«تشكل العروض المسرحية، الذاكرة الثقافية والمشهدية البصرية للمتفرجين والمهتمين، ولرجال المسرح معاً، وكما يعكس في عروضه بيئة معينة هي البيئة التي ينتمي إليها العرض من "المخرج، المؤلف والمتفرج"، ويرصد أحداثاً وقضايا وأموراً عديدة تخص المجتمع أولاً، وتلامسه ثانياً، فهو يتأثر ويتفاعل مع كل ما يحيط به من الأحداث والتطورات والمتغيرات التي تحدث باستمرار في العالم،

وخصوصاً على المستوى الداخلي للفرد، وعلى مستوى تغير بنية المجتمعات ضمن أطر جديدة تناسب البيئة، وبالتالي فهو متجدد لكونه يواكب الأحداث الراهنة، ويلامس متفرج اليوم الذي ينتمي إليه المخرج والمتفرج بالضرورة، ومحققاً شرط المسرح الدرامي أو الملحمي، وهنا تكمن العملية الإبداعية».

سيبقى المسرح على حاله ما لم نطمح إلى فتح الحوار وإثراء النقاش الجاد بين المسرحيين أنفسهم وبين المسرحيين والمتفرجين، وتكريس التنوع وتعميق الجدل حول القضايا التي تمس الجمهور المسرحي، من خلال هذا فقط يمكن الوصول إلى صيغة مبتكرة للحياة وتطورها وفتح آفاق لمستقبل البشرية

هذا ما يتحدث عنه الكاتب والمخرج المسرحي "عبد الناصر حسو" عندما التقاه موقع "eSyria" بتاريخ 2/4/2009 حيث حدثنا عن واقع المسرح في "سورية" منذ الستينيات وحتى يومنا الحالي لكونه من معاصري هذه الفترة وشاهد على معظم الأحداث التي مرّ بها في بلدنا سواء ابتداءً من فترة العصر الذهبي للمسرح في الستينيات، وحتى منتصف السبعينيات وعن هذه التجربة يتحدث قائلاً:

«إن العروض المسرحية التي قدمت على خشبات المسارح في "دمشق"، هي حلقة تواصل مستمرة للتمثيل في بداية الستينيات وحتى الآن، وهذا الاستمرار بالضرورة يعطي التطور والتقدم، ولكن لولا جهود المسرحيين الرواد الأوائل من الفنانين والكتاب المسرحيين المحليين مثل "سعد الله ونوس"، "فرحان بلبل"، "وليد إخلاصي"،

"ممدوح عدوان"، "مصطفى الحلاج"، "رياض عصمت" و"أحمد قبلاوي"، إضافة إلى المخرجين الذين كانوا يحملون مشروعاً وطنياً وقومياً فنياً للنهوض بالمجتمع مثل "علي عقلة عرسان"، "أسعد فضة"، "خضر الشعار" و"إبراهيم صنوبر"، الذين كانوا ينتمون إلى اتجاهات فكرية وفنية متعددة بعد قدومهم من الأكاديميات العربية والأوروبية، ولولا إبداع تلك المرحلة لما تشكلت هناك نهضة مسرحية وأخرى تلفزيونية فيما بعد، لما انضوت الفرق الخاصة في الخمسينيات والستينيات تحت لواء المسرح القومي، وفرقة الفنون الدرامية للتلفزيون، تشكلت ظاهرة المسرح في الستينيات والسبعينيات، وما زلنا نقطف ثمار تلك المرحلة نصاً وتمثيلاًً وأحياناً إخراجاً إلى الآن».

المسرح هو وسيلة تعبير إنسانية، لديه كثير من معطيات للتعبير عن الهموم الاجتماعية وتجسيد ذلك في النص المسرحي، وهنا ينطلق الكاتب "عبد الناصر حسو" من فكرة الاسطورة وجعله موضوعاً له تجسيد في الواقع المسرحي لتتحول الاسطورة بنظره إلى إنتاج ثقافي ومعرفي يرصد مرحلة معينة من الفكر البشري، ويسلط الضوء عليها من خلال الخشبة المسرحة وعن هذا يقول:

«يمكن اعتبار الاسطورة سجلاً ليس للأحداث التاريخية فحسب، بل سجلاً للثقافة والمعرفة الإنسانية في طورها البدائي، والاسطورة هي تصوير أعلى لهذه الثقافة والمعرفة في لحظاتها المشرقة، وبالتالي الاسطورة والملحمية والخرافة والحكاية هي الشكل القصصي النابع من الشعور الإنساني وإدراكه بأشكال متعددة ومختلفة أحياناً، فلا مجال للشك أن الفكر الاسطوري هو فكر خارق وقد نجد آثاره في الواقع، وعندما نستلهمه نستلهم منه الشجاعة والقوة لتجاوز عالم الإحباط الذي نعيشه، لذلك فتوظيف الاسطورة في المسرح العربي كان يرافقها انكسارات وإحباطات في بنية المجتمع العربي، لكونها توظيفاً نسبياً ينبع من منتوج فكري وثقافي وفني».

