حبّه الدائم للبحث عن المختلف، وقدرته على ربط الفن بالحداثة باستخدام طريقة "الفوتو مونتاج"، استطاع إغناء المشهد التشكيلي السوري بتجربته الفريدة في مجال الفن البصري، وحصد العديد من الجوائز العربية والعالمية.

«الفنون البصرية هي مجموعة الفنون التي تهتم أساساً بإنتاج أعمال فنية تحتاج لتذوقها إلى الرؤية البصرية المحسوسة على اختلاف الوسائط المستخدمة في إنتاجها، فهي تمثّل قيم الجمال بالألفية الثالثة باعتبارها ستكون الأبجدية الجديدة للفنون كافة»؛ هذا ما بدأ به الدكتور والفنان التشكيلي "عبد الناصر ونوس" حديثه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 15 آب 2017، ويتابع الحديث عن مسيرته الفنية بالقول: «نشأت في بيئة تهوى الفن، فوالدي كان خطاطاً ملمّاً بأنواع الخطوط العربية، وإخوتي جميعهم مارسوا هواية الرسم وأحبوها، لكن لم يدخلوا مجاله، فمن خلال مشاهدتي نماذج مختلفة من الفنون نما عندي التذوق الجمالي والحسّ الفني؛ فكانت البداية بعمر العاشرة من خلال مشاركتي بمسابقة عالمية في "الهند" لرسومات الأطفال، وحصلت على الجائزة الأولى، وشاركت بعدها بعدة مسابقات داخل "سورية "وخارجها، وحصلت على جوائز متعددة، وقد طلب مني الرسم على واجهات المحال في الحيّ الذي أقطنه "حيّ المدارس" في "المزة"، حيث أصبحت جميع واجهاته من رسوماتي، هذا الشيء أعطاني ثقة بموهبتي، ودفعني إلى دخول كلية الفنون الجميلة لصقل موهبتي أكاديمياً».

الفنون البصرية هي مجموعة الفنون التي تهتم أساساً بإنتاج أعمال فنية تحتاج لتذوقها إلى الرؤية البصرية المحسوسة على اختلاف الوسائط المستخدمة في إنتاجها، فهي تمثّل قيم الجمال بالألفية الثالثة باعتبارها ستكون الأبجدية الجديدة للفنون كافة

ويضيف: «الصورة هي الذاكرة التي تبقى والذاكرة المستقبلية التي يستطيع الإنسان من خلالها أن يقرأ المستقبل من دون انتظار حدوثه، وذلك من خلال امتلاكه أدوات الحداثة (الميلتي ميديا)، وخصوصاً أن الفن حالة ثقافية ويحمل في طياته تراكم الإرث الثقافي، ولا بد أن يمتلك أدوات التطور التي تعدّ السلة لأشكال العلوم المختلفة؛ فقسم منه يصبح متحفياً، والآخر فلكلوراً؛ لذلك لا بد من التواؤم بين الإرث الثقافي والعلم الجديد لتقديم لوحة بأدوات جديدة تواكب العصر الجديد، وخصوصاً أن الصورة احتلت الصدارة كبديل عن لغات الاتصال الأخرى لما تتمتع به من قدرة في الوصول إلى المتلقي أينما وجد، أضف إلى أن الصورة الضوئية الثابتة والمتحركة تعدّ العنصر الأساسي في الإعلان المتعدد المهام والوظائف؛ لما تتمتع به من مصداقية وقدرة على مخاطبة المتلقين على اختلاف ثقافاتهم، وقدرتها الكبيرة على الإقناع والإحاطة بتفاصيل الحدث الذي تتناوله، لذلك قمت بتطبيق تقنية "الفوتو مونتاج"، وهي عبارة عن الربط بين أداتين حديثتين (الكاميرا وبرامج "السوفت وير"؛ أي برامج الغرافيك) في معظم أعمالي الفنية بهدف إغناء التشكيل والتعبير في الصورة الناتجة التي حملت في طياتها، إضافة إلى الرسم واللون والأشكال والرموز المختلفة المستخدمة في تحقيق المنتج الفني الإعلاني بإدخال الصورة الضوئية ضمن صورة أخرى، أو إدخال الرسم اليدوي إلى الصورة بواسطة البلورات السلبية والإيجابية (النيجاتيف والبوزتيف)، وقد تعززت هذه الطريقة باختراع الحاسوب الذي وضع بين أيدي مصممي الإعلانات والفنون المتعددة إمكانات تشكيلية بصرية هائلة وغير محدودة، وقد تجاوزت عالم المطبوعات إلى أفلام الكرتون والإعلانات المختلفة».

