شكل الحرف العربي إلهاماً للعديد من الفنانين التشكيليين ليتحول مع مرور الوقت إلى اتجاه فني، قدم الفنانون من خلاله تجاربهم الغنية والمتنوعة، كتنوع رؤاهم الفنية.

الفنان "محمد غنوم" ذكر لمدونة وطن "eSyria": «إن انتشار الحروفية ليس رداً على الهيمنة والسيطرة الغربية، بقدر ما أن الفنانين وجدوا مفردات سهلة بين أيديهم وجميلة، فعملوا بهذا الاتجاه ووجدوا أنه ابن بيتهم، خاصة أن الغرب احترم هذه المفردة التشكيلية عندما قدمت إليه، لكونها تعبر عن هوية شعوب أخرى، واللوحة الحروفية الأصيلة والعميقة لا تشبه اللوحات الأخرى، إنما تشبه هوية الفنان العربي الذي وجد رواجاً ومؤيدين في العالم، حيث استفادت الحروفية من الفنون والاتجاهات الحديثة بالفن، فالتقنية مستوردة من الغرب، لكن الفكرة غير مستوردة وهذا أمر طبيعي، لأن غاية الحروفية إنشاء فن عربي أصيل يحمل هوية وهموم وقضايا العصر».

البعض ممن ينتقدون استخدام الحرف يقولون إنهم "تقولبوا" في هذا الموضوع وهذا غير صحيح، فهناك الكثير من الفنانين اشتغلوا على موضوع واحد، لكنهم قدموه برؤى مختلفة ولغة بصرية جديدة لها بحثها التقني الخاص بها وهذا ليس سلبياً

وأضاف "غنوم" بالقول: «إن استخدام التجارب الحروفية والعبارات الدينية، يعود إلى أسباب موضوعية، فالخط العربي حرف جميل وله مكانة عالية، لأن القرآن الكريم نزل باللغة العربية، وعندما يرسم الفنان لوحات فيها آيات قرآنية فهذا يضفي نوعاً من القداسة، لكن لا يعني ذلك أن التجارب التي اعتمدت على العبارات الدينية كانت موفقة بجميعها، خاصة أن التركيز على رسم هذا النوع من العبارات ينتشر بمنطقة الخليج لأهداف تجارية بحتة، وبما أن آية كريمة أو عبارة دينية ما موجودة في اللوحة فإنها ستباع بسهولة، وهذا لا ينطبق على الجميع إذ يوجد من عمل بجدية.

الفنان "محمد غنوم"

الحروفية لم تدخل بعمق العقائد الدينية والإيديولوجيات، ولم تأخذ دورها الحقيقي، فمازالت تطرق الباب باستحياء، خاصة أن هذه الحركة التشكيلية لم تحظ بإقبال جماهيري، نتيجة ظروف ومعطيات معينة».

وتابع: «إن الاهتمام بفن الخط العربي موجود منذ قبل الإسلام، لكن كتابة القرآن الكريم والإسلام أديا لخلق حالة جديدة، حيث أصبح الاهتمام به واضحاً أكثر، وصار يكتب الخط بشكل جميل، ومن هنا فإن الاهتمام بالخط قديم منذ /1400/ سنة إلى يومنا هذا، حيث حظي برعاية كبيرة طبقاً للمرحلة التاريخية، وكلها تصب بمنحى الاهتمام بالخط العربي».

الفنان جمال بوستان

أما حول ظهور اتجاه الاهتمام بالخط في اللوحة التشكيلية فأشار "غنوم" إلى أنه بدأ عقب الحرب العالمية الثانية، منذ حوالي /60/ – /70/ عاماً من قبل بعض الفنانين العرب الموجودين بأوروبا، خاصة من الفنانين العراقيين المقيمين بالغرب مثل "جميل حمودي" و"مديحة عمر"، ودفعهم إلى ذلك حرصهم على ألا تتماهى شخصيتهم بالثقافة الغربية، حيث وجدوا في مفردة الخط العربي نوعاً من رد الفعل لامتلاك خصوصية معينة، وعقب الحرب العالمية الثانية اهتم العراق بهذا النوع من الفن التشكيلي، والمغرب العربي والسودان إلى جانب سورية ولبنان والأردن، حتى وصل الأمر لعدم خلو أي بلد عربي من الحروفيين.

