امتشق ريشته وألوانه ومضى إلى عالم الغربة، يرسم بأسلوبه التعبيري وعبر إيقاع موسيقي وامرأة لوحات حازت العالمية، إنه التشكيلي السوري العالمي "سهيل بدور".

مدونة وطن "eSyria" التقته بتاريخ 20 أيلول 2014، فتحدث بالقول: «أنا ابن قرية بسيطة حمّلتني الكثير من ذاكرتها، فوضوي مشاغب في الحياة، فنان مجتهد أعتقد، حياتي الفنية بدأت من القرية بألعاب طفولية بسيطة جداً، ولم أكن أعلم أنها ستتواطأ مع الجد وأصبح فناناً تشكيلياً، أول شيء قمت بإنجازه نحت على الخشب لوجه يشبه وجه جدي، وما أذكره أنني حينما حملتُ العمل إلى "دمشق" وشاهده أحد الفنانين قال لي: "هذا عمل عظيم"، وهنا اكتشفت بالفعل أنني قادر على النحت.

على صعيد مشاهداتي وحضوري في البلدان العربية، للوحة العربية حضورها الآسر وتباع بأسعار وأرقام غير عادية، هي حاضرة ومازالت مرغوبة

نشأت في بيت فقير همه البحث عن يومياته، لم يكن تشجيعه لي بمعنى التشجيع، لكن لم يكن هناك رفض، ويمكنني القول إن والدي رحمه الله كان يحضر لي خشب الجوز والزيتون، وذات يوم سألني سؤال لطيف: "شو هادا الفن يا سهيل"، قلت الفن للتغيير، قال: "أُحضر لك قرمة الخشب وأنت تنحت بها، وأنا لا يتغير بي ذرة، فكيف الذي سيراها؟"، حقيقة أهلي استمتعوا عندما بدأت ألمع، وشعروا بأن الأمر مثمر قليلاً، في الحقيقة هو مثمر معنوياً إنما مادياً لم يكن الأمر يسيراً على الإطلاق، ولكن أعتقد أن رهاني كان على أن أبقى موجوداً».

أحد أعماله.

وعن إحساسه أمام اللوحة البيضاء والمرأة بعوالم لوحاته، يقول: «أنا حيادي جداً أمام المساحة البيضاء، فهي لا تحرك بي شيئاً، ولا تعني لي شيئاً، وولادة العمل عندي ليست سهلة على الإطلاق، المرأة هي أوسع مساحة للحب والرحمة، والسكينة والعطاء، هي المكان الأرحم لروحي».

عن تمييزه بين الطبيعة والفن وتعريفهما، يقول: «في الحقيقة لم أرسم الطبيعة كثيراً، آثرتُ العمل على فعل وأداء الإنسان وحضوره، لكنني بين الفينة والأخرى أخرج إلى الطبيعة وأرسم، فالطبيعة تقدم لي مساحة الطهارة، والفن هو حياتي، أن أعلن حضوري على هذا الزمن بلغتي الخاصة، هو فرشاتي وأصابعي، أدواتي».

من أعماله.

وعن العلاقة بين عمر الفنان وقيمة اللوحة، يقول: «أنا لا أريد لأعمالي أن يراها الأغبياء، العمل الفني نخبوي لا يقبل أنصاف وأرباع المتذوقين، الفن يلزمه علم ودراسة، وما أرجوه أن يبقى الفن نخبوياً حتى يحافظ على قيمته، لا أن نحمّله الكثير من الفلسفة، وبالتأكيد عندما نريد التحدث عن علاقة عمر الفنان بقيمة اللوحة، لا بد من القول: لا يمكن أن تنضج التجربة إلا بعد بحث وتجريب كبيرين، وكي يثمر البحث يلزمه زمن، لكن هنا سؤال يطرح بغاية الأهمية وهو: ما درجة إيمان الفنان بما ينتج؟ بنفس هذا القدر يستطيع أن يحقق حضوراً وإنتاجاً لما يريد، لذلك المهم أن تعرف التجربة، ولا تعرف إلا بثباتها وحضورها، وسوق الفن الآن لا يجامل أحداً على الإطلاق، وهو مرهون بأمرين: قيمة هذه التجربة وكم بُحثت وانشغل عليها، وذكاء الفنان في أن يقدم عملاً يباع، وهذا لا يعيبه لكن شرط ألا يكون على حساب القيمة الفنية، ولا على حساب مستوى العمل».

