في اقتراب أكثر لملامح نساءٍ واجهن الموت في لوحات معرضها السابق بكل ما انتاب أجسادهن ووجوههن لهول الفاجعة؛ من حزن وأسى وربما في لحظات أخرى القوة لمواجهة تلك الحقيقة المذهلة، تقدّم الفنانة التشكيلية "ريما سلمون" معرضها "الشاهد" ليكون اشتغالها فيه على "البورتريه" استمراراً أكثر تطوراً لمرحلةٍ سابقة.

موقع "eDamascus" بتاريخ 5/3/2011 حضر "الشاهد" المعرض الأحدث للفنانة "ريما سلمون" المقام في غاليري "أيام" بدمشق، حيث قدمت هذه المرة وجوه نسائها محمّلةٍ إياهن رموزاً ودلالاتٍ لا متناهية، فاسحةً المجال أمام المتلقي حرية تأويلها، ومعتمدةٍ في صياغة هذه المعالم الاختزال والتقشف في التفاصيل واللون.

لون التراب فيه الكثير من التقشف، وأفضل التقشف بالعمل لإبراز قوة الشخصية التي يتضمنها العمل، كما أنه من أكثر الألوان تعبيراً وقرباً من الارض والانسان

من زوّار المعرض التقينا الفنان التشكيلي "صفوان داحول" ويقول عن علاقة "الشاهد" بالمعرض السابق للفنانة وأعمالها الأقدم: «أعمال "سلمون" تعتمد دائماً على الحس النابع من ذات الفنان، وهو متغير باستمرار، من هنا أجد التغيير ولا أجد أن هذا المعرض يشبه ما قبله لأن الفنان هو من يتغير وليس اللوحة، فالتغيير الموجود عند "ريما" هو تغيير إنساني بداخلها فيه عمق، بعد، حزن، تقشف وشرود أكثر، أما اشتغالها من حيث المبدأ لا أجده مختلفاً في أعمالها الحالية عن أعمالها في معرضها السابق فحسب؛ بل حتى في أعمالها القديمة جداً، هو استمرار توصل في معرضها الحالي لاقتراب أكثر من الشكل في اللوحة، ومنه خرج "البورتريه" والذي هو بالأصل جزء من لوحة أخرى».

شاهد

يضيف "داحول": «في أعمال الفنانة "ريما" بالرغم من وجود الجسد والأقدام والأيدي، نجد التكوين متمثلاً بالعينين، فتكوين اللوحة عندها يتشكل غالباً من خطوط شاقولية، والعين هي وحدها الجزء المتحرك في الموديل الموجود، وعندما نشاهده في العمل الضخم نلحظ تفاصيل أكثر في هذا الجزء، لأن حركة العين هي التكوين في اللوحة أكثر من النساء المتراصة إلى بعضهن البعض، وأعتقد أن هذا الحيز هو الأساس في عملها، لذلك عملت على تكبير "البورتريه" وخصّته في لوحات مستقلة».

صوّرت التشكيلية "ريما سلمون" في معرضها السابق نساءً تلاصقن بجوار بعضهن لمواجهة سريالية الإحساس بفقدان أحدهم، دون بث إشارات مباشرة للحالة النفسية التي تسود المكان، مكتفية بعيون محدقة وخلفية سوداء للعمل، فجاء هذا المعرض "الشاهد" استمراراً أكثر تطوراً لمرحلة سابقة، ليتجلى هذا التطور من خلال ضربات الفرشاة والاقتراب أكثر من ملامح الوجه "البورتريه"، للكشف عن ماورائيات مجهولة تتمثل في فكرة عوالم ما بعد الموت للرد على تساؤلات هي بالدرجة الاولى وليدة احساسات "سلمون".

