"حســــن ملحـــــم"فنان تشكيلي سوري، تتلمذ على أيدي كبار الفنانين العرب والروس، بحث عميقاً في المشهد الجمالي "الواقعي والتجريدي"، واستطاع بفضل إصراره على تكوين الشكل، أن يخلق في راهنه ولادة اكتشاف، سمت بلونه وتعبيريته إلى مقامات التميز والإنجاز.

ولد "الملحم" في حماه عام 1970، وهو العضو في اتحاد فنزويلا للفنون الجميلة ـ "avap". والعضو في اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين، وحصل خلال معارضه ومشاركاته على شهادات تقدير من "دمشق" ومن دول عربية مختلفة.

عمل متكامل لا يمكن فصل شكلها الخارجي عن مضمونها وموضوعها الذي نتحدث عنه، وهي في النهاية انعكاس لشخصية رسامها وتجربته الحياتية

"E SYRIA" التقت الفنان التشكيلي "حسن ملحم" في صالة "الشعب"، مقر اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين "بدمشق" في 5/8/2008، وكان معه هذا الحوار:

الفنان حسن ملحم

*ما هو المنحى الأسلوبي الذي تنتهجه في الرسم؟

**أنا في رحلة بحث دائم ومستمر في جميع الأساليب "الواقعية والانطباعية والتعبيرية والتجريدية، ربما كنت أميل إلى أسلوب معين، لكني أفضل أن أبقي باحثاً عن إثبات الوجود، حتى أصل في النهاية إلى إيجاد لغة حوارية تخلقها شخوص لوحتي وتقترب بدورها من المتلقي وتوائم مفاهيمه المتعددة.

مإذنة

*لك تجربة مع الواقعية الدقيقة؟ يمكنك إيضاحها؟

**الدقة في العمل الفني تأتي حين تحاول إظهار أجزاء صغيرة من مشروعك، خاصة في "البورتريه" والأعمال الفنية الصغيرة، المصورة للزهور والطبيعة الصامتة، لكن إيصالها إلى ذروة الجمال والتشريح الفني الصحيح يتطلب خبرة ومهارة تأتي عبر التجربة الطويلة ومعايشة الإنسان والطبيعة التي نستوحي منها عوالم الخيال والفكر.

اجهة منزل دمشقي

*تطرّقت عبر أعمالك إلى مواضيع مختلفة منها الطبيعة و الحرف العربي، كيف وجدت تجربتك في كلٍّ منهما؟

**الإنسان بشكل عام هو أهم العناصر التي أستعين بها في تصوير أعمالي الفنية، وهو محور الحياة ووجودها والسبب الرئيسي في بقائها واستمرارها، والحرف العربي هو مستقره إذ بالكلمة يستطيع التعبير كما يستطيعه باللوحة، وبكل تكوين يخصّه. إضافة إلى الطبيعة، التي تحتضنه بمكنوناتها وألوانها وتضاريسها.

*تحظى"دمشق"، بمكانة خاصة في تجربتك؟ ما قولك عنها؟

**احتضنت "دمشق" الكثير من الأشقاء المغتربين في البلدان العربية وحتى العالمية، فضلاً عن احتضانها للثقافة، وهذا يعطيها الألوية في الاهتمام، وهي تعدّ تحفة فنية بما تتميز به بيوتها وحاراتها الشامية وأسواقها القديمة من عراقة وفن معماري تراثي جميل، من هنا تتضح مكانتها التي تستحق الاهتمام والتقدير من كل الفنانين عموماً.

التجريد يتخطى الواقع ويدخل مسارات الخيال

*بدأت العمل بموضع تكنيكي مختلف، يميل إلى التجريد البحت، ما خصوصية هذا المشروع؟

**هو ابتكار أو تطوير أسلوبي أتطلع عبره إلى ما هو أفضل، وهذا يشكل خصوصية بالغة بالنسبة لي، وبعد متابعتي للحركة التشكيلية محليّاً وفي العالم كان لا بدَّ من وضع بصمتي في الفن الذي اخترته مصيراً لمستقبلي، فأكون بذلك مخلصاً للمتلقي، وبدوره عليه أن يلامس خصوصية لوحتي، التي أضعها أمامه وأجسد في محيطها عدّة مواضيع توائم تأملاتي واختياراتي المشهدية، إذ بعمق التصور نستطيع الوصول إلى غاياتنا المرجوة.

*ما مدى الضعف الذي يخلقه الاعتياد والنمط التجريدي المتكرر؟

**في المذهب التجريدي لا يوجد نمطية، وإنما جمع تراكمات حياتية وتحليلها واختزالها إلى لوحة، والتقليد وحده هو الذي يخلق النمطية والتكرار وهذا ضعف، فالتجريد مفهوم سامٍ، عبره نستطيع تخطي الواقع وكسر المألوف والدخول في مسارات الخيال.

*"الحداثة" في التشكيل؟ كيف تنظر إليها؟ وهل لها تأثير في تصوراتك الإلهامية؟

**"الحداثة" وليدة الإلهام يحدده اختيار المشهد البصري، والإلهام وليد للحظة معينة تمرّ في حياة الفنان، فعندما يستمر في التجريب ويتابع ما يجري حوله من حداثة ومعاصرة يدفعه ذلك إلى استنهاض الأفضل في عمله محاولاً أن يرقى عمّا قيل أو كتب أو رسم. أما التصورات المحدثة في اللوحة، تأتي بعد رؤية ما أنتجه الآخرون من تصوراتهم ومشاهداتهم وقراءاتهم، وأحياناً تتعدى التصورات الحداثة إلى ما بعدها، وتكون أكثر مقاربة وتلامساً مع إحساس الأخر.

