صقلت شخصيته نتيجة الحياة الشاقة التي عاشها، عمل كبقال ونجار وحداد، ويقال إنه لم يترك مهنة إلا وعمل بها، جعله هذا ينطلق في فنه من واقع الناس ويعبر في مونولوجاته عن مشكلاتهم، رائد المونولوج السوري، احترف التنجيد كمهنة وأحبها واطلع من خلالها على قصص الناس ليدونها فيما بعد مسرحيات فكاهية.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 21 أيلول 2014، الحاج "فياض شعبان" أحد سكان "المزة"؛ الذي عاصر "حكمت محسن"، يقول: «بدأت انطلاقة "محسن" الفنية مع افتتاح الإذاعة الوطنية السورية بعد الاستقلال، فكان من أوائل العاملين فيها، إذ بدأ تقديم التمثيليات الإذاعية التي كان يكتبها ويخرجها ويمثل فيها، واشتهر بالشخصية الشعبية "أبو رشدي"، إلى جانب "فهد كعيكاتي" بشخصية "أبو فهمي"، و"أنور البابا" بشخصية "أم كامل"، ثم انضم إليهم "تيسير السعدي"، وكانت هذه التمثيليات تعالج القضايا الاجتماعية، ولكن بأسلوب شعبي قريب من عامة الناس، ومع افتتاح التلفزيون عام 1960، بدأ تقديم التمثيليات التلفزيونية على الشاشة الصغيرة، تميّز "حكمت محسن" بقدرته الهائلة -على الرغم من نزقه- على التّعامل مع النّاس، وتسليتهم، وإسعادهم وتقديم المتعة والفائدة، فكان رائد المونولوجات، المسرح، الإذاعة والتلفزيون».

لم يترك "محسن" عملاً إلا وقام به، فعمل كأجير عند البقّال، والخضري، والكوّا، والحلاّق، والحدّاد، والنّجار، والخيّاط، ولم ترق له إلا مهنة التّنجيد، فأحسن التّعامل مع كافّة أنماط النّاس، وتعرّف طبائعهم وأحاديثهم وأساليب حياتهم، وقصصهم وحكاياهم الشّعبية، فكان يدوّنها لتكون أساساً لمسرحيّات فكاهيّة

ويضيف: «لم يترك "محسن" عملاً إلا وقام به، فعمل كأجير عند البقّال، والخضري، والكوّا، والحلاّق، والحدّاد، والنّجار، والخيّاط، ولم ترق له إلا مهنة التّنجيد، فأحسن التّعامل مع كافّة أنماط النّاس، وتعرّف طبائعهم وأحاديثهم وأساليب حياتهم، وقصصهم وحكاياهم الشّعبية، فكان يدوّنها لتكون أساساً لمسرحيّات فكاهيّة»

الباحث أحمد بوبس

وأشار الباحث "أحمد بوبس" في الموسوعة العربية بالقول: «وُلد "حكمت محسن" عام 1910 في "اسطنبول" لأب وأم سوريين، استقر في "دمشق" بعد أن انخرط والده في الجيش العثماني وفُقد في حرب "السفر برلك"، في سن الرابعة عشرة من عمره، شاهد "حكمت محسن" عروض فرقة أمين عطا الله المصرية في دمشق، فأحب فن التمثيل، وانضم إلى الفرقة في عروضها في "سورية" و"لبنان"، وبعد عودة الفرقة إلى "مصر"، قام "حكمت محسن" مع لفيف من أصدقائه بتشكيل فرقة تمثيلية، بدأت بتقديم التمثيليات في بعـض البيوت الدمشـقية الكبيرة، كما كانت تقدم الأغاني والمونولوجات الناقدة، وبسرعة استقطبت الفرقة جمهوراً كبيراً، وكانت المونولوجات التي كتب كلماتها تهاجم الاستعمار الفرنسي، ثم انتقل مع فرقته ليقدم عروضه على المسارح، ومنها مسرح العباسية الذي كان أكبر مسارح "دمشق" وقتئذٍ، وأثناء ذلك اطلع على المسرحيات العالمية المترجمة؛ ليتعرف منها أصول الكتابة المسرحية».

ويضيف: «استمر "حكمت محسن" في عمله في إذاعة "دمشق" حتى عام 1964، ثـم نقل إلى وزارة الثقافة للاستفادة من خبرته في مجال المسرح، وسعى إلى تأسيس مسرح شعبي تقدّم فيه المسرحيات باللهجة العامية، إلى جانب المسرح القومي الذي يقدم مسرحياته باللغة الفصيحة، إلا أن جهوده ذهبت سدى بسبب مواقف بعض أنصار الفصحى ضده، فانكفأ على نفسه. وفي عام 1966 أصيب بالشلل، وبقي طريح الفراش حتى وافته المنية، وقبل رحيله منحه المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب جائزة الدولة التشجيعية».

فهد كعيكاتي بشخصية أبو فهمي.

ويقول الأستاذ "أكرم العلبي" في كتابه "ظرفاء من دمشق": «إن المأساة التي عاشها "أبو خليل القباني" أوائل القرن التاسع عشر، عندما حاول أن يقدم أعمالاً مسرحية في "دمشق" عن حالة التخلف الفكري الذي عاشه الناس في تلك الفترة، والمغادرة والسفر إلى مصر، قد تكررت مع "حكمت محسن"؛ حيث إن عرضاً كان مقرراً أن تقدمه فرقته على مسرح العباسية إلا أنه فشل لأسباب فنية بل يمكن القول اجتماعية، وتركت الحادثة أكبر الأثر على "حكمت محسن"، إذ إنه بقي مغمياً عليه أياماً، وقرر اعتزال الفن والعودة إلى مهنته الأولى في تنجيد الكراسي ومن جانب آخر أسس نقابة للمنجدين والنجارين.‏

وبين أستاذ اللغة العربية "محمد الحمود" بالقول: «يعتبر "حكمت محسن" بحق رائد فن الدراما في "سـورية"، كان فناناً متعدد المواهب، خاض غمار التمثيل والإخراج والكتابة الدرامية، ونظم الزجل، رضع "حكمت محسن" الفن من أمّه "خيريّة"، تلك المحدّثة البارعة، التي كانت تصحبه إلى حفلات الاستقبال، وتتنصّت على الحكواتي في مقهى مصلبة العمارة بـ"دمشق"، ثم تحكي بالسّهرة لابنها ما سمعت، فكانت معلّمه الأول، قدَّم عبر مسيرته الفنية كثيراً من المسرحيات الشعبية، من أهمها: مسرحية "صابر أفندي" عام 1958، ومثّل الدور الأول فيها "عبد اللطيف فتحي"، كما قدَّم الكثير من المسلسلات والتمثيليات الإذاعية، منها: "أبو رشدي"، و"بيت للآجار"، و"يا آخد القرد على ماله"، و"مرايا الشام"، كما كتب كلمات كثير من الأغنيات، وكانت آخر كتاباته التمثيلية "مأوى العجزة" التي كتب منها حلقة واحدة، لكنه لم يتمكن من إكمالها بسبب اشتداد المرض عليه ومن ثم رحيله عام 1968م».