وفر منهج الانطباعية له الحرية التي حلم بها في رسم المناظر الطبيعية والبيوت القديمة، فاتسمت أعمال الفنان "ميشيل كرشة" بحساسية عالية وجمال فائق.

الناقد "عبد العزيز علون" رأى خلال مقابلته بتاريخ 3/11/2011: «أن "ظهور الفنان "ميشيل كرشة" مرتبط بتاريخ الحركة الفنية في "دمشق" التي نشأت على يد "توفيق طارق" الفنان الذي جاء إلى "دمشق" عام /1900/، حيث كان الأخير رساماً ومعماراً، فاستمر بالرسم في "سورية" حتى عام /1929/، ثم بدأت الأسماء السورية في التصوير تتتابع، ومن ضمنها الفنان "ميشيل كرشة" الذي دخل العمل الفني فجأة، وهو من أسرة كانت تعمل بتجارة العقارات، وبدأت بوادر التصوير لدى "ميشيل" بفترة مبكرة من عمره، حيث يأخذ بعض الرسوم ويقلدها، واستمر على ذلك حتى بدأت الخدمة العسكرية في العهد العثماني، فشارك في الحرب العالمية الأولى، وهناك ظهرت موهبة التصوير لديه، حيث أعفاه ذلك من بعض الواجبات العسكرية، حتى وصل الأمر للسماح له بالهرب من الخدمة».

تأخر بالزواج حتى /1943/ حيث ارتبط بالسيدة "أولغا جورجيادس"، وله أبناء منها وهم "ديمتري" و"فؤاد" و"فادي" و"سامي" الذي أصبح حالياً فناناً معروفاً بباريس، ويعمل بأسلوب فني معاصر، إضافة إلى "فريدي" وهو فنان جيد، فالفنان "كرشة" ترك مجموعة من الأبناء والأحفاد الفنانين، كما يزخر المتحف الوطني بعشرات اللوحات المهمة لكرشة تركها لنا وتقدر بالآلاف، فجعلته من أهم الفنانين في الحركة الفنية السورية عموماً و"دمشق" على وجه الخصوص، إذ أرسى فيها دعائم الانطباعية في التصوير، ليكون أستاذاً كبيراً للكثير من الفنانين"، وظل يرسم حتى وفاته عام /1973/

أما حول دراسته الفنية فقال "علون": «"كرشة" الذي ولد بدمشق عام /1900/ انتقل عام /1919/ إلى باريس، حيث تقدم إلى مسابقة العمارة في باريس، لكن الحظ لم يحالفه في ذلك، ثم تقدم إلى مسابقة التصوير فدخل المدرسة الوطنية للفنون هناك، ليعود إلى دمشق في نهاية عام /1925/ متخرجاً ومحترفاً بالتصوير، حيث حمل معه كل المزايا الجميلة لرسم الطبيعة في فرنسا، وبصورة خاصة المدرسة الانطباعية بالفن التي تؤمن بعدم وجود لون منفرد بالطبيعة، إذ تمر الألوان عبر انعكاس الضوء بالموشور وتتحلل وتتفاعل مع بعضها بعضاً، فجاء حاملاً طريقة جديدة بالتصوير إلى جمهور "دمشق" الذي كان معتاداً على رسم الفنان "توفيق طارق" للوحة خلال عام أو اثنين، لكن الأخير يعطي لوحة ذات طابع كلاسيكي مهم، فحمل "كرشة" أسلوباً جديداً بالتصوير، حيث ينجز اللوحة بدقائق معدودة، مستخدماً ألواناً مائية أو زيتية، مثل منازل للبدو أو غروب الشمس، لهذا السبب احتفلت "دمشق" كثيراً بميشيل كرشة، حتى فضلته على "توفيق طارق" وهذا ما أغضب الأخير كفنان كبير في العمر، وصاحب مدرسة رصينة، إذ رفض أن يأتي فنان شاب ينجز اللوحة بدقائق معدودة، ويكون له حظوة أعلى منه"».

من لوحات "ميشيل كرشة"

وأضاف: «"كرشة" دخل سلك التعليم في دمشق، وأصبح أحد المعلمين في التصوير بمدرسة عنبر، فله فضل كبير بتدريس الأطفال والعديد من الفنانين في مرسمه بالشارع المستقيم، فجميع لوحاته تخضع لنفس الأسلوب الفني، حيث استمر عليه طوال حياته، إلى أن حدث بعض التحول بالسنوات العشرين الأخيرة من حياته، عندما ترك "دمشق" وسافر إلى "الولايات المتحدة الأميركية"، فمال إلى نوع من التأثيرية التي تختلف قليلاً عن الانطباعية، إذ تعتمد على أخذ منظر من الطبيعة، ورسمه بسرعة عبر تفاعل الألوان مع بعضها بعضاً، أما التأثيرية فتدخل بعداً نفسياً للمنظر الطبيعي، وتؤكد هذا العنصر، حتى لو اضطرت هذه المدرسة لاستخدام الخط الذي يكون قائماً من بداية اللوحة إلى نهايتها».

