حاول التشكيلي "مهند عرابي" اللعب على الألوان وبها بعفوية، فرسم شغفه وعبثه واندفاعاته، مجسداً حالة عكست مرحلة يعيشها، حيث حوّل العمل إلى وسيلة تفريغ تعيد توازنه وهدوءه وشعوره بقيمته كإنسان.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع الفنان "مهند عرابي" في مكان إقامته في "دبي"، بتاريخ 13 شباط 2017، حيث تحدث عن بداياته الفنية بالقول: «بداياتي مع الرسم كأي طفل يمرح بالألوان ويسعد بها، كانت هي وسيلتي الأولى للتعبير والفرح إلى أن بدأت هذه الرسومات تلفت نظر من حولي من الأهل والمدرّسين.

تميّز "عرابي" بقدرته على محاكاة المواضيع التي يرسمها بشغف وتعبيرية خاصة. لرسوم الوجوه لديه حالتها السيكولوجية التي تحاكي معاناة الإنسان بكل مراحله العمرية وحالاته، وقد ترجم هذه المعاناة بألوان لها سمتها الخاصة، ومعالجة تقنية متفردة

لا أعلم على وجه الدقة متى كانت أول لوحة لي، لكني أذكر أنني كنت دائماً محاطاً بالأقلام والأوراق، أرسم فيها كل من حولي، وأستمتع بتجاور الألوان محاولاً نقل العالم المحيط بي إلى سطح الورقة البيضاء لأعبث بألوانه كما أشاء، في سن مبكرة تحول ذلك إلى موهبة وشغف، وبدأت أشارك في مسابقات المدرسة، وأسعد عندما أجد التقدير والاهتمام. ودائماً الموهبة بحاجة إلى رعاية ولو بالحد الأدنى من الاهتمام من الأهل أو المدرسة، حيث حظيت موهبتي باهتمام العائلة، وأذكر هدية والدي لي؛ وهي مجموعة من الألوان ودفتر كبير، إضافة إلى ابتسامة أمي وإخوتي عند مشاهدة ما أرسم، كانت ابتسامة أمي وراء حبي للرسم، حيث كانت تجمع أوراقي ورسوماتي وتريها للجيران، كانت تبتسم عندما ترى تفاعلهم مع رسوماتي، وكأنها تقوم بمعرض متنقل؛ وهذا دفعني إلى رسم المزيد لأرى تلك الابتسامة الجميلة».

من لوحاته

ويتابع عن دراسته للفن التشكيلي: «الفن يتملك الإنسان، ومن الصعب أن تكون فناناً، فأغلب الأحيان يختارك هو، ويتملك عقلك وروحك، ويتحول إلى شغف وأسلوب حياة ووسيلة لجعلك أكثر توازناً وإنسانية، لذا كان لا بد لي من أن أنقل هذا الشغف والحب للفن واللوحة بالدراسة الأكاديمية لتطويرها والبحث أكثر في خفاياه، محاولاً قدر المستطاع تملك أدواته، فكانت دراستي للفنون الجميلة بجامعة "دمشق"، وتخرّجت فيها عام 2000».

وعما يفكر به وهو يجول أمام اللوحة البيضاء، يقول: «دائماً للقماش الأبيض رهبة عظيمة، حيث نقف أمام عالم من الاحتمالات كأننا أمام مشوار حياة لا نعرف كيف يبدأ، وبماذا ينتهي، أبدأ هذا الحوار برشقة من الألوان أشاغب بها على هذا السطح، أستفزه، وألقي عليه التحية، وهنا نبدأ فتتحول اللوحة إلى مرآة لنا تارة، ونافذة نرى من خلالها العالم، أو عوالمنا الداخلية تارة أخرى، نعيش معاً، ونحتسي القهوة معاً، ونبادل بَعضنَا الحديث والحب والشجار، إلى أن يقرر أحدنا نهاية القصة وتنتهي اللوحة، في كثير من الأحيان تطلب مني هي التوقف، وتكون صاحبة القرار، وأحياناً يكون العكس، متعة الاكتشاف والمصادفة الموافقة للعمل أتعامل معها بكل ما هو محيط بي من ألوان وخامات ومواد إلى أن تنتهي وتتحول إلى خليط من الذكريات والمشاعر، وذاكرة مرسومة تجسّد كل شيء عشته خلالها. كان الإنسان والشكل المحرض الأساسي لعملي من خلال الوجوه والعيون والاحتمالات الكبيرة، هذا على مستوى الشكل. أما على مستوى التقنية، فالمحرض هو الطبيعة وانعكاسات الإضاءة على سطح الماء والدوائر المرسومة».

