ببراعة استخدمت الأخضر الفيروزي إلى جانب الألوان النارية التي عبرت عن بركانها الداخلي، مجسّدة من خلال لوحاتها حالات التناقض التي تعيشها لتشكّل لوحتها العالم الخاص بها.

مدونة وطن "eSyria" التقت التشكيلية "رندة تفاحة" بتاريخ 5 تموز 2017، وعن بداياتها الفنية قالت: «نشأت في أسرة تقدّر الموهبة الفنية، حيث كان لوالدي أثر في تشجيعي على الرسم من خلال انتسابي إلى مركز "أدهم إسماعيل" بعمر مبكر، إلى جانب تدريباتي من خلال الدروس الخصوصية للرسم على يد التشكيلي الراحل "ميلاد الشايب"، لكنني لم أستمر بسبب زواجي وتأسيس عائلتي، لكن ذلك لم يبعدني عن الرسم، فكنت أحيط نفسي بالألوان والأوراق دائماً. إصراري وحبي الكبير للفن، أعادانني إليه في عمر متأخر لأنهل منه كما كنت أتمنى دائماً.

تتميز أعمالها بالرؤى الفنية التي تتوغل في أعماق الفكرة، من أجل استلهام مدلولات حسية إنسانية ذات علاقة وثيقة بالواقع والخيال معاً، تستخدم تقنية خاصة في لوحاتها، ساهمت بفعالية في إظهار أعمالها ضمن أشكال فنية متضامنة مع المدلولات الحسية، كما استخدمت المرأة كعنصر مكمل لجمالها، هي في حالة متجددة دائماً بفضل ما تتمتع به ريشتها من قدرة على الابتكار والتجديد في أفكارها ورؤاها، ومشاريعها التشكيلية التي تعمل فيها بصمت

ما تحمله ذاكرتي هو أنني بدأت أمسك قلم الرصاص والفحم، وأنا بعمر صغير في مرحلة المراهقة، قمت برسم شخصيات فنية أثرت بي في ذلك العمر، لكنها بقيت تجارب فردية خجولة، انطلاقتي الفنية بدأت عام 2013، حيث رغبت أن أعود إلى ما ملكني وملك عقلي وروحي؛ لأجعل منه وسيلة تجعل حياتي أكثر توازناً وإنسانية في فترة الحرب والموت المؤلم الذي أحاط بنا من كل جانب، وألقى بظلاله على كل زاوية من حياتنا، وأنا أمام اللوحة البيضاء أرغب بتشكيل لوحة جديدة أطلق العنان لريشتي من دون تفكير مسبق بما أنوي أن أشكّله، فتأخذني ريشتي إلى ما أحب وأفكر فيه، فأحياناً أرسم خطوطاً أحددها لحظة وقوفي أمام اللوحة، ومنها ينطلق العنان لتعبيري، وتنطلق من خطوطي الأساسية خطوطاً جديدة تخدم أفكاراً طارئة ورموزاً معينة تخدم الفكرة التي تبلورت على اللوحة، فاللوحة البيضاء لها سحر كبير؛ فهي تملكني، وأنا أملكها».

"يتأمرون ولكن"، من لوحاتها

وتتابع "رندة": «اللوحة هي النافذة التي أطل منها لأعبر عما يجول في نفسي، وعن حالات إنسانية يعيشها الإنسان في مراحل مختلفة من عمره، وهي النافذة التي تسمح لي أن أعبر عما بداخلي من دون قيود، تاركة من خلالها العنان للمتلقي ليسرح في فضائها ويتخيل حالات، ويكتب أشعاراً، فكم من لوحة تقرأ كالقصيدة الشعرية! تأخذني الألوان إلى ما أرتاح وأجد فيه ما يخدم الفكرة والموضوع، فأستخدم ألواناً تناسب الحالة النفسية التي أشعر بها أثناء تشكيل اللوحة، فتجدني أستخدم الألوان الباردة التي توحي لي بالسكينة والهدوء، كاللون الأخضر الفيروزي إلى جانب الألوان النارية المعبرة عن البركان في داخلي، هي ألواني الدالة على تلازم الهدوء بالضجيج والرفض، اللذين يكوّنان النفس البشرية بكل تناقضاتها، وجدت نفسي في المدرسة التعبيرية الرمزية، ففي لوحاتي فسحة كبيرة لأعبر من خلالها ومن خلال رموزي فيها عما أشعر وأرغب، موظفة أسلوبي الشخصي بما يحمل من مفردات خاصة بي تميزت بها إلى حدّ ما، كالشفافيات، والهوائيات، والخطوط المتفجرة، وطريقة توظيفي للون».

