موسيقي سوري يشق طريقه في المغترب محاولاً صناعة فارق في عالم الموسيقا الغربية بتطعيمها بموسيقا الشرق، حقق حلم والده فكان موسيقياً مختلفاً يكتب ببراعة اللغة الأولى للإنسان.

ولد الفنان "جان تمزجيان" عام /1975/ في "دمشق" لعائلة سورية من أصول أرمنية، والده الإعلامي الموسيقي الراحل "فاهية تمزجيان" أشهر من قدم برنامجاً موسيقاً في العالم العربي.

بقدر ما تبدو موسيقا "موزارت" بسيطة بقدر ما يكمن وراءها "معلمية" حقيقية، فـ"موزارت" لديه تأثيرات شرقية إلى حد ما وتظهر في الرتم الموسيقي له

الحلم الذي لم يتمكن الوالد من تحقيقه عمل على تحقيقه ولده فكان قبوله بعد الثانوية في المعهد العالي للموسيقا بتقديمه عملين من تأليفه هما: "دراسة على مقام مي الصغير" و"ارتجالات شرقية" للبيانو وقد لفت العملان الأنظار إليه كموسيقي واعد.

تحدث الموسيقي "جان تمزجيان" لمدونة وطن "eSyria" في حديث بتاريخ 5 تشرين الثاني 2013 وأشار إلى أن دراسته في المعهد في صف "فلاديمير زارتسكي" تمثّل مرحلة تطور فنّي في تجربته التي أوصلته إلى الجائزة الرابعة إضافة إلى جائزة خاصة لأدائه المتميز لموسيقا الموسيقي "شوبان" في مسابقة "أنطون روبنشتاين" التي جرت سنة /1997/ في موسكو (روسيا) أي قبل عام من انتهاء دراسته.

ويؤكد الفنان "تمزجيان" إلى أنه كمؤلف موسيقي "علم نفسه بنفسه" وقد تأثر في حياته الدراسية بشخصين كان لهما بالغ الأثر في توجهه الموسيقي اللاحق، هما: الموسيقي الراحل "ضياء السكري"، والموسيقار الراحل "صلحي الوادي" مؤسسا المعهد العالي للموسيقا، اللذان علماه -كما يقول- فهم الموسيقا من داخل روحها، ودفعاه إلى احترافها بعد أن قضى شطراً من حياته كمساعد مهندس يعمل في الإلكترونيات حيث قرر متابعة دراسته الموسيقية في فرنسا.

حصل عام /1999/ على منحة دراسية من الحكومة الفرنسية ودرس في كونسرفاتوار "ليون" لمدّة سنة في صف "هيرفيه بيّوه" بغية استكمال تقنيته في العزف، وقد كان ميله إلى التأليف الموسيقي خلال هذه الفترة جعله يتّجه نحو التعمّق في معرفته الموسيقية وظهرت ثمار هذا الجهد في أعماله الموسيقية التي يتراوح أسلوبها بين رومانسية القرن التاسع عشر وحداثة القرن العشرين: "فالس أرمني" كمان وبيانو /1996/ و"مطر" كلارينيت وبيانو /1998/.

دراسته في فرنسا تمثّل مرحلة من البحث والتساؤل الفنّي والجمالي وبحثه عن التلاقي بين الموسيقا الغربية والشرقية يُرى بوضوح في أعمال هذه الفترة: "حركة بطيئة" لكلارينيت، كمان أوسط (آلتو) وبيانو /2000/، "طيران نحو الجنون" لسداسي نحاسيات /2005/ وعمله الأوّل للأوركسترا "جولة في الحارات العتيقة" /2006/ التي تختتم مرحلته الدراسية في فرنسا.

عن هذه الفترة تحدث الموسيقي "تمزجيان" وقال: «اشتغلت على رباعي وتري متتالية نفذت من عدة حركات وتقنيات تداخلت فيها تيارات موسيقية معاصرة كتيار "المينماريس" حيث تقلل العناصر الموسيقية ولكن ينفذ بها أكبر شكل موسيقي، هناك قطع رومانسية مبنية على مزاج القرن التاسع عشر حيث مثالية الطبيعة وفيها تيارات نبيلة مستمدة الروح من نمط "باخ وبيتهوفن"».

