الفنان النحات "جهاد عيسى" يعود للنحت على المعادن بعد اشتغاله لأكثر من عشرين عاماً بالتصوير الزيتي مستفيداً من إمكانياته اللونية لإعطاء المنحوتات بعداً آخر استطاع إدخاله في بنية الكتلة.

موقع "eDamscus" أراد تسليط الضوء على تجربة الفنان "جهاد عيسى" بالنحت على المعادن، هذا الفن الذي يعتبر من الفنون القديمة قدم الإنسان، فهو أقدم من التصوير لأنه يتعامل مع المجسمات ثلاثية الأبعاد على عكس الرسم والتصوير الذي يتعامل مع الأبعاد الثنائية.

لا يتعامل الفنان مع الأشكال المسطحة مثل فن التصوير وإنما يقدم أشكالاً مجــسمة ذات أبــعاد ثــلاثية، فتتصل المتعة الفنية بجميع حواســنا ومــداركنا

يقول "عيسى" في هذا الصدد: «يختلف فن النحت على المعادن عن باقي الفنون التشكيلية، فهو من الفنون التي يمكن إدراكها عن طريق اللمس والحركة المجــسمة، وفــيه يشــكل النحات الأعمال بيديه التي هي أقدر الوســائل لنقل الحــس الفني العالي».

المراة والرجل

وأضاف "عيسى": «لا يتعامل الفنان مع الأشكال المسطحة مثل فن التصوير وإنما يقدم أشكالاً مجــسمة ذات أبــعاد ثــلاثية، فتتصل المتعة الفنية بجميع حواســنا ومــداركنا».

وعن المواد التي يستخدمها "عيسى" بهذا الفن، قال: «استخدم "البوليستر" والألمنيوم كخامة لأعمالي النحتية التي تأخذ ملامح شديدة الخصوصية في شخصيتي الفنية، كعلاقتي بالخامة وهي في حالتها الطبيعة البدائية بالتشكيلات العفوية وتكون معتقة وخشنة أحياناً، ومن هنا يظهر التأثير التعبيري الذي يخدم العمل الفني الذي يحمل لكل التماثيل في مجملها علاقات إنسانية أو ما أرمز لها بأشكال بعض الأسماك البحرية».

النحات جهاد عيسى

وتابع "عيسى" حديثه: «النحت على المعادن كعملية إبداعية له مبادئه وحدوده ومعاييره الخاصة أما المتعة التي تستقى من فن النحت فتكمن في فهم المتلقي لطبيعته الخاصة، وفي الواقع إن اللون والملمس لقطعة نحتية ما يستلزم ويفرض حاجات على الأسس التي تزيد من وعينا بالمادة الملموسة وبطبيعة المساحة المكانية المعززة جمالياً لفن النحت، وتبقى حوارية المتلقي مع العمل ليكتشف إن هناك عملية تحليلية تقيم من خلالها المنحوتة لتقدم نفسها وتطلق قدرتها على الإقناع بحيويتها».

وأشار"عيسى": «هناك فئة من الجمهور متذوقة لفن النحت التشكيلي وتمتلك ثقافة بصرية اتجاهه، إلى جانب الناس العاديين الذين يفضلون الأسلوب الواقعي أكثر من غيره من الأساليب الفنية لسهولة فهمه والتعاطي معه».

تجسيد الحياة

وتأتي تقنية التعتيق اللوني التي اعتمدها الفنان في كل أعماله النحتية ببعض الجرأة، حيث اختياره للذهبي والتركواز وغيرها من الألوان الغريبة يأتي لكسر التقليدية في العمل النحتي من ناحية الأسلوب والتقنية ولإعطاء انسجام أكبر بين الشكل والموضوع على حد تعبيره.

يقول الفنان التشكيلي "إبراهيم موسى" عن تجربة "عيسى" النحتية: «من خلال مشاهدة أعمال "عيسى" النحتية التي تميزت بروحانيات العلاقة الإنسانية، نجد أن هناك براعة تصويرية وزخماً كبيراً في التكوين والمساحة والكتلة والتلوين، وأفكاره وموضوعاته تحتفي بشكل موفق بعناصر أعماله الرئيسية، وهناك ربط محكم بين كل مكونات المنحوتة على الرغم من آلية وغريزية التناول بل فطريته، فرحلته في "الروحانيات" اتسمت بالعمق والنضج وأضافت إلى رصيده الفني مزيداً من التألق وكثيراً من الخبرة كشفت عن فنان أصيل مرهف بالإحساس والجمال الروحاني».

الفنان "جهاد عيسى" قدم عشرات الأعمال النحتية التي صاغها بأنامله الرشيقة وتجربته الفنية وإبداعاته المشرقة، حيث جسدت هذه الأعمال مختلف الرؤى الفكرية والفنية التي يؤمن بها حيث الفن عنده كما قال: «هو فن مزاجي غرضي منه وضع الفن في متناول مواهبي، خارج هذا المنطق لا يهم شيء، انطلاقتي من الطبيعة وعملي أنا أشكله ولا أعجنه بالنظريات هناك ما هو متروك للصدفة فأنا لست رمزاً حسابياً».

من الجدير بالذكر أن الفنان "عيسى" من أصحاب الفكر الفني المتجدد المبدع الذي لا يتوقف عند نظرية أو مدرسة ولا يحصر نفسه في قالب واحد جامد، ففي التجربة والممارسة وتحصيل المعرفة يستطيع الفنان أن يرتقي بإبداعاته وإنتاجه المتميز عن الآخرين وتظل هذه الأعمال توثق وتواصل لفن النحت الذي هو استمرار لتراثنا الفني الأصيل وتذكر الأجيال بأنماط حياة وسلوكيات وتقاليد وابتكارات فنية لدى شعبنا وأمتنا حاضراً ومستقبلاً.‏