*ماذا تتطلب حرية التشكيل والأداء في العمل الفني؟

**تتطلب المشاركة الجماعية في المعارض المشتركة، وتحديداً من الشباب، وهي تحفيز لجهودهم وموهبتهم الفنية في خلق منافسة شريفة تسفر عن إيجاد انطباع تذوقي للأعمال ونقد جمالي بناء، يدعم العمل الدءوب والمتواصل لسنوات عديدة، فكلُّ يُعبّر عن موهبته بحريَّته محاولاً صقلها من خلال بحثه الدائم، وعرض ما يختزنه في مفكرته الحفظية من مفردات وأفكار وتجارب يبدع من خلالها.

اللون مشاعر محتجبة بالكتمان

*قال فنان راحل:«اللون فسحة سماوية، تتوالد فيها كل الوجوديات " الإنسان، الطبيعة، الكون" يتقاسمها خيال الرسام، وتجزّئها سماته النفسية إلى مضامين فكرية جزئيّة تتحوّر وتتشكل بلطف في محتوى اللوحة»، كيف تقرأ هذا التصور؟

**اللون مكون أساسي في اللوحة، والموضوع يفرض الألوان التي تناسبه للاكتمال، بالعموم أنا أميل إلى ألوان الطبيعة،لأنها تضفي صفاء ونقاء في المشهد المتخيل، وتعكس روح الفنان الداخلية ونظرته للحياة، وأحيانا اللون هو وسيلة للتحدث عن موضوع اللوحة التشكيلية، فمثلاً اللون الأزرق يتحدث عن السماء والبحر والجرأة ودلالته الحِدّة والقوة والغموض، وأحيانا يكون اللون غاية للكشف عن مشاعر ما خيرة ربما أو شريرة مخبئة في عمق الذاكرة، فتظهر مثلاً بتصوير مشهد واقعي كثير المعالم والتفاصيل، فعندما يكنّ الفنان في داخله مشاعر ما محتجبة بالكتمان ويحاول أن يصور مشهداً واقعياً دون محاولة التغيير في ألوانه الطبيعية، ويعمد إلى التشريح الدقيق في إظهار أجزاءه ومعالمه يكون قد بلغ تلك الغاية، فاللوحة:«عمل متكامل لا يمكن فصل شكلها الخارجي عن مضمونها وموضوعها الذي نتحدث عنه، وهي في النهاية انعكاس لشخصية رسامها وتجربته الحياتية».

*يقول البعض:«أن الرسم الفطري هو الأهم في الفن التشكيلي»، من جانبك ماذا تقول؟

**يُولد الإنسان محباً لكل شيء يحيطه بالفطرة ومنها "الرسم"، لكنه يهمل ذلك في البداية وقد يكتشفه متأخراً، وفي النهاية يحتاج اكتشافه إلى رعاية واهتمام من قبل المقرب الواعي والمثقف. إن الفطرة مهمة جداً وعلينا تنميتها وصقلها من خلال البحث خلف عالم الذات واكتشاف مقدرات النفس.

*هل يحق للمبدع أن يغاير تطلعات شرائح المجتمع في تصورك؟

**رغم كل الظروف والانحدارات التي طرأت على الحياة المعيشيّة، وأثرت في حاضر الإنسان المعاصر، إلا أنه استطاع أن يقاوم الصعوبات والانحدارات بالصبر والمثابرة، وإنجاز أعمال مختلفة، بعضها سابق أفق الخيال وانفتاحه الطلق، والعمل يبقي مخلداً بعد الموت، يحمل ذكرى مبدعه إلى أجيال وأجيال متعاقبة، فبالتأكيد قيمة العمل الإبداعي مرتبطة بقيمة مبدعه وذاته، سواء كان فناناً أو أديباً أو فيلسوفاً أو مخترعاً، ومن حقه أن يغاير تطلعات جميع شرائح المجتمع ويتحدى السائد وينطلق إلى ما هو أفضل وأسمى لمصيره وما بعد…

فنان يكتشف ذاته بالمحاورة والمسائلة

كان للفنان التشكيلي السوري "سمير صروي" رأياً حول شخص وأعمال الفنان "حسن ملحم": قال فيه:«"الملحم" فنان متواضع، كوَن مدرسة مع ذاته من خلال تجربته العملية ومتابعته للحركة الفنية التشكيلية في "سورية" واستطاع أن يثبت حضوره، ولا أجزم إن قلت في أغلب المعارض التي تقام في صالات "دمشق" حضوره لم يكن كافياً بقدر محاورته للفنانين في المعارض، فنجده يتساءل كثيرا ولكن بلغة منطقية وعقلانية عن أعمالهم وأساليبهم في التشكيل».

وأضاف: نستطيع القول أن "حسن ملحم" فنان يكتشف ذاته بالمحاورة الهادئة والمنطقية، وهذه الصفة حصرا هي مدرسة بحد ذاتها. لقد كوَن عبر سلوكه ومسائلته الدائمة ثقافة فنية خاصة به، جعلته يحسن تكوَين مشروعه البصري بالفكرة واللون والموضوع، ومن يسير بهذا المبدأ بالتأكيد كل يوم عنده تجربة جديدة ومعلومات مكتسبة، يرافقها العمل والمثابرة.

وقال الفنان التشكيلي السوري "جليدان الجاسم": «أن "حسن ملحم" فنان مجتهد على نفسه، يعمل بشكل واعي وسليم ولا زال في طور البحث والتجريب، ومعالم شخصيته الفنية بدأت تتضح من خلال أعماله التشكيلية المتتالية، وأتمنى عليه أن يواظب العمل بهذا الحس والدأب، فقد وضع خطوات إثبات وجوده والانفتاح إلى العالم على الطريق الصحيح».