من المعرض

هنا يحدثنا د."طلال معلا" ناقد وباحث فني، ويقول: «من الواضح بين المعرضين الأخيرين للفنانة السيرة الذاتية المروية كمحاولة للتعبير عن الذات، فهي تحاول رسم نفسها بالتالي نشهد يوميات تحاول في كل مرة أن تعبر عنها بطرق مختلفة عن الطرق السابقة، فالألوان الأساسية "البني، الأسود والأبيض" التي تحاول التعبير من خلالهم عن اللون لها دلالاتها الطبيعية عموماً، لكن من الملاحظ في هذا المعرض أن الشخوص متعلقة بالأعلى أكثر من السابق، وهو ما ركّزت عليه الفنانة من خلال اتجاه حدقات الأعين، والاقتراب أكثر من الوجه لإبراز مهارة الجسد بالتعبير، لأن حركة جسد الفنان لها علاقة بحركة اليد على اللوحة ففي المرات السابقة عندما كان الجسد كاملاً موجوداً على المساحة، لا يمكن التقاط كل الإشارات والحركات التي يعبر عنها الجسد».

يضيف د."معلا": «في اللوحة التي يكون فيها الوجه محتلاً كامل المساحة يكون التركيز الكلي على الوعي المباشر أكثر نسبياً، لذلك نجد خشونة أكثر بالملمس من المعرض السابق، وأحياناً تركٌ لمساحات من الفراغ دون عمل، وهذا المزج بين "الموتيف" واللوحة الكاملة هو ما يحاول التعبير عن المشاعر بشكل واضح ومباشر ومختلف عن المعرض السابق».

شخوص ريما سلمون

أما عن دلالات تسمية "الشاهد" للمعرض يقول د"طلال معلا": «قد لا يكون الوجه الانثوي هو الشاهد، ربّما هو الألم، لكن الوجه هو أحد الأجزاء المعبرة جداً وبخاصة الأعين، وقد يكون الشاهد حديثٌ لا يمكن البوح به، ويكون الوجه قادراً على التعبير لنقله».

كما التقينا الفنانة التشكيلية "شيرين ملا" وتقول: «الفنانة "ريما سلمون" لها شخصيتها وكيانها الفني المستقل وتعمل بإحساس عالي، بإحساس الأنثى الجريئة التي تتعرف على نفسها، وتتطلع إلى السماء لتبحث عن المثل العليا وبنفس الوقت تمنحها شفافية، حساسيةً، حزناً وتجربة عميقة، كما أن طريقتها بالتعامل مع الريشة تعتمد الحرية وكأنها تحاول تحريك تعابير هذا الوجه ليس باللون أو الطريقة الكلاسيكية، إنما بإحساسها، وأنا أعتبر ذلك أبجدية متطورة خاصة بأسلوب ولغة وحس "سلمون"».

تضيف "ملا": «أجد من الضروري أن نشهد أعمالاً فنية لفنانات تعملن على مواضيعٍ تخص النساء، لأنه كلما ازداد عدد الفنانات نتمكن من فهم وتعلم مفردات الأنثى وكيفية رؤيتها وتحسسها للفن وتقديمه، ومعرفة اللغة التي من الممكن أن تطرحها المرأة الفنانة الشرقية للعالم».

تناولت التشكيلية "ريما سلمون" في معرضها الفردي الأول ثنائية المرأة والرجل، من ثم قدمت فكرة مواجهة الإنسان للموت في المعرض الفردي الثاني، وجاء تطور الفكرة ذاتها في معرضها "الشاهد" ليكون أقرب إلى النساء اللواتي كنّ في المعرض السابق، وهنا تقول "سلمون" عن معرضها الحالي: «اقتربت أكثر من معالم وجه النساء لإبراز قوتهن، لأن فكرة مواجهة الموت تختزن قوة ضمنية، فمجرد مواجهة الموت بحزن أو بخوف هو قوة بالمطلق، وهنا أطمح للتعبير عن مكنوناتي ونوازعي الداخلية لأني أجد أن المرأة كائن قوي لمواجهة الموت، وأسعى للتأكيد على هذه القوة من خلال تأكيد فكرة الموت».

تتجلى ثنائية (الأنثى والموت) بحالتها التعبيرية والحسية في أعمال الفنانة "سلمون " باستخدام الترابيات لوناً وعنصراً في العمل، وهنا تقول: « لون التراب فيه الكثير من التقشف، وأفضل التقشف بالعمل لإبراز قوة الشخصية التي يتضمنها العمل، كما أنه من أكثر الألوان تعبيراً وقرباً من الارض والانسان».

من الجدير ذكره أن معرض "الشاهد" الأحدث للفنانة التشكيلية "ريما سلمون" والمقام في غاليري أيام بدمشق مستمر لغاية 8/4/2011.