصدق وإخلاص. تلك الرسالة التي أحمل همها بكل جوارحي وبكل أمانة، فالفن ثقافة حياة متكاملة لا يمكن تقسيمها، ومن خلال النحت أرى الحياة من منظاره».

منحوتة "المترقبة"

النحات "مصطفى علي" حدثنا عن تجربة الفنان "حسام نصرة" بالقول: «يعد "حسام" من النحاتين المتميزين الذين امتلكوا تجربة متميزة بالتشكيل المرتكز على التشخيص التعبيري، حيث بنى أشكاله النحتية على الحركة الملتوية لتنقل ما يدور بداخل العمل الفني من تعبير وحالات إيحائية ومعرفية تخرج إلى سطح المنحوتة لتصل إلى عين المتلقي عبر تحريضه لذاكرة المتأمل على استكشاف المنحوتة، وقراءة دلالاتها ومعانيها التعبيرية التي تنمي الثقافة البصرية لديه، ويضفي عليها إسقاط فكري للجمال الذي حوله وداخله، كأنها مرآة شديدة النقاء والدقة تتيح للمتلقي فرصة الاستمتاع بما يشاهده».

الجدير بالذكر، أن النحات "حسام نصرة" من مواليد "دمشق" عام 1978، وهو عضو اتحاد الفنانين التشكيليين، ولديه العديد من المشاركات الفنية، منها: معرض الفصول الخمسة عام 2009، ومعرض رباعي في الرواق العربي والمركز الثقافي بـ"جرمانا"، ومشاركة بمعارض جماعية في المركز الثقافي الروسي واتحاد الصحفيين، ومعرض "حالة حب وحبق"، ومعرض الخريف السنوي عام 2016، وهو مشارك دائم بمعرض الربيع السنوي، ومشاركة بمعارض "تحية للفنان ممتاز البحرة"، ومعرض "تحية للفنان زياد زكاري"، وحاز جائزة معرض الربيع للنحت عام 2015، وأعماله مقتناة من قبل وزارة "الثقافة السورية" والجهات الرسمية الأخرى، وخارج "سورية".

النحات"حسام نصرة" أثناء العمل