نشأ في بيئة كانت الدافع لتنمية موهبته الفنية، تميز بانتقاء ألوانه، فاللون عنده هو روح التصوير وحقيقته، والكائن الصادق الذي لا يقبل المراوغة، ترك بجدارة بصمته الخاصة على لوحاته، إلى جانب كتابته الشعر والعزف على بعض الآلات الموسيقية. يؤمن بأن العمل التطوعي ثقافة ضرورية لكل إنسان.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 12 كانون الأول 2017، التشكيلي والموهوب أدبياً وموسيقياً "محمد العلبي"، فتحدث عن نشأته وبداياته مع التشكيل: «نشأت في بيئة متوسطة الحال، أبي إنسان رائع كان خياطاً، يحب الجمال والفن، متسامح، متحرر، يرسم ويحب الأغاني والموسيقا والطبيعة، ويشجعنا على الفنون. بدايتي الفنية كانت وأنا طالب في الصف الخامس عندما قمت برسم لوحة عن الخريف، وقد حظيت بإعجاب معلمة الرسم كثيراً، ونلت العلامة التامة عليها، كنت أرسم بقلم الحبر الناشف الأزرق، وكل دفاتري وكتبي مرسوم عليها بالأزرق، وأذكر أنني رسمت على ورقة الأسئلة في امتحان الشهادة الإعدادية، في الصف التاسع التحقت بمركز "أدهم إسماعيل" للفنون التشكيلية وبدأت تعلم أصول الرسم بتشجيع من أهلي، إلى جانب المرحوم الخطاط "زهير زرزور"؛ فهو قريب لي، وما تحمله ذاكرتي أن أول لوحة زيتية رسمتها كنت طالباً في الصف العاشر، كانت لوحة خيالية فيها وجوه و"أبو الهول"، ومن قلة معرفتي مددت الألوان بالمازوت، وبقيت سنوات حتى جفّت».

التكريم ليس حفلاً أو شهادة أو درعاً، التكريم الحقيقي عندما يتعامل المسؤولون عن المؤسسات الثقافية مع المبدع بطريقة لائقة من دون الاستخفاف بجهد أحد، ممن يحاول في هذه الظروف الصعبة أن ينتج عملاً إبداعياً أو غيره، والعدل في التصنيف قمة التكريم

وعن طقوسه برسم اللوحة، يقول: «أحب التخطيط للعمل، أرسم كثيراً من الدراسات أثناء راحتي، لكنني عندما أعمل على لوحاتي أنسى كل الدراسات وأترك العنان لفطرتي. لا أحب أن يقاطعني أحد أثناء الرسم، أحياناً أسمع الموسيقا، في اليوم التالي لا يعجبني عملي، فأغيره تغييراً جذرياً، فالعمل الفني كائن آخر له متطلباته أيضاً. أحب من الألوان الأبيض والأسود والأزرق والأخضر، لكن نسبة اللون في العمل الفني هي التي تقرر ميول الفنان اللونية في تلك المرحلة، اللون هو الكائن الصادق لا يقبل المراوغة، وهو روح التصوير وحقيقته، كما أن الخط هيكل الشكل ومظهره، وحالة الفنان وإحساسه بالمحيط الزماني والمكاني هي التي تقرر صبغة الألوان التي يستخدمها. بعد تخرجي في كلية الفنون الجميلة اتسمت لوحاتي بالواقعية والتعبيرية، وكنت أكثر من اللون الأزق، ومنذ سبع سنوات بدأت أميل إلى لون واحد والأبيض والأسود، والمدرسة الرمزية، ربما هو تأثير الحرب على "سورية" في أعمالي».

محمد العلبي يرسم

ويضيف عن مشاركاته الفنية: «لدي العديد من المشاركات في المعارض داخل وخارج القطر، ومنها المعارض الجماعية في "بينالي" و"طهران" عام 2004، والملتقى الأول بدير "مار سركيس وباخوس" في "معلولا". ونحو 8 معارض فردية في "سورية"، والكثير من ورشات العمل، منها مع مركز "أدهم إسماعيل"، ومتحف "التت" في "لندن"، تنشط عملي الفني في بداية الأزمة السورية؛ وكنت بحاجة إلى التعبير، نفذت معرضاً في "دار الأوبرا" في "دمشق" عام 2015، وآخر ثنائياً مع الدكتور "عبد الكريم فرج" في المركز الوطني للفنون البصرية عام 2017، وملتقى المحبة والسلام عام 2017، ومعرضي الأخير كان في شهر تشرين الأول 2017 في المركز الثقافي البلغاري. بالتأكيد رسالتي من هذه المعارض محبة مدينتي وبلدي وتراثي الفني والحضاري».

ويقول عن التكريم: «التكريم ليس حفلاً أو شهادة أو درعاً، التكريم الحقيقي عندما يتعامل المسؤولون عن المؤسسات الثقافية مع المبدع بطريقة لائقة من دون الاستخفاف بجهد أحد، ممن يحاول في هذه الظروف الصعبة أن ينتج عملاً إبداعياً أو غيره، والعدل في التصنيف قمة التكريم».