وتابع "علون": «تأخر بالزواج حتى /1943/ حيث ارتبط بالسيدة "أولغا جورجيادس"، وله أبناء منها وهم "ديمتري" و"فؤاد" و"فادي" و"سامي" الذي أصبح حالياً فناناً معروفاً بباريس، ويعمل بأسلوب فني معاصر، إضافة إلى "فريدي" وهو فنان جيد، فالفنان "كرشة" ترك مجموعة من الأبناء والأحفاد الفنانين، كما يزخر المتحف الوطني بعشرات اللوحات المهمة لكرشة تركها لنا وتقدر بالآلاف، فجعلته من أهم الفنانين في الحركة الفنية السورية عموماً و"دمشق" على وجه الخصوص، إذ أرسى فيها دعائم الانطباعية في التصوير، ليكون أستاذاً كبيراً للكثير من الفنانين"، وظل يرسم حتى وفاته عام /1973/».

الناقد "عبد العزيز علون"

وعن تجربة "كرشة" الفنية وتأثيره في الحركة التشكيلية آنذاك اعتبر "علون" «أن لكرشة أثراً بارزاً على الحركة التشكيلية الفنية، حيث يمكننا القول: إن توجه هذه الحركة إلى الانطباعية كان يقف وراءه الفنان "ميشيل كرشة"، إضافة إلى الفنانين الذين ذهبوا إلى "مصر" مثل "ناظم الجعفري" و"نصير شورى"، كما أن لوحاته تتميز بأنها أصيلة، حيث لم ينسخ أي لوحات في حياته باستثناء التي نسخها أثناء التدريب والتعلم، ومن الأثر المهم الذي تركه لنا أنه أرخ للعديد من المناظر الطبيعية بشكل جميل، مثل بيوت البدو في الغوطة، ومجموعة مهمة للآثار في "تدمر" و"بعلبك"، مصوراً فيها مئات اللوحات، وأيضاً صوراً لحماه ونهر العاصي والمناظر الطبيعية فيها، فضلاً عن صور الأماكن الأثرية بدمشق، دون تمييز بين المساجد والكنائس، فصوَّر الجامع الأموي وجانباً من سور دمشق، فضلاً عن تطور أسلوبه الذي بدأ انطباعياً بشكل كامل، ثم تحول إلى التأثيرية أي مرحلة ما بعد الانطباعية، فعندما يرسم لا تجده يفكر بأي شيء سوى عمله، فيرسم من القلب مباشرة، إذ تجده يصور الغروب بزمن قليل جداً، فيستطيع رسم ثلاث لوحات للغروب بدقائق معدودة، وبذلك تميزت لوحاته بالأداء السريع، إضافة إلى أنها تحوي تعبيراً مباشراً عن العاطفة أكثر من أي جانب آخر، فالعمل الفني لدى "كرشة" حتى لو كان مجرد لمسة سريعة يأتي كاملاً».

الناقد الفني "أديب مخزوم" رأى خلال مقابلته بتاريخ 10/11/2011: «أن رحلة الفنان الراحل "كرشة" مع إيقاعات الرسم الانطباعي بدأت حينما كان يحمل لوحاته وألوانه للرسم في الهواء الطلق على طريقة كبار أساتذة الرسم الانطباعي، وحاول "كرشة" بعد دراسته الأكاديمية البارسية استيعاب تجربة الفن الانطباعي، حيث بات يبحث عن لغة فنية يتجاوز بها لغة المحترف، فكان همه الوحيد التركيز على إشراق الضوء ولمسات النور على عناصر الأشكال من خلال خروجه للرسم في الهواء الطلق، والبحث عن لونية خاصة تتمز بالعفوية والغنائية والفطرية والطفولية أحيانا، ومن الخصائص الجمالية التي نجدها لديه تجانس العناصر والأشكال والمشاهد الطبيعية والإنسانية في إيقاعات لونية غابت عنها الخطوط وأظهرت اللمسات العفوية والبقع الضوئية، وركز "كرشة" على حشد لوحة المنظر أو القرية بالعناصر الإنسانية، ووجود كرشة في باريس سرعان ما حوله من رسام وجوه إلى رسام لون وضوء وعناصر مشبعة على الإشراق الشمسي في الهواء الطلق».

بريشة انطباعية

وتابع: «برز كأستاذ تشريح، فتمكن منه ومن النسب قبل انطلاقته في رحاب التشكيل العفوي الباحث عن الانسجام بين الأداء العقلاني والعاطفي والتلقائي، أو بين السكون والحركة، لتجاوز حدود الشكل الايضاحي والتعبير العقلاني، والوصول إلى التشكيل الانطباعي والتعبيري الحديث الذي يحرك الظلال والألوان الخافتة، ويمنح الأشكال المرسومة المزيد من الحيوية ويوجه الفنان لإضفاء الألوان المتوهجة القادمة من ناقلات المشهد في النهار أو لحظات معينة، أي إنه يرسم ضمن قيود ويذهب نحو تحسس نشوة النور والإيقاع اللوني الغنائي المتتابع في فراغ السطح التصويري، والقائم قبل أي شيء على طريقة نقاط التبدلات الضوئية على الأشكال، مع إعطاء أهمية لدفق الحالة العاطفية التي لابد أن تترك أثرها على سطح اللوحة، ففي لوحاته تظهر اللمسات الضوئية الانطباعية بوضوح، لذا يمكن اعتباره من أوائل الفنانين السوريين الانطباعيين».