يقف "عبد الناصر" في كتابه "حركة المسرح في التسعينيات"، على السنوات العجاف التي سيطرت على واقع المسرح في سورية، وقد انفرد بتحليل تلك الأسباب والانتكاسات والتراجعات، عن ذلك يضيف: «إن الخوض في الظروف التي رافقت تلك المرحلة وما قبلها، من إخفاقات وهزائم وتصدعات على مستوى وعي الفرد والمجتمع معاً، أحدثت تغيراً في بنية العرض المسرحي على مجموعة من النخب المثقفة، والدخول إلى الأطر الجمالية والفكرية التي تبعد المسرح عن المجتمع، فأصابع الاتهام وجهت إلى العروض التي غلب عليها طابع الشكل على المضمون أو بالعكس، وأصبح العرض لوحة تشكيلية أو تزيينية أو حركات أكروباتية راقصة بمساعدة التكنولوجيا العلمية الحديثة، مما أدى إلى تحجيم الاهتمام بالنص المسرحي الذي يحمل فكراً وفناً كمرجعية للعرض».

هنا سؤال يلح في الذاكرة بشدة عن واقع المسرح في سورية، ما هي الأزمة المسرحية..؟ وهل هي أزمة كتابة مسرحية أم أزمة إعادة قراءة النصوص المسرحية..؟

عن ذلك يجيب "حسو": «إن لكل فن أزمته الخاصة به عبر الزمن، وخاصة إذا كان هذا الفن هو المسرح، أعتقد أن الأزمة ليست في الفراغ المسرحي ولا في التقنيات الحديثة، ولا في أماكن العرض، إنما الأزمة أعمق من المادي المحسوس، فهي طالت روح المقاومة والتمرد على الأشكال، كأن تكون الأزمة النص المحلي، أو في الرؤية الإخراجية أو في عقلية الكاتب الذي يفتقد إلى الجدلية الدرامية، بمعنى آخر، الأزمة في ذهنية الكتاب والمخرجين ورجال المسرح بالدرجة الأولى».

إن المتابع للحركة المسرحية في سورية يقف حائراً أمام ما توصل إليه المسرح السوري في السنوات الأخيرة من تراجع وانتكاسات وإخفاقات على كافة الأصعدة، إضافة إلى عزوف الجمهور عن عروض المسرح، فيطرح الكاتب "حسو" نظرة مستقبلية جديدة للمسرح لكي تعود إلى ما بدأت به الحركة المسرحية في سورية فيقول: «سيبقى المسرح على حاله ما لم نطمح إلى فتح الحوار وإثراء النقاش الجاد بين المسرحيين أنفسهم وبين المسرحيين والمتفرجين، وتكريس التنوع وتعميق الجدل حول القضايا التي تمس الجمهور المسرحي، من خلال هذا فقط يمكن الوصول إلى صيغة مبتكرة للحياة وتطورها وفتح آفاق لمستقبل البشرية».

من المفترض أن تكون هوية المسرح في أساسه، إنسانية، عالمية، وفرجة جمالية وصورة بصرية جميلة، فالبحث عن صيغة فنية مميزة للمسرح لم يكن هاجس المسرحيين في الفترة الأخيرة، بقدر ما هو تسجيل نشاط مسرحي في الوقت الذي لا يمكن الحديث عن الموضوعات وعن الخطاب المسرحي بمعزل عن واقع الناس اليومي، هذا ما يناشد به الكاتب "حسو" من خلال حديثنا معه حول حقيقة المسرح.

وجدير بالذكر أن الكاتب "عبد الناصر حسو" تخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية في عام 1990، وكتب العديد من النصوص المسرحية، وحالياً يشرف على مشروع توثيق المسرح في سورية من قبل وزارة الثقافة.

صدر له:

"- أيام مهرجان دمشق المسرحي" صادر عن وزارة الثقافة في عام 2004 مؤلف من جزأين.

-"الحركة المسرحية في التسعينيات" منشورات وزارة الثقافة في دمشق 2008.

  • "اليزيدية وفلسفة الدائرة" دار التكوين في دمشق 2008.

  • ملحمة "ممو زين" دار التكوين في دمشق 2007.