يشارك بالعزف على إحدى الالات الموسيقية

وعن هواية الكتابة عنده، يقول: «لا أستطيع الحكم على ما أكتب بأنه شعر، لكنني أستند إلى مشاعري في كل ما أكتب، أحياناً الكتابة تلبي حاجتي في تفاصيل مشاعري تجاه الأشياء التي ربما تعجز اللوحة عن وصفها، ربما الكتابة تكثيف للصور، وقد تشتركان معاً هي واللوحة في صياغة أحلامي وآفاقي. أكتب عن الفن والمرأة والمجتمع، وأحياناً أكتب قراءة لوحة معينة لفنان أو قراءة للوحاتي بطريقة شاعرية».

وعن الموسيقا، يضيف: «أعدّ الموسيقا من أرقى الفنون، وهي ميزان الفنون والكون، وهي تدخل في كل شيء. عزفت في صغري على آلة "الأوكرديون"، وبعدها تعلمت على "الهارموني" وما زلت أعزف عليها إلى جانب بعض الآلات الأخرى، عزفي سماعي ولست بارعاً بالنوتة، ولست عازفاً محترفاً أو أكاديمياً، الموسيقا هي الساحر الذي يستطيع أن يأخذنا إلى عالم المستحيل، فهي تغير حياة الناس وتجعلها أقل قسوة، وتبث الأمل في وجودهم».

من شهادات التقدير الممنوحة له

ويختتم عن العمل التطوعي: «التطوع ثقافة، وأنا حيثما كنت يجب أن أقدم خبرتي وجهدي لأي إنسان يحتاج إليها، إنه الخير والحب والإحساس الحقيقي بالأشخاص وحاجاتهم، أتمنى أن أشارك بالكثير من النشاطات التطوعية إذا توفر لي الوقت. شاركت بمعارض وورشات عمل في "دمشق" و"السويداء" لطلاب كلية الفنون الجميلة مع "الأمانة السورية للتنمية"، وقمت بإعداد عدة معارض للأطفال والكبار، برأيي يجب أن يكون النشاط التطوعي ثقافة عامة عند الناس، وهذا يجعل المجتمع متكاتفاً ومحصناً من الأفكار الهدامة والمتطرفة التي تفتت المجتمعات».

عنه قال التشكيلي "إسماعيل نصرة": «"محمد العلبي" صديقي وأعتز بصداقته، أنا معجب به على الصعيدين الإنساني والفني، فنان متمكن وأكاديمي، لديه إحساس عالٍ، اختط لنفسه أسلوباً تجريدياً مملوءاً بالإشارات والرموز الخاصة به وبهواجسه، واستعان بمجموعة من الألوان التي تفي بغرضه التعبيري، الذي يخدم عمله الفني، ويستطيع من خلال تلك المجموعة اللونية والرموز والإشارات إيصال مقولته التي يريد قولها للمتلقي، أعماله تدعوك إلى المشاهدة أكثر من مرة، وفي كل مرة تجد فيها خطاباً تشكيلياً جديداً يذهب بنا إلى ما وراء اللون لمسافة كبيرة يلخص فيها همه وحزنه وفرحه ووطنه، مجدّ دؤوب، ودائماً يبحث عن الجديد».

وقالت التشكيلية "لينا المالكي": «تقشف في الألوان يغني الروح، وازدحام في الخطوط يأخذك إلى ممرات عدة، في كل منها منفذ لصفاء وسلم تبحر فيه مع اللوحة بخصوصية مطلقة، رحلة مع الذات ما بين تعبير وتجريد ومشاعر يخوضها المتلقي أمام اللوحة، صمت صاخب فيه ما يكفي من الموسيقا المتنوعة، هو ابن "دمشق" بحاراتها وسكينتها وجمالها وتنوعها وألوانها، لطالما استفزته المساحات البيضاء وحثته على الرسم والتعبير، مخلص في التعبير في كل مرحلة، ولا سيما عن ألم الحرب، باختلاف اللون والسماكات اللونية والتقنية والفراغات البيضاء ما بين الخط وسطح اللوحة في أعماله بمراحل عدة، وكأن روحه تجول باستمرار دائم لا يكل، لتترك بصمة على السطوح البيضاء تارة، وفي ذاكرة كل من عرفه وتحدث معه وتعلم منه تارة أخرى، بعطائه اللا متناهي، لا تكل إلى حد أنها تعشقت الموسيقا أيضاً، وتناغمت مع آلة "الهارمونيكا"، فهو فنان مصور وعازف».

يذكر أن "محمد العلبي" من مواليد "دمشق" عام 1971، يحمل إجازة ودبلوم دراسات عليا بالفنون الجميلة، قسم التصوير.