منارة دمشق

وعن "منارة دمشق" التي قام بتصميمها، يقول: «تعدّ عملاً فنياً وجمالياً يحاكي حالة إنسانية وشعبية؛ لكونها بنيت بهدف نشر ثقافة التطوع لدى الشباب السوريين، وهي نصب تذكاري حضاري وسط العاصمة "دمشق" للدلالة على عراقة المدينة وتنوع الحضارات والثقافات فيها، فكانت مؤلفة من سبع طبقات؛ كل طبقة مرتبطة بباب من أبواب "دمشق" السبعة. وكحالة معمارية بنيت على شكل مئذنة الجامع وعلى جوانبها أجراس الكنائس؛ بهدف نشر رسالة التآخي والتآلف بين أبناء المجتمع السوري على اختلاف أديانهم، وعلقت الأجراس بالأخشاب للدلالة على البيت الدمشقي، ولونت باللون الأبيض، وزخرفت بالزجاج الملون كـ"الكموني" والقرمزي الذي اخترعه الفينيقيون، والأزرق والأبيض والأخضر ليشكل لوحة فسيفسائية ساحرة تمثل المجتمع السوري بألوانه كافة لإيصال رسالة إلى العالم أجمع أن "دمشق" رمز الاختلاف والتنوع بالثقافات والحضارات العريقة منذ القديم وحتى يومنا هذا».

وعن حجر الأساس الذي صمّمه وافتتح به معرض "دمشق الدولي" عام 2003، قال: «يعدّ النصب عملاً فنياً أخذت جميع عناصره من قيم المجتمع السوري، فالبناء عبارة عن كتلة صخرية أخذت من مكان المعرض، ووضعت على قاعدة نحتية رخامية تمثل "الرغيف الآشوري"، وقد تم قص مربع وضعت داخله كرة قطرها 105سم مصنوعة من الزجاج الأزرق، وملبسة بالنحاس المزخرف، وقد ربطت بأدوات الحداثة، ففي الافتتاح الذي حضره السيد الرئيس "بشار الأسد" أشعلت الكرة فور وضع يده على "التابليت"، وتلتها إضاءة واجهة المعرض ونوافير الماء الملونة، فتلتها إضاءة الجناح السوري، وانسدال الأعلام، وعزف الفرقة الموسيقية، وقد كانت أول مرة تستخدم هذه الطريقة في "سورية"، فمع كل حركة يقوم بها المشاهد يتغير المشهد، وكأنه يعيش حالة من الحياة».

حجر الأساس الذي افتتح به معرض دمشق الدولي

أمين سرّ اتحاد نقابة الفنانين التشكيليين "أنور الرحبي"، قال عنه: «يعدّ د. "عبد الناصر ونوس" ظاهرة في عالم الإعلان، فقد قدم الإعلان بشكل مجازي؛ أي إنه يأخذ دور المقالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فكثير من أعماله هي أعمال تنافسية حقيقية لم تكن عبارة عن إعلان وقتي وآني، بل مثّلت حضوراً في غاية الأهمية، فهذا الحضور يأتي من ثقافته؛ لأنه متمكن من جميع الأدوات التي يقوم بتفعيلها في مساحات الملصق الإعلاني، إضافة إلى أن له سلوكاً درامياً بمعنى البصري في التشكيل السوري، فهو رسام متمكن من أدوات الإعلان الخطفية، ويظهر هذا التشكيل الجديد في الإعلان الذي يصممه».

يذكر أن د. "عبد الناصر ونوس" من مواليد "دمشق" عام 1959، حاصل على شهادة الدكتوراة من أكاديمية الفنون الروسية في مدينة "بطرسبورغ" عام 1992، وكان رئيس قسم الاتصالات البصرية في كلية الفنون الجميلة بـ"دمشق" عام 2007، ونائب عميد كلية الفنون الجميلة للشؤون العلمية عام 2010، وهو حالياً رئيس قسم التصميم الغرافيكي بالجامعة الدولية الخاصة للعلوم والتكنولوجيا. له العديد من المشاركات داخل "سورية" وخارجها، وحصل على العديد من الجوائز، منها: جائزة مسابقة العالم الإسلامي في "طهران" عام 2006، وجائزة "بينالي" الملصق العالمي لأكاديمية الفنون الإيرانية عام 2005، وعدة جوائز لاتحاد الفنانين التشكيليين في "روسيا البيضاء" و"لتيفيا" و"لاتفيا"، وجائزة مسابقة الملصق العالمي في "موسكو".

من أعماله