بحث لوني عن الذات الإنسانية، وفن ملتزم بقضايا وأزمات اجتماعية نعيشها يومياً ونتجاوزها بطريقة غريبة وكأننا أعتدنا وتآلفنا مع نسق الحياة دون التمعن في التفاصيل، محاور عديدة تمس يومياتنا لوّنها الفنان التشكيلي "أسامة دياب" في غاليري "أيام" بفطرية إحساسه وصدق التزامه وحبه لانتمائه الإنساني.

موقع "eSyria" بتاريخ 18/10/2009 التقى الفنان التشكيلي "أسامة دياب" في غاليري "أيام" حيث يقام معرضه الاخير الذي كان فيه صوتاً ووجهاً لقضايا مجتمعه، وعن أعماله يقول: «أعمل على علاقة الفراغ بالأشياء، هذا الفراغ الذي يحتوي الوضع الاقتصادي، السياسي، الديني، الاجتماعي والعاطفي للمجتمع ككل، فأقوم بنقل تأثير الفراغ بكل ما يشغله وكيفية تأثيرها على كياننا كبشر».

أعمل على علاقة الفراغ بالأشياء، هذا الفراغ الذي يحتوي الوضع الاقتصادي، السياسي، الديني، الاجتماعي والعاطفي للمجتمع ككل، فأقوم بنقل تأثير الفراغ بكل ما يشغله وكيفية تأثيرها على كياننا كبشر

يتابع "دياب": «تنتمي أعمالي لأحاسيسي عواطفي، وأي أنفعال أعيشه، وهي صدى لروحي وأرواح الناس جميعاً لأني أحاول أن تكون لوحتي هي صوت هموم ومشاكل المكان الذي أنتمي إليه، ليكون المتلقي هو الصورة في العمل، يقيناً مني أن الفن بمختلف مجالاته يمتلك القدرة ليلتزم مسؤولية مجتمعه إما باستعراض المشاكل الموجودة أو تقديم الحلول لها، وأنا أميل لاستعراض مشكلة لم يكن المتلقي منتبها لها سابقاً، أوأقدم حلولاً مختلفة ومتواترة للمشاكل ليختار الشخص ما يناسبه من أفكار».

يخيل إليك لوهلة أن لوحات "دياب" ماهي الا ألوان وخطوط وأفكار طفل مبدع، فلوحته العفوية ذات الدلائل العميقة دفعتنا لنسأله إن كان يجد الطفولة فناً أو الفن طفولة: «كلاهما مترابطين، فالفن مليء بالطفولة من ناحية الصدق والعفوية، ومن خلال لوحاتي التي رسمتها بفطريتي صورت مشاكلنا التي انعكست على مشاعرنا الانسانية حيث إن المادة تأثر على حياتنا، فتخفف من مشاعرنا وترفع من سوية ماديتنا، وفي احدى اللوحات على سبيل المثال كان موضوعي عن غلاء "المازوت" وكيف حولت هذه المادة الحب الى نسبة تتفاوت حسب الأسعار والسوق».

على إحدى جدران الصالة كانت ثلاثة لوحات بورتريه توحي بانفعالات عالية وملامح ضائعة إلا تفاصيل العين المحدقة ذات التآويل الكثيرة مشيراً إلى هذه المجموعة يتابع "دياب": «أشعر بأن البورتريه ينقل حالتي بصدق عميق، كما أن شخوصي تنتمي إلي في الشكل أيضاً، وهنا تجاهلت كل شيء في الوجه وركزت على قيمة الشدة بالانفعال في العين موظفاً امكانات اللون، فمنذ القدم توصل أجدادنا إلى قول (العين مغرفة الكلام)، والفنان التشكيلي عندما يرسم بورتريه يركز على العين لأنها الحامل الأساسي لأفكار الشخص الداخلية».

يبحث "أسامة" في هموم المجتمع بمختلف الاصعدة عن ذلك يتابع: «بوسعي أن أحقق حريتي بنفسي وأشعر بأني حققتها، لكني أرسم لأبحث عن حرية الآخرين، فالفن في حياتي ليس هواية أو حرفة، بل مهمة تقدم شيءً للآخرين، لذا أرسم انفعالات تعبر عن هموم الناس وواقعهم لأني أنتمي إلى هذا المجتمع، ومهمتي هذه تفرضها عليي إنسانيتي وكياني».

لم تكن بداية مهمة "أسامة" في تبني الإفصاح عن صعوبات الحياة المختلفة حديثة العهد بل نشأ حاملاً معه هذا الهم منذ طفولته ليكبرا معاً: «تبنيت هذه المهمة منذ طفولتي وقررت أن أكون رساماً صادقاً، فأنا كفلسطيني تعلمت مبكراً معنى تهجير شعب من أرضه، ففكرة الانتماء ليست مجرد قطعة أرض تخاف فقدانها، بل هناك شيء أكبر من ذلك، ذلك الرابط المعنوي بين الأرض وسكانه، وقد قدمت سابقاً شيئا للقضية الفلسطينية، لكني أشعر أن مهمتي الآن أكبر من القضية، هناك أناس آخرون يعيشون مآسي مختلفة، ويحتاجون إلى أن نكون معهم ونعبر عنهم بطريقة ما، كما أشعر أن الفن يمنحني طاقة هائلة للتعبير عن ما في داخلي، لأؤدي مهمتي الإنسانية كما ينبغي».

أسامة دياب

وعن ألوان "دياب" وريشته يقول الناقد "راشد عيسى": «إذا كان الفنان "دياب" كثير التنقل بين الموضوعات فلا شك أن رابطاً واحداً يظل هو الناظم لمجمل أعماله، هو الاشتغال على الفراغ وبالطبع عبر علاقته بالشكل، هو يحاول دائماً ربط الفراغ بحالة الشخصية، فهو يمنحنا الخفة أو الثقل، الطيران أو الضياع، الفراغ هو ما يعطي للشكل الإمكانية بتعبير أوضح، وغالباً ما يستعير الفنان لوصف الفراغ تعبيراً شعرياً يقول إن أصعب السجون تلك التي لا جدران لها، أن ترى نفسك في مكان فارغ، كذلك يصف الفنان أعماله الأخيرة سواءً على البورتريه، أو ما يمكن تسميتها بلوحات الفستان، فأحياناً يكون الفراغ ساكناً والشكل متوتراً وأحياناً العكس، إلى ما هنالك من احتمالات، فهذه المعطيات لها علاقة بالعاطفة الإنسانية وتلاوينها كما يقول».