وتضيف عن علاقتها باللوحة: «عندما أسرح مع اللوحة إلى اللا نهاية، أغمض عيني لأعيش في الحالة إلى أبعد حدّ، وأسرح في مخيلتي معها، ولا أغمضها عنها، فأنا أحب أن أراها وأعيشها في كل لحظة، وأحياناً أحب أن أراقب لوحاتي لأيام لأجد فيها ومعها الراحة والهدوء. من يعرفني يراني في لوحاتي؛ فهي انعكاس تام لحالاتي بمختلف المراحل التي أمر بها، فهي تارة مرآة تعكس ما بداخلي، وتارة أخرى نافذة أطلّ من خلالها على عالمي الداخلي لأراه بوضوح أكثر، فأشعر معها بأنني أفهم عالمي أكثر.

من لوحاتها التشكيلية "لا أبالي"

أعدّ لوحاتي عالماً خاصاً بي أطلق من خلاله العنان للجمال، رسالتي من الفن بوجه عام خلق جواً من الجمال والإنسانية، وثقافة جديدة للأجيال القادمة بأن تجد الجمال وتلمسه وتراه بدلاً من رؤية الدمار والموت الذي يحاولون أن يجعلونا نعتاده، وبالتأكيد لا علاقة لعمر الفنان بقيمة اللوحة، فالإبداع لا يحدد بالعمر، فكم من طالب استطاع أن يتفوّق على أستاذه؛ بتصوره للأحداث وأساليبه التي يستخدمها في لوحاته».

عن مشاركاتها والتكريم تقول: «تنوعت مشاركاتي الفنية داخل وخارج القطر، عند اطلاعي على ثقافات متنوعة وأساليب ومدارس جديدة فإننا بذلك نتيح لأنفسنا الفرصة للتعرف إليها أكثر والنهل منها، إضافة إلى اكتساب صداقات جديدة لها الاهتمامات ذاتها، وقد تم تكريمي في عدة مشاركات، فالتكريم مسؤولية تحثني على تقديم الأجمل والأقوى دائماً، تمّ تكريمي في ثماني مناسبات ومعارض فنية، لكن أكثر شهادة تكريم حصلت عليها وأثرت بي جداً كانت الشهادة التي قدّمها لي مركز "رواسي فلسطين للثقافة والفنون"».

التشكيلي عبد المعطي أبو زيد

إلى جانب التشكيل لها اهتمامها بالتصميم، وعنه تقول: «أدير عملاً خاصاً في مجال تصميم الأزياء إلى جانب هوايتي الفنية، ففي المجالين لمسة فنية وفسحة جميلة ألجأ إليها عند الحاجة، فعند تشكيلي تصميماً جديداً أتمعن فيه تماماً كما أتمعن باللوحة التشكيلية، وأستمتع بالأوقات التي أقضيها في ورشتي تماماً كالتي أقضيها في مرسمي.

أحضّر حالياً لمعرضي الفردي الأول، الذي سأقدم فيه تجاربي الفنية بعد أن قدمت عدداً كبيراً من المشاركات الفنية في المعارض الوطنية والخاصة، كما أحضّر للاشتراك بالمعارض الصناعية التي ستقام في القطر؛ لأساهم في تدوير العجلة الاقتصادية فيه».

عنها قال التشكيلي "عبد المعطي أبو زيد": «تتميز أعمالها بالرؤى الفنية التي تتوغل في أعماق الفكرة، من أجل استلهام مدلولات حسية إنسانية ذات علاقة وثيقة بالواقع والخيال معاً، تستخدم تقنية خاصة في لوحاتها، ساهمت بفعالية في إظهار أعمالها ضمن أشكال فنية متضامنة مع المدلولات الحسية، كما استخدمت المرأة كعنصر مكمل لجمالها، هي في حالة متجددة دائماً بفضل ما تتمتع به ريشتها من قدرة على الابتكار والتجديد في أفكارها ورؤاها، ومشاريعها التشكيلية التي تعمل فيها بصمت».

وأضافت عنها التشكيلية "لينا رزق": «"رندة" فنانة مثابرة ومجتهدة، ودائمة التعلم والتطور، لا تتوانى عن بذل أي جهد لتثبت ذاتها وتكون لها بصمتها وحضورها الفني المميز في الساحة الفنية السورية، تحدّت كل الظروف وأصرّت على إثبات ذاتها وسط هذا الصخب الفني المتنوع في "سورية"، وهي تخطو خطوات جريئة في عالم الفن من خلال مشاركاتها المتعددة في المعارض الجماعية التي تقام في "سورية" وغيرها لتصعد درجات السلم الفني وتثبت وجودها المميز بين الفنانين الشباب في بيئتنا المعاصرة، دائماً تسعى إلى تجسيد ذاتها في لوحاتها، وتعبر عن مكنونات مشاعرها الصارخة، فأسلوبها الواقعي المباشر مع الشفافيات اللونية التي تعبر فيه عن مشاعرها الدفينة يصل إلى المتلقي بكل عذوبة وقوة، ألوانها هادئة وباردة، توشحها بشفافيات لونية توحي بفضاءات لونية ساحرة».

يذكر أنّ التشكيلية "رندة تفاحة" من مواليد "دمشق" عام 1969، تحمل إجازة بالآداب، قسم اللغة الفرنسية.