وعن الفنانين الرواد بهذا الاتجاه الفني في سورية قال: «إن "محمود حماد" و"عبد القادر أرناؤوط" وغيرهما كانوا رواد هذا الاتجاه، حيث عملوا على الحرف مبكراً، والآن هناك من يبني النحت على الحرف كالفنان "سامي برهان"، إذ عمل بعض المنحوتات على البناء المعماري للخط العربي، فالاستخدامات للحرف في الفن التشكيلي ليست قديمة، بل تعود إلى أقل من مئة عام مضت».

الفنان وليد الآغا

بدوره الفنان "جمال بوستان" رأى: «إن تجربة التشكيل في الخط العربي قديمة، حيث مضى عليها ما يزيد على نصف قرن، وقد أغنى هذا التيار الذي أطلق عليه اسم "الحروفية" الحركة التشكيلية العربية، ومنحها طابعاً مميزاً، حيث حاول كثير من الفنانين الاستفادة من إمكانيات الحرف العربي، لما يتمتع به من جماليات وإمكانات تعبيرية، وانطلاقاً من هذه الرؤية الفنية حاولوا تقديم تجربة فنية ذات طابع مميز شكلاً ومضموناً، فهناك أعمال خطية مباشرة تجد أنها أعطت شكلاً متطوراً للحرف العربي، إذ تضمنت نصوصاً متنوعة فمنها العبارة الدينية ومنها أقوال صوفية ومنها الشعر والحكم».

كما لفت "بوستان" إلى التوليفة الموسيقية واللحن البصري الموجودة في الحرف العربي، حيث يجري التركيز في الأعمال الحروفية على استخدام اللون وتدرجاته التي تعبر عن الفرح والحزن، وما يحمله الفنان من مشاعر، خاصة أن الحرف العربي يمثل ثقافتنا وحضارتنا، ويمتاز بقابليته للمد والضغط ولإمكانياته التعبيرية والجمالية ذات الإيقاع الجميل القابل للحياة"».

الفنان "وليد الآغا" أرجع استخدام الحرف إلى: «ذاكرة الفنان ومشاهداته للأعمال التي تلفت نظر الفنان بالبحث عن المجهول في عالم الحرف، ما يدفع الفنان للتعمق فيه ليبني علاقة بينه وبين الحرف، وفي كثير من الأحيان يكون العمل على رسم الحرف دون قصد برسم اللوحة الحروفية أو الحرف فيه، فجاذبية الحرف تشد الفنان كشيء جمالي يضم لغة بصرية مبدعة، بالتالي فإن استخدام الحرف يُمكّن الفنان من التعبير عما يجول بداخله، كما أن استخدام الحرف في التشكيل الفني يعود إلى الثقافة أيضاً التي لا تقدم الحرف ببعد كلاسيكي، بل كلوحة معاصرة مفتوحة على كل الرؤى، ويتعامل معها على كل الموازين».

واعتبر "الآغا" أن إيجابيات استخدام الخط بالتشكيل الفني يكمن في كون الموضوع يواكب التذوق العام العالمي وليس العربي فقط، فاللوحة الحروفية تثير دهشة من هو غير عربي أيضاً، والدليل أن الفنانين الأوروبيين تحدثوا عن الحرف العربي وعملوا عليه، فنجد "بيكاسو" مثلاً يؤكد أنه كلما بحث عن التجريد يجد أن الحرف العربي يسبقه إلى ذلك، فتقديم الحرف بجماليته وضمن لوحة لها معطياتها وضمن بحثها التقني الجمالي والموضوعي كبحث بماهيته وشيء له علاقة بالفكرة.

وأضاف: «البعض ممن ينتقدون استخدام الحرف يقولون إنهم "تقولبوا" في هذا الموضوع وهذا غير صحيح، فهناك الكثير من الفنانين اشتغلوا على موضوع واحد، لكنهم قدموه برؤى مختلفة ولغة بصرية جديدة لها بحثها التقني الخاص بها وهذا ليس سلبياً».

وتابع: «لا توجد سلبيات باستخدام الحرف في التشكيل الفني، فهذا ظلم وتجنٍ على هذه التجربة، وتقزم وتحجم الحرف، ومن يدعي أن استخدام الحرف سلبي، يهدف إلى طمس الحرف العربي والثقافة العربية بكل أبعادها وتجاربها الفنية، فهناك مؤسسات وجهات تلعب على طمس الثقافة والفن العربيين، وبينها الحرف العربي فلا يريدون لشيء أن يعبر عن لسان الأمة، وهذا له بعده السياسي لتغيير بنية المنطقة».