"معلقات" من لوحاته

ويعرّف الفنّ كما يراه بالقول: «هو التصور الجميل للأحداث والحياة بمختلف حالاتها، بقبحها وجمالها، بشراستها ولطفلها، هو بحثٌ عن الحقيقة، والنتاج الإبداعي الإنساني، ومرآة للتطور والإنسانية، هو فعل أخلاقي يربط المشاعر بالحقيقة، وبرأيي علاقة عمر الفنان بقيمة اللوحة هي علاقة إشكالية، وهي ليست بالضرورة صحيحة دائماً، فقيمة الإبداع لا تحدد بالعمر، وبالتأكيد إن خبرة الفنان وتاريخه مهم جداً، لكن قيمة الإبداع غير مرتبطة بالعمر، وأبعاد هذا الإبداع وقيمته غير مرتبطة بالتاريخ؛ فالكثيرون من الفنانين تفوقوا على أساتذتهم».

وعند سؤالنا له: متى يغمض الفنان عينيه للوحة، ومتى تغمض عينيها له؟ أجاب: «أن يغمض الفنان عينيه عن اللوحة كمن أغمض عينيه عن الحياة، عن ذاته، عن روحه، عن العالم، وحتى عندما أنهي عملي تبقى عيناي عليها كمن يراقب مولوده، فعندما نغمض أعيننا عن بعض أو أحدنا عن الآخر هذا يعني أن أحداً منا فارق الحياة.

التشكيلي موفق مخول

أتعامل مع الفن وكأنه مرآة للواقع، وتجسيد للحاضر، ومحرض أساسي لإعادة قيم الجمال والحسّ الإنساني والتفاعل الإيجابي مع المحيط، فباختلاف الأساليب يكمن الجمال والقيمة، وباختلاف الألوان يبرز جمالها، لذا أبحث دائماً أن تكون لوحتي محرضاً لقيم الجمال والحب والإنسان، ومرآة للواقع ومؤرخاً له».

ويتابع عن معارضه: «كان لي العديد من المشاركات العالمية في "ميامي"، و"نيويورك"، و"هونغ كونغ"، و"بكين"، و"لندن"، و"فرنسا"، والعديد من الدول العربية، لكن يبقى لأول معرض فردي أقيم في "دمشق" في غاليري "عشتار" عام 2004 قيمة وخصوصية مختلفة، وحالياً أعمل على معرضي الفردي القادم في "دبي"، كل هذه المشاركات أضافت الكثير إليّ كإنسان وفنان وشاب سوري، محاولاً من خلالها أن أحمل حضارتي وتاريخي في كل عمل ومشاركة فنية، لعلّني أضيف بعداً إيجابياً لنا في ظل كل هذا الألم الذي نعيشه، وأبحث عن نفسي، محاولاً أن أستعيد قوتي بعد كل فقد وحزن نعيشه».

وعن التكريمات التي حصل عليها، قال: «أول تكريم لي كان بعمر الحادية عشرة، حيث حزت الريادة على مستوى القطر بمجال الرسم، وتم إيفادي بمعسكر للمتفوقين لمدة شهر إلى "ألمانيا"، كما حصلت على الميدالية الفضية بمسابقة "سنكارا" العالمية لرسوم الأطفال بالهند، والجائزة الأولى بمعرض الشباب عام 2006، ومؤخراً تم اختياري في قائمة مجلة "فورن بوليسي" الأميركية من بين 100 شخصية مؤثرة في المجال الفني والثقافي عام 2014، إضافة إلى تكريمي من قبل بعض المحافل الأدبية والثقافية».

ويضيف عن هواياته وأوقات فراغه: «إلى جانب الفن والرسم، أحبّ الموسيقا والعزف والرياضة، وكلها وسائل للتعبير وتفريغ الشحنات السلبية التي نعيشها في بلاد المغترب، حيث يبقى الفرد رسولاً بأخلاقه وقيمه ونبله واحترامه. كفنان أحاول أن أعكس عمق حضارتي وتاريخ بلدي وقوته على الرغم من الألم الذي يعيشه حالياً، محاولاً أن أكون مثالاً إيجابياً لي ولغيري».

عنه قال التشكيلي "موفق مخول": «من الفنانين الشباب الذين استطاعوا بسرعة أن يصنعوا لهم لوحة بصرية خاصة، تميز بموهبته منذ طفولته، وقد كنت من مدرسيه وشعرت بذلك، استخدم الوجه في تكوين عمل تعبيري رائع باستخدام اللون الساحر المبسط المملوء بالدفء الإنساني، واستطاع أن يصنع حضوراً عربياً بأعماله اللطيفة غير المعقدة. تأثر بروحه الدمشقية ووظفها بأعماله الإنسانية، لوحاته تحمل حسّ الإبداع وصدق الطفولة».

وأضاف التشكيلي "وليد الآغا": «تميّز "عرابي" بقدرته على محاكاة المواضيع التي يرسمها بشغف وتعبيرية خاصة. لرسوم الوجوه لديه حالتها السيكولوجية التي تحاكي معاناة الإنسان بكل مراحله العمرية وحالاته، وقد ترجم هذه المعاناة بألوان لها سمتها الخاصة، ومعالجة تقنية متفردة».

يذكر أنّ التشكيلي "مهند عرابي" من مواليد "دمشق"، عام 1977.