فكرة ولدت لكسر نمطية البناء وجعله يقترب أكثر من تضاد الطبيعة المحيطة به، يتعاقب لون البناء فيها بين داكن وفاتح كما يتعاقب الليل والنهار، في محاولة إعادة توازن بصرية أنتجت فيما بعد أنموذجاً جديداً في العمارة؛ كانت "سورية" مهداً له كعادتها لكونها مهداً لكل جديد.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 21 أيلول 2014، "أحمد الحموي" العامل في صناعة "الأبلق" الذي قال: «هي تسمية تطلق على مداميك الألوان المتناوبة، وهي الصفوف الحجرية الأفقية التي تتناوب فيها الألوان كالأسود والأبيض، أو الأحمر والأبيض، أو الأسود والأصفر، أو الأحمر والترابي، أو البني والترابي ونحوها، والبلق عند النحويين هو سواد وبياض في اللون، والتعامل مع حجر "الأبلق" متعب ويحتاج لدقة شديدة وصبر كبير من العامل عندما يعد كل حجر وينسق موقعه بطريقة هندسية متقنة، فهو عبارة عن تناوب الأحجار المختلفة الألوان، ويوضع بعضها فوق بعض بشكل أفقي، وعلى سبيل المثال: نبني جداراً بخط أفقي من الحجارة البيضاء، وتحته يمتد خط مبني من الحجارة السوداء أو الحمراء، وهكذا تتناوب الخطوط بشكل هندسي جمالي، فيأخذ المبنى منظراً جمالياً».

يشعرني العمل فيه بالسعادة والسرور، وعلى الرغم من صعوبة العمل معه إلا أنني أشعر بنوع من السعادة لأنني أصنع شيئاً مختلفاً عن باقي أبناء مهنتي، فأعمل في الأبنية التاريخية، وأجعل اسمي مرتبطاً بها، وأحاول أن أعيد لكل هذه الأبنية بعض ألقها، ومكانتها في مجتمعنا

ويضيف: «يعد "الأبلق" فناً بكل معنى الكلمة، فتناوب اللونين الداكن والفاتح يخفف إلى حد ما من ثقل كتلة الحجر المرصوفة بحانب بعضها بعضاً، لا بالوزن بل بالبصر، ولذلك جاءت فكرة البناء بحجر "الأبلق" كمطلب فني وليس كحاجة وظيفية، وبعد بناء الظاهر بيبرس قصر "الأبلق" في "دمشق"، انطلق هذا الفن المعماري وانتشر نحو مدن سورية أخرى، ولم يقتصر البناء بـ"الأبلق" على "سورية" وحدها، وإنما انتشر في مناطق أخرى، ولقد توقف البناء بـ"الأبلق"، واندثر في نهاية العصر العثماني، وما زالت أبنيته القائمة شاهداً على جمالياته ومهارات بنائيه القدامى، ومنها "خان أسعد باشا" في سوق "البزورية"، وجوامع قديمة كثيرة، منها: "الدقاق"، و"السنجقدار"، و"المعلق"، والمدرسة "الجقمقية"، والحمامات كحمام "التيروزي"».

الأبلق الأحمر والأصفر

ويتابع حديثه بالقول: «يشعرني العمل فيه بالسعادة والسرور، وعلى الرغم من صعوبة العمل معه إلا أنني أشعر بنوع من السعادة لأنني أصنع شيئاً مختلفاً عن باقي أبناء مهنتي، فأعمل في الأبنية التاريخية، وأجعل اسمي مرتبطاً بها، وأحاول أن أعيد لكل هذه الأبنية بعض ألقها، ومكانتها في مجتمعنا».

ويقول الدكتور "قتيبة الشهابي" في كتابه "زخارف العمارة الإسلامية في دمشق": «إن أفقية الخطوط المستخدمة في "الأبلق" تجعل الكتلة المعمارية تنساب عرضياً، حيث يبدو البناء أقل ارتفاعاً وأكثر عرضاً، إضافة إلى تميزه عن الأبنية المجاورة أو المحيطة به، وإن عمارة العهد المملوكي تميزت بالفن الزخرفي وتنوع أشكاله وتكويناته، فظهرت المداميك الحجرية ذات الألوان المتناوبة المعروفة بـ"الأبلق"، التي أطلقت كمصطلح لغوي عربي فصيح من كلمة "بلق"، التي تعني السواد والبياض في اللون، ولكن فيما بعد تغير هذا النمط مع المحافظة على الاسم، ولم يعد يعتمد على اللونين الأبيض والأسود فحسب، بل صار "الأبلق" تسمية تطلق على نسق في الصفوف الحجرية الأفقية؛ حيث تتناوب الألوان التي باتت تضم إلى جانب اللونين الأبيض والأسود، الأحمر والأصفر والترابي أو البني، وغير ذلك».

الأبلق يزين جدران خان أسعد باشا

الباحث التاريخي "محمد" قال: «هذا الفن المعماري انطلق من "دمشق" وانتشر لاحقاً في غيرها من المدن، وكان أول بناء يشاد به هو "قصر الأبلق"، الذي بناه القائد المملوكي "الظاهر بيبرس" على ضفاف نهر بردى، مكان مباني التكية السليمانية حالياً، ومن ثم انتشر هذا النمط المعماري في الأبنية اللاحقة حتى أوائل القرن العشرين المنصرم ونهاية العصر العثماني، عندما بدأ دخول أنماط العمارة الأوروبية إلى المدن السورية».

ألوان حجر الأبلق