متى يغمض الفنان عينيه للوحة ومتى تغمض عينيها له؟ أجاب: «أغمض عيوني عند وجود شيء صعب مناله، وتغمض اللوحة عيونها عندما لا أحترمها جيداً، اللوحة في مرحلة ما أنا المسيطر عليها، لكن أحياناً تصل اللوحة إلى مرحلة الدكتاتورية، وهنا أمسحها ولا مجال لأن تمسكني اللوحة للمسار الخاص بها».

سهيل بدور مكرماً.

وعمّا أضافت له مشاركاته بالمعارض، يقول: «الفن التشكيلي هو فن بصري، إذاً يجب المشاهدة، ويمكنني القول إن تجربتي وصلت إلى هذا المكان لأنني أعرف الرؤية بشكل جيد وحالفني الحظ بأماكن كثيرة لأنني سافرت وشاهدت، وأصبح هناك مساقطة مباشرة بين بصري والعمل الآخر، بين تجارب الآخرين وبين كيفية فهمهم للفن ومعالجتهم له، زرت ما يزيد على 42 بلداً في العالم، حضرت وشاركتُ بالعديد من الملتقيات وورشات العمل الدولية، كلها أغنتني جيداً لفهم آلية اللوحة عموماً، وأصبح عندي قدراً من الخبرة يساعدني على أن أفكك شيئاً مما شاهدت وأستفيد منه».

ثنائية اللون والبرونز ظهرت واضحة في معارضه، وحولها يقول: «الحقيقة لا شيء يغنيني في الفن، على أن أبقى أنحت الخشب والحجر والبرونز، وهو تأليف، والتأليف عمل غاية في الصعوبة كي تصل لخلاصة نحتية مشاغبة جيدة جداً، أنا رجل أعتمد على الفراغات، ونحت البرونز بالنسبة لي أسهل، وباعتباري أعمل على موسيقا وامرأة فبعض معارضي أقدم فيها نحتاً وتصويراً».

وعن حضور اللوحة العربية يقول: «على صعيد مشاهداتي وحضوري في البلدان العربية، للوحة العربية حضورها الآسر وتباع بأسعار وأرقام غير عادية، هي حاضرة ومازالت مرغوبة».

وعن التكريم يقول: «التكريم يعني أنا موجود بشكل صحيح، عندما أكرّم أشعر بأنه يوجد أحد ما زال يحترم ما أقدم، هو شيء معنوي كبير لكن للأسف إننا نكرم خارج هذا الوطن، وأنا في الخارج قدمت الكثير لبلدي، أكثر مما أقدمه لبلدي وأنا هنا، أنا سوري، وأنا حاضر وسأبقى حاضراً ولا يستطيع أحد أن ينتزع محبتي لغبار هذا الوطن، كُرمت أو لم أكرم، ما أريد قوله في الختام هناك فنانون تشكيليون منهم من لا يمتلك ثمن خبز، أرجو من القلب وحتى لا يذهبوا إلى أماكن أخرى، أن ينظر إليهم المعنيون بوزارة الثقافة بعين الاهتمام».

وعنه قال التشكيلي "أنور الرحبي": «هو من الفنانين التشكيليين الحقيقيين في تناول مواضيعه، في أعماله ينشد دائماً تحديث أشكاله الآدمية من خلال تحريكها بملونات جمالية تدخل عقل المتلقي بسهولة، هو من الفنانين المجتهدين في مجال الحركة التشكيلية والعربية، "سهيل بدور" ورقة رابحة في التشكيل السوري».

وقال فيه الشاعر "ممدوح عدوان" يوماً: «كل شيء يقربك من "سهيل بدور"، حتى جنونه الجميل بالحياة، لعله يلتقطك من مفاصل مهمة حيث لا تغادره إلا وأنت مستلب لروحه وإشكاليته، يمسرح الحياة بشخوصه في النحت والتصوير، ويقدمها بقدرة عالية، هو جريء ومهم».

يذكر أن التشكيلي "سهيل بدور" كتب الشعر والقصة، له أربعة دواوين، منها: "شكل الحزن الآخر جسد للعبور"، وخمس قصص قصيرة، منها: "المفتاح، المرايا الأخيرة"، له مشاركاته بالمسرح لمدة عشرة أعوام، معارضه فاقت 70 معرضاً بين فردي ومشترك في دول عربية وأجنبية، أقام عدداً من الورشات الفنية الفردية والجماعية. عضو اتحاد الفنانين التشكيليين العرب، عضو تجمع الفنانين المحترفين لشرق آسيا، عضو جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، من مواليد 1957.