ولأن الموسيقا فن عالمي فلا بد من التأثر والتطعيم من عالمها، فقد تعلم الفنان "تمزجيان" من موسيقا: "باخ، وبيتهوفن، وفرانز" من موسيقيي القرن التاسع عشر، ليبقى "موزارت" سيد البيانو معلماً أبدياً، حيث قال عنه: «بقدر ما تبدو موسيقا "موزارت" بسيطة بقدر ما يكمن وراءها "معلمية" حقيقية، فـ"موزارت" لديه تأثيرات شرقية إلى حد ما وتظهر في الرتم الموسيقي له».

بين موسيقا الشرق وموسيقا الغرب هناك الإنسان، ويبدو الفصل بينهما أشبه بفصل الزيت عن وجه الماء، فقد تعلم الموسيقي "تمزجيان" العود مبكراً وقال عن ذلك: «تعلمت العزف على العود كي يدخل في خفايا الموسيقا الشرقية، وتعلمت فنون المدرسة الشامية على أصولها في العزف، وانفتحت على التراث الموسيقي السوري امتداداً لتجربة "نوري إسكندر" وآخرين، وعملية الخلط مع الموسيقا الغربية تعتمد على دمج المقامات كما فعلت في "قصيدة الشرق " مع الأوركسترا الوطنية -لم تعزف حتى الآن في "سورية"- مبنية على لحن "كلارينيت" ثقيل وبنفس الوقت متقاطعة مع مقامات شرقية مثل الرست أو ما نسميه "تشيلو" مقام رست».

وتابع: «إننا نخطئ حين نتحدث عن الموسيقا ككيان خارجي مرتبط بنخبة المجتمع، فالموسيقا قبل أن تكون ظاهرة إبداعية هي ظاهرة اجتماعية واقتصادية وإنسانية، أي تخضع كغيرها إلى المؤثرات المحيطة كالعولمة مثلاً».

فقد جرى استهلاك الموسيقى كسلعة مثل باقي الجوانب الإبداعية الإنسانية، وإن كنا نتحدث عن عقدة الموسيقا لدى عموم الناس فهذا أمر طبيعي متشابه لدى كثيرين من الناس في مناطق العالم المختلفة، وأضاف: «في فرنسا هناك موسيقا شعبية (غناء شعبي وتقليدي وآخر نخبوي)، في أميركا هناك موسيقا ينتجها الأغنياء وأخرى ينتجها الفقراء كالروك والجاز وغيرها، هذا التنوع أمر صحي وطبيعي، وإذا أردنا ربط الموسيقا مع الناس لدينا يجب أن نعمل على تقارب بين العمل التقني والعلوم الموسيقية ونربطها مع المنتوج الشعبي الموسيقي».

وأنهى حديثه بالقول: «في "سورية" لدينا جيل من المؤلفين الموسيقيين مثل: "صلحي الوادي، نوري إسكندر، ضياء السكري" كمؤسسين، ولدينا جيل ثان من المؤلفين كـ"زين جبري" و"شفيع بدر الدين"، هؤلاء دليل على حيوية الموسيقا السورية وتفردها في العالم، ونحن الجيل الجديد نحاول أن نصنع علاقة جيدة مع الموسيقا ومع المستمع بالتوازي عموماً، بعد تركي للمعهد سنة /99/ اكتشفت جيلاً جديداً من الموسيقيين كانت لهم علاقة مع موسيقا الروب والروك مثل: "كنان العظمة" و"ديمة أورشو" أيضاً».

ثم أضاف: «إن مجتمعنا يتقبل الموسيقا وله قيوده ومعاييره في تقبل الموسيقا ولدينا حساسيات جمالية عالية، كما أن الناس المحافظين دينياً يفضلون الموسيقا الدينية، في الأوساط الشعبية يفضل الغناء الشعبي الممارس في الحياة اليومية، ولدينا أناس يتمرنون للقيام بحفلات تتعامل مع الموسيقا الغربية».

الموسيقي السوري المهاجر "إياد حيمور" قال عنه: «إن تجربة "جان تمزجيان" بنيت على تقاطعات مع الثقافة الموسيقية السورية، أي إنها تجمع ممارسة موسيقية بين الغرب والشرق وتعتبر اليوم نهجاً عالمياً».

يشار إلى أن الموسيقي "جان تمزجيان" مازال في عمله التدريسي والدراسي للحصول على لقب "ماستر" ، ويتمنى أن يعود إلى الوطن لتعزف موسيقاه من قبل عازفي "سورية" وهذا -كما يقول- أكبر أحلامه فـ"سورية" هي أول بلد دونت فيه قطعة موسيقية في التاريخ.